تخيل لو أن شخصا ما يتابعك أينما تذهب، يكتب معلومات عنك، وما تأكله وما تشربه، وكل شيء تقرأه وتكتبه، ولا يتركك لحظة واحدة، وعندما تسأله لماذا تفعل ذلك، قال لك بأنه يريد بيع هذه المعلومات للمعلنين حتى يستطيعوا توجيه الإعلانات المناسبة لك.
هذه هي الصورة الذهنية التي يرسمها أولئك الذين ينادون بأن هناك مشكلة اسمها خصوصية المعلومات، وخاصة مع تزايد وتطور الأدوات التي تستخدمها مواقع الإنترنت لجمع المعلومات عن مستخدمي الإنترنت وبيعها على المعلنين لزيادة فعالية الإعلان وزيادة ما يسمى بـ”نسبة النقر على الإعلان مقارنة بعدد مشاهديه” CTR.
مواقع الإنترنت ترد عادة على أولئك الناقدين بأنها في النهاية لا تعرف اسم المستخدم، وتجمع هذه المعلومات آليا، ولا تستخدم هذه المعلومات بشكل يضر بالمستخدمين، وبالمقابل، فإن عملية الجمع هذه مهمة لدعم الدخل الإعلاني للمواقع، مما يعني استمرار مجانية الإنترنت وتطور خدماته بدون أن يدفع المستهلك أي مقابل مادي.
لكن هذا الرد كما يبدو غير مقنع، ولذلك فهناك عدد كبير من السياسيين والجهات الحكومية وجمعيات حماية المستهلك والتي تناقش باستمرار مختلف الأفكار التي تحمي مستخدم الإنترنت وتمنع المواقع من جمع المعلومات عنه.
أحد هذه الحلول اقترحته هيئة التجارة الأمريكية FTC والتي سمته بحل “لا تلاحقني” Do not track، بحيث يستطيع مستخدم الإنترنت من تغيير خياراته لرفع مستوى الخصوصية بشكل يجعل جمع المعلومات عبر المواقع أمرا غير قانوني.
إقرار هذا القانون سيكون له تأثير عالمي لأن معظم المواقع الكبرى أمريكية، والشركات التي تنتج برامج تصفح الإنترنت أمريكية، وحتى المواقع خارج أمريكا تريد أن لا تدخل في مشاكل قانونية مع الأمريكيين حتى لا تؤثر سلبيا على تصفح الأمريكيين لها.
ولكن هناك مشاكل عدة تواجه هذا القانون، ومنها أن جمع المعلومات يمكن أن يتم عبر شركات خارج أمريكا، ثم يتم بيع هذه المعلومات للمعلن الأمريكي، والذي لا يوجد ما يحرم شراءه هذه المعلومات، بالإضافة لعدد من المشاكل التنفيذية الأخرى.
هناك أيضا مشكلة الاقتصاد المتدهور في أمريكا والمخاوف أن تطبيق هذا القانون سيؤثر على الكثير من مواقع الإنترنت سلبيا وبالتالي التأثير على الاقتصاد الأمريكي الذي يحتاج للانتعاش وليس للمزيد من التدهور.
لكن تطبيق القانون من عدمه ليس القضية، بل القضية الحقيقية هي أنه لا أحد يعرف ما إذا كانت الناس تنزعج فعلا من جمع المعلومات عنها على الإنترنت واستخدامها إعلانيا.
تستشهد شركات الإنترنت على أن الناس ليس لديها هم الخصوصية من الإقبال الشديد على موقع “فيسبوك” والذي يكاد ينتهك كل أنواع الخصوصية الممكنة للجمهور، ولكن الجمهور لا يبدو أنه يبالي على الإطلاق.
لكن هناك من يرد على ذلك على أساس أن برامج الكمبيوتر الحالية تحاول بناء بروفايل متكامل عن الشخص مستخدم الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية مثل “فيسبوك” سيساعد على ربط هذا البروفايل باسم وصورة وعمر معين وحتى شبكة الأصدقاء، مما يعني في النهاية أن كل إنسان سيكون هناك سجل متكامل عنه متاح للبيع لشركات الإعلان وربما لكل من يدفع بشكل أو بآخر.
هذا الأمر سيصبح أكثر إزعاجا عندما يتكامل البروفايل الذي تعده شركات الإنترنت مع البروفايل الذي تعده شركات الاتصالات، فعندما يتم ربط البروفايل برقم موبايلك، فهناك أيضا كم هائل من المعلومات تجمعه شركات الاتصالات سيساهم في رسم صورة مكثفة عن الشخص وعاداته الحسنة والسيئة قد لا يعرفها أقرب المقربين إليه. إذا وصلت الصورة بهذا الشكل للمستهلكين فالكثير منهم سيخاف من هذا الأمر وسيطالب بخاصية “لا تلاحقني”..
بشكل أو بآخر سيصدر الأمريكيون قانونا لحماية خصوصية الأشخاص، مع الضغط الهائل لجمعيات حماية المستهلك، ولكل قرار سلبياته وإيجابياته، ونحن في العالم العربي في النهاية سنكون مجرد متأثرين بالقرار ليس إلا، فلا أحد على الإطلاق يتحدث في هذا الموضوع على الصعيد التشريعي أو التنفيذي …
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية