التعليم: هل تصلح التكنولوجيا ما أفسده الدهر ؟

من قسم الثورة الرقمية
الأحد 08 سبتمبر 2019|

التعليم يصنع المستقبل، سواء كان مستقبل الطلبة في المدارس والجامعات، أو مستقبل المجتمع كله.

ولكن الحقيقة الأليمة أن معظم برامج التعليم غير قادرة على ذلك، وتعاني من مشكلات كثيرة: تأهيل لا يتناسب مع التطورات السريعة للعالم، وخاصة مع ثورة المعلومات و”انفجار الذكاء التقني” في العالم، ومشكلات كثيرة غيرها.

هذا التفاوت الكبير بين الواقع والمأمول يجعل النقاش حول التعليم وتطويره ساخنا ومعقدا دائما، ويتوقع أن يزيد هذا في العقد القادم لأن التقنية الرقمية وتقنيات المستقبل ستحدث تغييرات حادة في مختلف القطاعات، وعدم مواكبة ذلك تعني فشل العملية التعليمية، والذي قد ينتج عنه مستقبل فاشل كذلك.

من يتوقف عن التعليم المستمر لن يمكنه مواكبة التطورات في أي قطاع من القطاعات

الأمر الآخر والهام أن الذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل ستحدث تأثيرا عميقا على خريطة الوظائف المتاحة للناس في المستقبل، مع تغلغل التكنولوجيا التي ستقضي على حوالي 40% من الوظائف اليوم. هذا كله يشرح لماذا توجد الآن منظمات وجهود مكثفة على مستويات كثيرة لمناقشة مستقبل التعليم وتطوير العملية التعليمية.

لعل التغير الأساسي الذي قد يعالج المشكلة ويحصل حاليا بتدرج بطيء في العملية التعليمية هو التحول للفصل الدراسي الرقمي، والمنصات الرقمية في التعلم بدلا من الورق، هذا بطبيعة الحال سيغير طبيعة العملية التعليمية تدريجيا حتى تصبح مختلفة عما هي عليه الآن.

الأنظمة الرقمية بطبيعتها قائمة على تنوع المحتوى “ما بين النص والفيديو والصورة”، وهي تسمح بالتفاعل العالي بين الطالب وبين المادة الدراسية، كما تسمح بخلق شبكات اجتماعية تجمع الطلاب والمعلمين، بحيث يصبح التعلم على أفضل أوجهه.

هناك بعض الأنظمة المطروحة حديثا من شركات تقنية تتضمن تجارب الواقع المعزز، والواقع الافتراضي، والتي تسمح بربط التجربة الحياتية العملية مع المادة النظرية، بينما الطالب جالس على جهازه ويلبس نظارة الـVR.

الواقع الافتراضي سيسمح للطالب أن يدخل مصنع كيميائي بينما هو يقرأ عن صناعة مادة معينة، ويتفاعل مع معطيات ما يقرأ، هذا من شأنه أن يغير التجربة التعليمية بشكل كبير.

ولكن المستقبل يحمل أكبر من ذلك بكثير، إذا أضفنا الذكاء الاصطناعي لهذه الأنظمة، بحيث صارت التقنية تحلل رغبات الطالب وإمكانياته وعاداته الدراسية، وتبدأ في بناء منهج دراسي متوافق مع ذلك، بما يخلق تجربة فريدة لكل طالب.

هذا يعني أن التقنية ستساعد في تحقيق أقصى قدرات الطالب، وفي نفس الوقت المضي به نحو أهدافه الأكاديمية والعملية بدقة.

يقول أحد مفكري التقنية الأميركيين البارزين، بأن القرن الـ21 لا يتكون من 100 سنة بل من 2000 سنة، لو قارنا التطور الذي سيحصل فيه بمستوى التطور في يومنا هذا.

في تطور سريع مثل هذا لا ينجو في الحياة العملية إلا من يملك قدرات إبداعية وتحليلية عالية “لأن الآلة لن تستطيع فعل ذلك”، ومن يملك القدرة العالية على التعلم الذاتي “لأن المتطلبات ونوعية الخبرات تتغير كل يوم”، ومن يملك القدرة على حل المشكلات العملية. هذا ما سيركز عليه تعليم المستقبل.

هذا أيضا يعني شيء آخر: التعليم لن ينتهي مع انتهاء الدراسة الجامعية بل سيكون مستمرا بشكل منظم طوال سنوات حياتنا العملية، من يتوقف عن التعليم المستمر على شكل دراسة أو تدريب، لن يمكنه مواكبة التطورات في أي قطاع من القطاعات.

هناك مشكلة كبيرة حاليا بين الطلاب وهي الملل من المادة العميقة والطويلة، بسبب تعودهم على استقبال رسائل سريعة وبسيطة على أجهزة الموبايل طوال اليوم.

التقنية ستسمح بتحويل المادة بحيث تكون ممتعة أكثر، وتكون على شكل جرعات صغيرة، وربطها بالألعاب والترفيه، بحيث تستطيع جذب الطلاب على التعلم بشكل مستمر.

أنظمة البيانات الضخمة عندما تستخدم في التعليم ستعني أن هذا الجمود في تطوير التعليم سينتهي من ميزة الأنظمة التعليمية التقنية المتقدمة التي يتوقع أن تأتي خلال السنوات العشر القادمة أن تجعل الآباء والأمهات جزءا من العملية التعليمية، وخاصة مع اعتماد الأجيال الجديدة على أسرهم بشكل أكبر، وهذا يعني أن هذه الأنظمة ستضع جزءا أساسيا من المتابعة على الأسرة أو المدرس الخصوصي.

التقنية ستسمح بجمع بيانات كل طالب منذ أول يوم دراسي في حساب موحد يحمل كل تطوره الدراسي، ويوضح قدراته الخاصة، والموضوعات التي يميل إليها، وكيفية معالجته للمشكلات، وهذه البيانات ستساعد على التقييم المستمر من الجهات التعليمية، للطالب أولا، ولكن الأهم لمجموع الطلاب، وملاحظة المشكلات، ومعالجتها.

أنظمة البيانات الضخمة عندما تستخدم في التعليم ستعني أن هذا الجمود في تطوير التعليم سينتهي، وسيكون التطوير مستمرا بناء على معلومات دقيقة وواضحة عن الطلاب ومشكلاتهم واحتياجاتهم.

أذكر مرة أنني طلبت من ابني وكان عمره ستة سنوات أن يسألني إذا صعب عليه شيء من مواده الدراسية، وأجابني باستغراب: لماذا أفعل ذلك وعندي “يوتيوب” ؟ وكانت العبارة التي قطعت قول كل خطيب.