لعل أحد مفاجآت الثورة الليبية المبكرة أن الرجل الذي كان يشاع دائما أنه سيقود الإصلاح في ليبيا – لو سمح له أبوه ورجالاته بذلك – هو سيف الإسلام القذافي، وكان عدد من الكتاب السياسيين يراهن على ذلك متأثرا بحملة دعائية ضخمة قادها سيف الإسلام وساعده فيها أبوه.
جاء الاختبار الحقيقي ليثبت فيها أن سيف الإسلام هو نسخة من أبيه مع بعض الرعونة وبعض الغباء الإضافي، تخيل لو أن هذا الرجل حكم ليبيا بعد أبيه لأربعين سنة أخرى، ماذا سيكون حال الناس حينها.
هذه القصة مشابهة تماما لقصة الرئيس السوري بشار الأسد، والذي كان السوريون ينتظرونه بفارغ الصبر قبل وفاة أبيه، وكان الجميع يعلم أن الأب الأسد مريض، وينتظره الموت في أي حين، بل إن الناس كانت تتراهن على موعد وفاته، ولما مات وجاء الابن مكللا بأماني الشعب التي تتحدث عن كونه شاب “أقل من السن الدستوري للرئاسة”، وطبيب، ومتحدث لطيف، ورئيس لجمعية المعلوماتية التي أدخلت الإنترنت لسوريا، أحدث هذا موجة جديدة من الأمل استمرت لعشر سنوات، انتظر فيها الناس أن تتحقق الآمال ويتحسن الحال التعيس، إلى أن اكتشفت الجماهير أن الوضع يزداد سوءا إلى سوء، مما أحدث انفجارا شعبيا ونفسيا تمخضت عنه الثورة السورية التي نراها اليوم.
هذه القصة نفسها حصلت في مصر؛ كان المصريون قد تعودوا على حسني مبارك، وكانوا ينتظرون عهد ما بعد حسني، ولكن الحديث عن التوريث وعن ثلاثة عقود من الزمن تحت ولاية الابن الذين لم يكن بذكاء بشار الأسد في خلق الحملة الدعائية اللازمة له، أدى لانفجار وغضب في الشارع انتهى بالأب والابن في زنزانة الاتهام.
نوافذ الأمل هي التي تمنح الجماهير الصبر على الحياة الصعبة، ونوافذ الأمل لما انسدت في تونس ومصر وسوريا واليمن لم يعد للجماهير قدرة على الصبر، ولما انفتحت نوافذ الأمل في الأردن والمغرب “بناء على التحركات الإصلاحية السريعة هذا العام” أعطت للبلدين حياة جديدة رغم المشكلات الاقتصادية.
بكلمات أخرى، عندما يشاهد الجماهير حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فإن هذا يمنحهم طاقة للحركة والبناء والعطاء والاندماج في الجو العام والبحث عن مصلحة الوطن، وهذا الحراك هو السر السحري في النظام الديمقراطي، فحتى في الدول الديمقراطية التي تعيش الفقر أو المشكلات السياسية الحادة، تجد أن الحراك يمنحها القدرة على البقاء والاستمرار وربما النهوض.
أقول كل هذا تعليقا على الزيارة الخفيفة اللطيفة التي قام بها أمين جامعة الدول العربية للرئيس السوري الأسد، والتي أكد فيها أن الأسد “موافق على إجراء إصلاحات”.
الرئيس الأسد لم يفقد مصداقيته خلال فترة الثورة فقط من خلال مجموعة من القرارات التي أصدرها ولم يتم تنفيذ أي منها على الإطلاق “هذه ليست مبالغة بل قائمة على رصد موضوعي”، بل فقدها عبر عشر سنوات سابقة، وإذا كان بعض الناس في سوريا صار يردد حكايات عن حال سوريا عندما تهدأ الأوضاع ويبدأ تطبيق هذه القرارات “على افتراض أن كل شيء سيعود إلى ما كان عليه في شهر فبراير”، فهذا يأتي من الأمل الذي خلقته هذه القرارات في بعض الناس الذي صار يتمنى تحقق الأحلام معطيا فترة إضافية للنظام الحالي، ولكن من الواضح أن هذا لم يحرك الجماهير خارج العاصمة السورية التي ترى آلة القتل والدمار تسحق كل شيء أمامها.
إذا كان الرئيس الأسد يريد أن يقنع الجماهير بأي شيء فعليه أن يتحرك بسرعة هائلة، أن يغير كل شيء من حوله، أن يمتلك القوة لإصدار القرارت الجريئة والذكية، وأن يستطيع تنفيذها على الأرض، وأن يتخلى عن شعوره بالقوة المطلقة التي لا يمكن أن يهزها شيء.
ما زالت أمام الرئيس الأسد فرصة لسحب قواته الأمنية، والعمل عن قرب مع الجماهير، وتغيير الأمور، ولكن هذا الأمر مستبعد جدا لسببين:
- الأول: أنه لو كان سيفعل ذلك لفعلها خلال عشر سنوات ماضية، ولكنه لم يستطع إما لانعدام الرؤية أو أو انعدام القدرة.
- والثاني: لأنه من الواضح أن نظام وأفكار واستراتيجيات حافظ الأسد الأب ما زالت تحكم سوريا، وما زال الابن يعيش في إطارها وغير قادر على الخروج حتى من تفاصيلها البسيطة.
عنوان هذا المقال مستوحى من مثل مشهور، ولمن لا يعرف المثل، فيمكنه أن يملأ الفراغ بأي كلمة تروق له مثل: أسوأ، أغبى، أحمق، أشد رعونة، أشد قسوة، الخ..
أما من يعرف المثل، فلربما عرفت مقصدي من المقال منذ أن قرأت العنوان..!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية