إذا كانوا يكرهوننا فلماذا نحاورهم؟

من قسم سياسة
السبت 02 يوليو 2005|

كان هذا السؤال الذي طرحه علي أحد الزملاء عندما كنا نتحدث في ليلة من ليالي الرياض عن أهمية الحوار مع الغرب ومع الأمريكيين بالذات، وعندما كنت أروي المثال بعد المثال الذي يوضح التقصير الشديد الذي يمارسه العرب في بناء علاقات حضارية وثقافية وسياسية واقتصادية مميزة مع أمريكا وأوروبا.

إنها الحقيقة المؤلمة التي تصدم كل من تعامل مع الأوساط الدبلوماسية والسياسية العربية في أمريكا، وهي أننا نخسر الكثير جدا على كل المستويات حتى صرنا قطعة الخشب التي توجه لها كل الأسهم بسبب الكسل والغباء وتغليب المصالح الذاتية والمركزية وهي أمور تعمل مجتمعة على جعل وجودنا في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس فضلا عن برلين وطوكيو وبكين وموسكو وغيرها وجودا ضعيفا هزيلا مثيرا للشفقة.

لكن الحقيقة التي استقرت في أذهان الكثيرين بفضل نظرية المؤامرة العظمى أن الغرب يكرهنا، يترصد كل فرصة للانقضاض علينا، يبحث عن أي مبرر ليجعل منا أضحوكة وليسرق مواردنا ويقضي على النعيم الذي نحن فيه، يشتد به الحسد من خيرات بلادنا، فضلا عن الكراهية الدينية والعنصرية التي تجعله يشن “حربا صليبية” علينا، ومع إيمان الكثيرين، بكل أسف، أن هذه حقيقة فعلية فما فائدة الحوار وبذل الجهود مع “العدو” الذي لا يرحم؟

لم أشأ أن أناقش زميلي في نظرية كراهية الغرب المطلقة لنا، فإقناع الناس بعكس هذا أمر شبه مستحيل، لأن الذين يعتمدون على نظرية المؤامرة في منطقهم، يجعلون من الإشارات والكلمات والقصص التي قرأوها على ساحات الإنترنت وسمعوها من الأصدقاء أمورا مسلمة يبنون عليها نظريات كبرى، فالمؤامرة أمر خفي، يكفيك أن ترى “الدخان” حتى تؤمن بالنار، أما أن تفند وجود الدخان، أو تقنع الناس بعدم وجود النار رغم الدخان فهذا أمر أثبتت التجربة صعوبته البالغة.

كان جوابي لنكون “العدو العاقل” بعد أن كنا “الصديق الجاهل”.

كنا الصديق الجاهل، لأننا ضيعنا فرصا هائلة لبناء علاقات إيجابية مع الغرب خلال العقود الماضية، بينما استغلت الفرصة دول أخرى مثل إسرائيل وكسبت الجولة، كنا كالصديق الأحمق، الذي يجر عليك البلاء، وإن كفاك شره، فهو على الأقل لا يفيدك في شيء. 

إن أكبر خطأ نرتكبه عندما نتحدث عن الغرب هو التعميم المطلق، الذي يجعل الغرب بتعدد دوله واتجاهاته السياسية والفكرية ومؤسساته المدنية والسياسية وكأنه كتلة واحدة تتحرك في اتجاه واحد. بالأمس نشرت أحد الصحف السعودية مقالا ينفي “الوجه الإنساني” عن أمريكا لأن هناك تقرير خرج عن “مجلس العلاقات الخارجية” _ وهو مركز أبحاث خيري مستقل _ يتهم المؤسسات الخيرية الإسلامية بدعم الإرهاب، وهذا _ حسب ما قالت الكاتبة _ يتناقض مع دعوة الرئيس بوش، للاهتمام بالعمل الخيري، رغم أنها تذكر في نفس المقال تصريحات لأربع مسؤولين أمريكيين أعلنوا رفضهم لنتائج التقرير.

هذا التفكير ليس شاذا، فكم هي المقالات والدراسات وبعضها مرفوع لجهات عليا التي تجعل من أي عبارة تخرج من أي جهة دليلا على أن هذا هو اتجاه الغرب كله أو أمريكا كلها.

إن الحقيقة أن الدول المتقدمة بما فيها دول أوروبا الغربية وأمريكا تتميز على مستوى نظامها باستقلال وحداتها السياسية، ففي أمريكا، يتخذ البيت الأبيض اتجاهاته بشكل مستقل عن الكونجرس والمحكمة العليا والمؤسسات الإعلامية _ وكل واحدة منها مستقلة _ ومراكز الأبحاث، بل أكثر من ذلك تجد هناك عدة تيارات سياسية في المؤسسة الواحدة التي تتعايش مع بعضها _ وتتصارع أيضا _ في سبيل مصلحة المؤسسة، وتجد أن المسؤول نفسه يعبر عن رأيه الخاص بطريقة مختلفة عن السلوك العملي للمؤسسة التي يرأسها.

لهذا السبب، يصبح الحوار مهما جدا حتى لا نفقد أولئك الذين لا يزالون يتقبلون الحوار معنا، ولا ينظرون لأخطائنا على أنها مبرر لتدمير العلاقة معنا، ويتقبلون فكرة التعايش السياسي والدولي معنا.

ليس هذا فحسب، بل إن النظام الديمقراطي في الدول الغربية يجعل تبدل الأيام ممكن جدا وخلال فترات قصيرة، بحيث يصبح الاتجاه الضعيف قويا والقوي ضعيفا، ولذا فالحوار اليوم مع الأطراف المتعاطفة وإن كانت ضعيفة حاليا قد يكون قرارا استراتيجيا صائبا لأن هذه الأطراف قد تتولى الحكم يوما وتدير دفة القرار.

الحوار والتعامل الإيجابي مع الغرب هو السلوك الأمثل لأن هناك من سيستجيب، ولأننا على المدى البعيد سنحقق الإنجاز تلو الإنجاز، وإن كان النجاح في الحوار له شروط عديدة ليس هذا محل بحثها.

أخيرا، الحوار و”السلوك الحسن” يجتذب الناس دائما ويستميل قلوبهم، لأن هذا من طبع الإنسان، والحوار يساعدك على فهم “الآخر” مما سيساعدنا بالضرورة على تطوير آلياتنا في التعامل معه، وهذا لا ينطبق فقط على الدول الغربية الكبرى، بل على الكثير من دول العالم التي إن لم نجلس معها على طاولة الحوار ونكف عن سياسة “التطنيش” وسياسة “الصديق الجاهل” فسنفقدها أيضا، لنصبح في النهاية “يتامى” في عالم التحالفات والصراعات.

إذا كان البعض في أمريكا وفي الغرب يكرهوننا، فهذا لا يعني أن نضحي بالبعض الآخر، ولا يعني أن نفقد الأمل في أن نغير الاتجاه، ولا يعني أن نتخذها ذريعة للمزيد من النوم والجهل!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية