شعرت بسعادة بالغة وأنا أستمع إلى الأمير تركي الفيصل، يتحدث في برنامج “إضاءات” مع الزميل تركي الدخيل، عن خطته لفتح قنوات الحوار مع الأمريكيين، وكيف سيبذل جهدا مكثفا ليشرح للأمريكيين ما لا يعرفونه عن السعودية، ويوضح لهم خطأ الصورة الذهنية السلبية التي يحملها بعضهم في أذهانهم.
لقد واجهت السعودية حملة سلبية إعلامية _ سياسية ضخمة في أمريكا بعد 11 أيلول “سبتمبر”، وكانت الحملة مثيرة لاستياء الكثيرين من صناع القرار الذين فوجئوا بحجم الأكاذيب والتشويه الذي وجه ضد السعودية، وخرجت في عام 2002 و2003، دراسات كثيرة تتناول كيفية علاج هذه المشكلة، وبدأ فعلا تبلور بعض الجهود وحملات العلاقات العامة لمعالجة هذا الوضع، ولكن لما هدأت الحملة مع مطلع عام 2004، هدأت أيضا تلك الجهود وكأن المشكلة تضاءلت أو تم علاجها، وكان هذا بالفعل مثيراً للإحباط، خاصة لدى أولئك الذين يعرفون حجم هذه المشكلة، ويدركون أن محفزا آخراً شبيهاً بقضية 11 أيلول “سبتمبر” سيعيد هذه الحملات للصفحات الأولى من الصحف، لتسهم مرة أخرى في تعميق الصورة السلبية الحادة عن السعودية والسعوديين في أوساط الرأي العام في واحدة من أقوى الدول المؤثرة في العالم.
اهتمام الأمير تركي الفيصل، بعلاج هذه القضية، رغم هدوئها الظاهري الخادع، يشجعني على أن أطرح مجموعة أفكار، كان قد تم الحديث عنها في السابق، لتشكل بمجموعها تصورا لبعض الجهود التي يمكن أن تبذل في هذا المجال:
- أولا: نحتاج إلى خطة استراتيجية واضحة، تحدد الهدف الذي سيتم تحقيقه خلال عشر سنوات وخلال خمس سنوات من الآن.
الهدف يحتاج إلى أن يكون مفصلا محددا يمكن قياسه والاحتفال بتحقيقه أو البحث عن الأسباب التي منعت إنجازه، وليس مجرد عبارات إنشائية.
- بعد الخطة العامة، لا بد من أن تكون هناك خطط تفصيلية عديدة جدا تتناول كل منها محورا من المحاور، وآليات للتنفيذ، وخطط متابعة يومية لآليات التنفيذ، وموارد ترصد لتفعيل هذه الآليات، إذ إن تحسين الصورة الذهنية لا يمكن أن يتم إلا من خلال جهود مكثفة تتميز بالصبر الطويل، لأن ما هدم عبر سنوات طويلة لا يمكن بناؤه في يوم أو يومين.
- أحد هذه المحاور تحدث عنه الخبير الاقتصادي الدكتور أنس الحجي، في مطلع هذا الشهر في جريدة “الاقتصادية”، حين تناول كيفية الاستفادة من الطلبة السعوديين في أمريكا كسفراء لبلدهم، من خلال تفاعلهم مع الأنشطة الجامعية والانفتاح على البيئة المحلية، واقترح آلية للتفعيل تتمثل في أن يكون إحدى طرق تقييم الطلاب المبتعثين هو ما يبذلونه من أنشطة لا منهجية على مستوى الجامعة والمجتمع الذي يعيشون فيه.
الآلية الأخرى هي أن يكون في السفارة وقنصلياتها في أمريكا موظفون “علاقات عامة” لا هدف لهم إلا تحفيز تلك المشاركة ودعمها بكل شكل ممكن.
- أضيف لما تحدث عنه الدكتور الحجي، أن هناك آلاف الأمريكيين الذين عاشوا في السعودية يوما وأحبوها مستعدون لأن يكونوا كذلك سفراء شرف من أجلها.
وقد ذكرت في مقالة سابقة عددا من الأمثلة المذهلة على ذلك، بما في ذلك قصة الأمريكي الذي فتح على حسابه متحفا عن السعودية في ولاية كانساس الأمريكية.
هؤلاء أيضا يحتاجون إلى من يفهم عقليتهم وما يريدون ويدعمهم ويتابعهم.
- تدريب فريق متكامل يعمل ضمن السفارة السعودية وآخر يعمل ضمن شركة علاقات عامة مستقلة يتواصل مع وسائل الإعلام الأمريكية ويقدم لها المعلومات الصحيحة ويجيب عن أسئلتها، ويستغل كل فرصة ممكنة لتحقيق الأهداف الإعلامية.
الفريق يجب أن يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، يفهم القضايا السعودية ومستعد لبذل الغالي والنفيس للدفاع عنها، يفهم كيف يتعامل مع الإعلام الأمريكي وكيف يستخدم لغة المعلومات والمنطق، وكيف يتجاوب مع كل طلب ويهتم بالتفاصيل، ولا يقوم بعمله كموظف حكومي فقط.
- تأسيس مركز للدراسات والأبحاث، يقدم المعلومات بشكل مهني محايد، ويكون سندا لهذه الجهود من خلال تقديم المعلومات، ويعمل على مراقبة اتجاهات الرأي العام نحو المملكة، ويقدم مقترحات حول الأهداف الاستراتيجية والتفصيلية والآليات، ويصبح مصدرا للباحثين والأكاديميين وصناع القرار.
- التنقيب في أوساط الطلبة السعوديين في أمريكا عن أولئك الموهوبين الذين يمكن اجتذابهم لاحقا ليكونوا جزءا من هذه الجهود، وتدريبهم على ذلك، بحيث تحل من خلالهم مشكلة قلة الكفاءات السعودية التي تستطيع القيام بهذه الأدوار.
- صورة الإسلام والعرب في أمريكا تؤثر في صورة المملكة بحكم قيادتها للعالمين الإسلامي والعربي، ولذا لا بد من معالجة الأخطاء الضخمة للجالية الإسلامية في أمريكا، التي أسهمت في صنع هذه الصورة السلبية.
- الاستفادة من شبكة الإنترنت في بناء موقع مميز يتم تحديثه يوميا يقدم أجوبة للأسئلة العامة عن المملكة والعرب والإسلام، بحيث يكون محررا بلغة راقية، وبحيث يستفيد منه موظفو السفارة وكل من له علاقة بتحسين صورة المملكة بشكل مباشر.
- تحديد المصالح الأمريكية في العالم العربي عموما وفي المملكة العربية السعودية خصوصا والتركيز عليها وإقناع صانع القرار ورجل الشارع بأهميتها، وبالتالي الاستفادة منها كاستراتيجية لتحويل الرأي العام الأمريكي.
هذه أمثلة فقط كما هو واضح، وأعتقد أن تحقيق هذا كله يحتاج إلى هيئة أو فريق عمل لا عمل له إلا المتابعة اليومية لهذه الجهود وقياس تأثيرها وتعديل الخطط بناء على التحليل العام لها.
هذا الكلام قيل من قبل، وأعيده اليوم، آملا فقط أن نستغل الفرصة قبل أن تهب أي رياح معادية أخرى ترى في أي حدث فرصة لتهييج المشاعر ضد السعودية والسعوديين، ويكون علينا أن نعيش المشاكل التي عشناها سابقا.
إنها الفرصة التي قد لا تتكرر مرة أخرى!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية