عندما يدير رجال الأعمال منظماتنا الدولية

من قسم سياسة
الأربعاء 14 فبراير 2007|

لا أظن أن أحدا يشك في فشل معظم منظماتنا الدولية بما فيها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، حتى صار هذا من مكرور القول كلما عقدت قمة من القمم التابعة لهذه المنظمتين أو بعض المنظمات المنبثقة عنها.

هنا أود أن أقدم اقتراحا مختلفا يقوم على نظرية بسيطة وهي أن فشل هذه المنظمات حصل لأنها تدار على أسس “سياسية” و”دبلوماسية”، وأن نجاحها ممكن لو أديرت على أسس تجارية أو اقتصادية.

العالم العربي لا يحتاج في علاقاته السياسية المعقدة لجامعة الدول العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي وخاصة في ظل التشتت السياسي العربي، ولكنه من الممكن أن يبني تعاونا مميزا إذا بنى علاقاته على أسس التطوير الاقتصادي والتجاري.

العالم العربي سينجح في تحقيق شيء إذا استطاع تحويل نفسه لسوق واحد ضخم، بدلا من أسواق متعددة بينها الكثير من الحواجز والفروق، لأن توحيد السوق العربي أو الإسلامي سيكون له أثر عالمي كبير جدا، مقارنة بأي أثر على المستوى السياسي.

رجال الأعمال لا يمتازون فقط بقدرتهم على إيجاد مثل هذا التعاون الاقتصادي، بل إنهم رجال عمليون عادة، لا يحبون البيروقراطية، ويفهمون كيف يمكن منع تسرب الفساد الإداري لمؤسساتهم، ويحاسبون موظفيهم بقسوة، لأنهم يدركون أن الموظف الضعيف كفيل بإضعاف المؤسسة كلها في الجانب الذي يتولاه.

رجال الأعمال أيضا يعرفون كيف يوجدون الأفكار ويعرفون كيف يتابعون تنفيذها، ويعرفون كيف يمكن تحويل كل فرصة إلى ذهب.

لقد كانت الشكوى دائما أن البيانات النهائية للقمم العربية والإسلامية هي مجرد شجب واستنكار وتوصيات لا ترى نور الواقع، وأنا أدعي أن هذا فعلا هو أكثر ما يمكن تحقيقه، عندما يكون السياسيون الذي تقوم عملتهم على الكلام والحوار ولملمة أطراف المشكلات هم من يديرون هذه القمم.

لو تخيلنا حصول ما أقترحه، وتعين أحد رجال الأعمال العرب العمالقة إدارة جامعة الدول العربية فسنجد بياناتها الختامية تتحدث عن مشروعات مشتركة وأرباح ونتائج على الأرض تستفيد منها الحكومات والشعوب، وتزيد من توحد العرب الاقتصادي، عندما تعذر التوحد السياسي.

نحن في عالم يحكمه اليوم الاقتصاد والمال، والسياسة فيه تخدم الاقتصاد، ولا يمكن للعالم العربي أن تقوم له قائمة ما دام يعيش بدون سوق اقتصادية مشتركة.

لو نظرتم للاتحاد الأوروبي لوجدتم أن البعد الاقتصادي فيه أقوى من البعد السياسي، ولذا أوجد السوق الأوروبية المشتركة ووحد العملة “اليورو” وطور سوق العمل المشترك ودخل في حروب اقتصادية منظمة مع أمريكا واليابان وغيرها، وحتى عندما يتحدث عن دور سياسي فهو عادة يتحدث عن مساعدات اقتصادية وبرامج استثمارية لمساعدة الشعوب التي يريد الاتحاد الأوروبي التقرب منها لسبب أو لآخر.

لهذا السبب تحلم تركيا ودول أخرى كثيرة بالانضمام للاتحاد الأوروبي، وذلك ببساطة لأن هذا يعني الرخاء الاقتصادي للدولة.

ولو نظرت لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ستجد أنجح مؤسساتها هي البنك الإسلامي للتنمية، وهي المنظمة الوحيدة الدولية على المستوى العربي والإسلامي التي تحرص كل الدول الأعضاء على تلبية متطلبات العضوية فيها لأنها في النهاية تحقق نتائج مثلى لجميع هذه الدول الأعضاء.

حتى عندما تأتي الأمور للعلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى غير العربية أو غير الإسلامية، فرجال الأعمال سيكونون أنجح في بناء هذه العلاقات، لأنهم يقدرون بعمق أهمية العلاقات مع كل دولة، وستكون قراراتهم أذكى في المحافظة على هذه العلاقات، ولن يلومهم أحد على مشاكل دولهم، لأنهم ببساطة “رجال أعمال”.

لقد استطاع الحريري، رحمه الله، أن يحقق الكثير للبنان ما لم يستطع كثير من السياسيين تحقيقه، وذلك لأنه رجل أعمال محنك، استخدم علاقاته وماله وذكائه وعمله الدؤوب لخدمة بلده، وصار ورقة قوة لم يمكن لخصومه الانتصار عليها إلا باغتياله.

إنني جازما أعتقد أن زمن السياسيين على مستوى التعاون العربي والإسلامي المشترك قد انتهى لأنه ليس هناك ما يمكن إضافته لجهود وزراء الخارجية العرب سوى البيانات التي جربها العرب لفترة طويلة ولم تغن عنهم شيئا.

المشكلة في نظري أن رجال الأعمال أذكى عادة من أن يوافقوا على أن يشغلوا أنفسهم بهذا الصداع، ويفضلون أن يتركوا هذا الهم البيروقراطي الضخم لـ.. “عمرو موسى”!!