في يوم 17 فبراير القادم سيتم إيقاف البث التلفزيوني العادي لكل القنوات التلفزيونية العامة في أمريكا بحيث يصبح البث الوحيد المتاح هو البث الرقمي Digital TV، والذي يتميز بجودة أعلى وميزات تقنية عديدة تسمح ببث عدة برامج على القناة نفسها في الوقت ذاته، وإيجاد الخدمات التفاعلية وإرسال معلومات نصية مكثفة مع القناة.
لم يكن القرار الأمريكي سهلا، لأن التحول من البث العادي إلى البث الرقمي يعني تغيير كل أجهزة التلفزيون والتحول إلى الأجهزة الرقمية، ولأن مثل هذه الخطوة كانت تعني للمعلنين والمحطات التلفزيونية أنها ستفقد عددا كبيرا من الجمهور الذي لم يكن مستعدا للتحول إلى الأجهزة الرقمية _ رغم أنه تم إعلان تاريخ التحول قبل أربع سنوات _ فقد أعلنت الحكومة الأمريكية عن برنامج لدفع قيمة محول يسمح للجهاز العادي باستقبال القنوات الرقمية (40 دولار)، وقد أثبت هذا البرنامج فعاليته حيث استفاد من برنامج الدعم الحكومي حوالي 20 مليون شخص، ما زال أكثر من 3 ملايين منهم ينتظرون توفر الجهاز خلال الأسابيع القادمة بعد نفاده من الأسواق.
التحول من البث العادي إلى البث الرقمي يعني أيضا أن تغير المحطات التلفزيونية الكثير من أجهزتها حتى تنتقل إلى البث الرقمي، وهذا يعني استثمارا ضخما يصل إلى عشرات ملايين الدولارت، ولا تقوم به المحطات عادة إلا عندما تضمن وجود تنظيم حكومي يكفل أن يحول الجمهور أجهزتهم إلى أجهزة التلفزيون الرقمي.
هذا ما حصل فعلا في هولندا عام 2006، وفنلندا عام 2007، وأمريكا هذا العام، وسيتم التحول في كندا في 31 أغسطس 2011، وبريطانيا 2012، والصين ستتحول في عام 2015.
الأمر بالنسبة للعالم العربي أصعب بكثير، وسيكون من اللطيف مراقبة كيف حدوثه، وذلك لأن طبيعة القنوات الفضائية أنها تبث على أقمار صناعية تابعة لعدة دول عربية، وشركات المحطات التلفزيونية تحتاج للكثير من الوقت حتى تغير أجهزتها، والأمر نفسه ينطبق على شركات الإنتاج وشركات الإعلان التي تعد المحتوى التلفزيوني على أشرطة لا تتوافق مع مواصفات التلفزيون الرقمي.
في نفس الوقت، فإن هذا الإنفاق يتطلب تغييرات ذات علاقة بتقنية الأقمار الصناعية، ويتطلب شعورا لدى القنوات بأن هذا الاستثمار سيكون مثمرا وأن الناس ستغير أجهزتها التلفزيونية إلى أجهزة رقمية _ وإن كانت معظم الأجهزة الجديدة رقمية على كل حال.
السيناريو السهل الوحيد أن تعلن كلا من عربسات ونايلسات موعدا محددا بعد عدة سنوات تجري فيه هذا التحول، ويكون هناك دعم حكومي من الدول العربية لهذا التحول، ويتم إطلاق حملة إعلانية ضخمة لإعلام الجمهور بهذا التحول، وغير ذلك.
هذا الأمر لا بد أن يحصل لا محالة، لأن التلفزيون الرقمي سيحضر معه تقدما لن يتحمل العرب البقاء بدونه لسنوات طويلة، وخاصة إذا تعلق الأمر بالجهاز الذي يتسمر الجمهور العربي أمامه بمعدل ست ساعات يومية حسب الدراسات التسويقية.
* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية