هل ساهم الإنترنت، وبالتحديد مواقع الشبكات الاجتماعية مثل “فيس بوك” و”تويتر” في سقوط النظام التونسي السابق، وفي بناء الأحداث التي انتهت بانسحاب الرئيس “بن علي” يوم 14 يناير الماضي ؟
فيما يلي محاولة مني للإجابة عبر نقاط سريعة، ومحاولة لتطبيق لبعض النظريات الهامة في مجال الإعلام الجديد على ما حصل في تونس.
- كان للإنترنت دور هام في مواكبة أحداث تونس، وخاصة لمواقع الشبكات الاجتماعية، فالشعب التونسي شعب متعلم، و19% من التونسيين مسجلين في مواقع “فيس بوك” و”تويتر”، وفي يوم سقوط النظام شارك أكثر من 50 ألف شخص في الكتابة عن تونس عبر “تويتر”، وسجل الموقع حوالي مليون مشاركة في الأيام الأخيرة عن تونس. هذا دور غير مسبوق في تاريخ الإنسانية ولم يكن ممكنا بدون مواقع الشبكات الاجتماعية.
- مواقع الفيديو وخاصة “يوتيوب”، كان لها تأثيرها الساحر، فبينما كان سيكون مستحيلا معرفة ما يحصل داخل تونس في ظل الحصار الذي فرضته الحكومة على وسائل الإعلام، ساهمت الفيديوهات المسربة من تونس عبر هذه المواقع في إشعال العاطفة العربية وكسب التعاطف العالمي.
- لكن هذا لا يعني أن التغيير في تونس نجح بسبب الإنترنت فقط، ومن يقول ذلك يفعله في الغالب لأنه يريد تبسيط الأمور والخروج بعامل رئيسي يفسر ما حصل.
الحقيقة أن عوامل كثيرة ساهمت في بناء الأحداث منها الأوضاع الاجتماعية الحادة، وسنوات طويلة من الضغط الداخلي، وما حدث في الشارع التونسي، ودور الجيش، بالإضافة لدور الإنترنت والإعلام الاجتماعي والقنوات الإخبارية.
هناك – في رأيي – أربعة أسباب رئيسية لدور الإعلام الاجتماعي في التغيير؛ وهي:
- لقد أعطت تكنولوجيا الإنترنت والشبكات الاجتماعية كل إنسان الفرصة أن يصبح وسيلة إعلام قائمة بذاتها، وإذا سمينا هذا النوع من الإعلام بـ”الإعلام الفردي” فإن حديث عشرات الآلاف من “الإعلاميين الفرديين” في اتجاه واحد يعني بناء حزمة ضخمة من المعلومات قد تتفوق في تأثيرها أحيانا على وسائل الإعلام الجماهيري مجتمعة، وهذا ما حصل في إيران ومالدوفا ثم حصل في تونس هذا العام.
- “تويتر” و”فيس بوك” وغيره تحول إلى “مكبر صوت” يتحدث فيه الجمهور بصوتهم فينتقل لكافة أنحاء العالم، ويحدث ضجة لا يمكن للأحداث في الشارع وحدها إحداث مثل هذه الضجة، ولذا فالتأثير ليس فقط إعلامي بل هو أيضا اجتماعي وسياسي.
- “تويتر” و”فيس بوك” يعالج أزمة تأخر الصحافة المكتوبة – لأنها تصدر مرة كل يوم – واحتياج الصحافة التلفزيونية للصورة والإمكانيات، ويعالج ضعف مواقع الصحافة الإلكترونية، وبالتالي يقدم ما لايقدمه الإعلام سرعة وكثافة وتنوعا.
- الناس بشكل عام تثق في الصوت الفردي وصوت الجمهور أكثر من ثقتها في الصوت الإعلامي المؤسساتي والرسمي.
- يبقى للقنوات الفضائية تأثير ضخم كتأثير الإعلام الاجتماعي، ويصبح التأثير حقيقيا عندما تمضي كل الرسائل في اتجاه واحد.
هناك نظرية إعلامية هامة اسمها “التأطير” (Framing) يمكن تطبيقها هنا، حيث إن الأهم من المعلومات هو كيفية تفسيرها وفهمها من طرف الجمهور، والقنوات الفضائية لديها دور أقوى في التأطير بسبب مصداقيتها وكونها جماهيرية وتستعين بالخبراء.
لو كان تأطير ما حصل في تونس أنه مؤامرة أمريكية فرنسية لاختلف رد الفعل عن الإطار الذي يقوم على مقاومة الاستبداد، وهو أيضا إطار مختلف عن تأطير ما حصل في الأردن من أنه احتجاج على ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
- يساهم في التأطير كذلك أيديولوجيات وتجارب العرب في فهم الأحداث السياسية، والعرب بشكل عام لديهم أحلام التمرد على الأنظمة القمعية، ولديهم أيضا هم مقاومة التأثير الغربي والتدخل الأمريكي، وغير ذلك من الأفكار الشائعة التي تساهم في تأطير الأحداث، وتأطير رسائل الإعلام الاجتماعي.
- الإعلام الاجتماعي والإنترنت ساهم في نقل المعلومات للقنوات الفضائية التي اهتمت بتغطية الأحداث، واستفادت في الوقت نفسه مما يكتبه الجمهور، وهذا دور هام جدا لم يظهر إلا في السنتين الأخيرتين، وكان دورا حاسما مع التضييق التونسي الحاد على وسائل الإعلام.
- التدوين عبر “تويتر” باللغة الإنجليزية له دور أساسي في كسب اهتمام الإعلام الغربي، والذي يؤدي عادة لاهتمام الحكومات الغربية، وتدخلها، وهذه المعلومة يعرفها المدونون جيدا والذين يسعون بكل طريقة أن تصبح قضاياهم المحلية حديث الإعلام الغربي من خلال تويتر.
- بعض الغربيين، وأبرزهم أكاديمي أحد كتاب المجلة الشهيرة “فورين بوليسي”، سمى ما حصل في تونس بـ”ثورة تويتر”، وهذا غير صحيح طبعا، ولكنه يعبر عن احتفاء الغربيين الدائم بتأثير تويتر لأنه احتفاء بنجاح أدوات أمريكية في إحداث التأثير الناعم بعيدا عن التأثير الرسمي الأمريكي، هذا حلم غربي يتحقق مع مبالغة واضحة في تقدير الآثار.
- آخرون سموها بـ”ثورة ويكليكس”، على أساس أن الوثائق كشفت الفساد الرهيب في تونس، وهذا أيضا غير صحيح لأن الشعب التونسي يعرف عن ذلك الفساد من سنوات طويلة، وهو ليس بيت القصيد.
- الأحداث في تونس ستخلق تركيزا على قضايا تدفق المعلومات، وكيفية استخدامها وتأطيرها، بدون التضييق على الشعوب واستفزازها، كما ستخلق حماسا مبالغا فيه لدى الشعوب لاستخدام الإنترنت بهدف التغيير، وهذا سيخلق صراعا من الصعب التنبؤ إلى أن سيذهب.
رحم الله محمد بوعزيزي وأسكنه فسيح جناته..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية