تساهم شبكة الإنترنت بشكل حيوي في دعم الحركات الإرهابية في مختلف دول العالم بما فيها خلايا الإرهاب في السعودية التي بدأ فيها تقديم خدمة الإنترنت لعموم الناس قبل ست سنوات تقريبا.
ورغم الجهود الحكومية المبذولة في المملكة العربية السعودية لحجب المواقع ذات المحتوى المشجع على الإرهاب، ولكن هذه الجهود تقف عاجزة أمام الأساليب التقنية التي تسمح بتجاوز مثل هذه القيود، كما لم تمنع من انتشار هذا المحتوى بين المستخدمين خارج المملكة العربية السعودية.
ويطرح الكثير من الخبراء والمتخصصين عددا من القضايا الهامة المرتبطة بالمحتوى “غير القانوني” على شبكة الإنترنت، وخاصة ذلك المحتوى الذي يمثل خطورة بحد ذاته لكونه يساعد في تنفيذ الجرائم بأنواعها، وتتناول هذه القضايا كيفية مراقبة ملايين المعلومات التي تبث على الإنترنت كل يوم وتمييز المحتوى “غير القانوني” دون الإضرار بقوانين ومبادئ حرية المعلومات وحرية التعبير، ودون الإضرار بشركات الإنترنت التي نمت بشكل سريع بسبب المرونة في التعامل مع مستخدمي مواقع الإنترنت، كما تتناول مناقشات المختصين كيفية تمييز هوية الشخص الذي يبث المحتوى اللاقانوني.
وتتميز شبكة الإنترنت بوصولها السريع لملايين الناس في وقت واحد وبتكلفة منخفضة وبدون أي حواجز قانونية تقريبا، إلا أن هذه الصفات التي جعلت من الإنترنت ثورة غيرت العالم إلى الأبد ساعدت شبكات الإرهاب على نشر فكرها المتطرف وتحفيز من يقتنع بهذه الأفكار على المشاركة في أنشطتها الإرهابية ونشر أخبار “مشوهة” تساهم في دعم هذا الفكر وترفع من الروح المعنوية لأتباعه.
إلا أن الميزة الأهم للإنترنت هي مساعدتها على خلق “المجتمع الافتراضي” الذي يمكن مجموعة قليلة جدا من الناس متوزعة جغرافيا أن تكون مجتمعا خاصا بها يساعدها على الالتحام والتواصل الدائم، الأمر الذي يوهم البعض بأن هذا المجتمع “غير محدد الأبعاد الكمية” هو مجتمع كبير وله وزنه، وهذا كان له دور كبير في تضخيم الصورة الذهنية لقوة وحجم المجموعات الإرهابية.
مواقع نشر الفكر الإرهابي
ولعل أبرز المواقع التي تنشر بيانات الشبكات الإرهابية هي المواقع التي تديرها مؤسسات وأفراد أصوليون في أوروبا، وخاصة بريطانيا، وإن كانت هذه المواقع تسعى دائما لإبعاد نفسها عن هذه البيانات وإدعاء أنها تبثها لأهداف إعلامية بحتة، وذلك لتفادي العقوبات التي ينص عليها قانون الإرهاب الجديد في بريطانيا، والذي يجير سحب الجنسية من المطالبين بتهم إرهابية من قبل دول أخرى.
ومن أهم هذه المواقع موقع “مركز المقريزي للدراسات التاريخية” ببريطانيا، والذي يديره الأصولي المصري اللاجئ لبريطانيا د. هاني السباعي، وقد بث الموقع عددا من بيانات الخلايا الإرهابية في السعودية.
ورغم أن السباعي، يصرح بشكل واضح على الموقع بحبه وتأييده لأسامة بن لادن، وهجومه الحاد والمتطرف على الحكومة السعودية، إلا أنه يؤكد على أن “كل ما ينشر في هذا الموقع لا يعبر بالضرورة عن رأي مركز المقريزي، وإنما يعبر عن رأي صاحب المقال”.
وكان د. السباعي، محاميا بمصر إلى أن اعتقل في قضية تنظيم الجهاد عام 1981، الأمر الذي انتهى به للهروب من مصر واللجوء لبريطانيا.
ومن المواقع الأخرى موقع “المرصد الإعلامي الإسلامي” الذي يديره الأصولي المصري ياسر السري.
ورغم ضعف اهتمام الموقع بالخلايا الإرهابية في السعودية، إلا أنه يعتبر مصدرا رئيسيا لبيانات الشبكات الإرهابية الإسلامية، وقد ساهم في انتشار الموقع تركيزه على بعض القضايا ذات الاهتمام الإسلامي العام مثل قضايا اضطهاد الأقليات الإسلامية وغيرها.
ومن المعروف أن ياسر السري، قد حوكم قبل ثلاث سنوات بتهمة المشاركة في اغتيال القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود، زعيم التحالف الشمالي والذي كان يخوض معارك ضد حكومة طالبان، وهي العملية التي تمت عن طريق صحفيين مزيفين قبل أيام قليلة من وقوع هجمات 11 سبتمبر واتهم السري، بمساعدتهما.
وكان السري، قد وصل إلى بريطانيا قبل أكثر من 10 سنوات طالبا للجوء السياسي بعد أن حكم عليه بالإعدام بتهمة المشاركة في محاولة اغتيال رئيس وزراء مصر السابق عاطف صدقي سنة 1993.
وهناك أيضا مواقع معنية بدعم الاتجاه “السلفي الجهادي”، ومن هذه المواقع موقع “منبر التوحيد والجهاد” الذي يديره أبو محمد المقدسي “أبو عصام البرقاوي سابقا”، وهو فلسطيني_أردني، وهو في موقعه يعترف بكونه عضوا في القاعدة، حيث “ كنت قد شاركت في التدريس في معسكرات القاعدة داخل أفغانستان كما درست في معهدها الشرعي في بيشاور في أوائل تأسيسها”، كما يعلن بالطبع إعجابه ببن لادن، مسميا إياه “إمام المجاهدين في هذا العصر”.
وقد سجن المقدسي، في الأردن في أواخر التسعينات بعد أن تم إبعاده من الكويت بعد حرب الخليج، وللمقدسي اهتمام بالتيارات الأصولية المتطرفة واتصال بمعظم هذه التيارات، وكان على اتصال سابقا بجماعة جهيمان السعودية التي قامت باجتياح الحرم المكي الشريف في عام 1981، وهو مؤلف كتاب “الكواشف الجلية في تكفير الدولة السعودية”.
كما أن هناك مواقع تتبع الخلايا الإرهابية السعودية مباشرة، ومن ذلك موقع “البتار” والذي يمثل الموقع الشخصي لـ”يوسف بن صالح العييري”، أحد قادة الخلايا الإرهابية في السعودية والذي قتل في مواجهات مع رجال الأمن السعودي.
ويتضمن الموقع الذي تم حجبه على الإنترنت قبل أيام قليلة رسائل وفتاوى خاصة بالعييري، بالإضافة لدروس حول حرب العصابات، وحرب المدن، و”سلاح الملاحة الإلكترونية” و”الدورة الرياضية للمجاهد”.
وهناك أيضا موقع “صوت الجهاد: اهتمام شامل بشؤون الجهاد والمجاهدين بجزيرة العرب”، والذي ينشر مجلة “صوت الجهاد” _ صدر منها حتى الآن 19 عددا _ وتنشر مجلة “البتار”، وهي كلها مجلات معنية بتغطية أنشطة الخلايا الإرهابية في السعودية والعراق وغيرها، كما أنها معنية بتقديم الغطاء الفكري والديني والمعنوي الذي يبرر الأنشطة الإرهابية التي تقوم بها هذه الخلايا في السعودية وغيرها.
وهذه المواقع لا تمثل وحدها الوسيلة الوحيدة لبث الفكر الإرهابي، بل هناك المنتديات العامة، وأشهرها منتدى الساحات، ومنتدى القلعة وغيرها، والتي يبث من خلالها البيانات والفكر المتطرف، كما أنه من الشائع استخدام البريد الإلكتروني ومجموعات “ياهو” Yahoo Groups الإلكترونية لنشر هذه الأفكار، والروابط التي تصل مستلم الرسالة بالمواقع الجديدة لهذه المجموعات الإرهابية.
استضافة المواقع الإرهابية
ولعل الكثير من الأشخاص يتساءلون عن الكيفية التي تحصل بها هذه المواقع على مساحات لها على شبكة الإنترنت، ولماذا يتعذر ملاحقتها وإغلاقها، ولماذا تقدم لها الشركات الدعم، بالرغم من أن الكثير من هذه الشركات غربية، ويفترض فيها محاربة الجهات التي تتبنى الحرب على الأمريكيين والأوروبيين حول العالم.
ولعل أحد الأسباب التي تفسر وجود هذه المواقع هو أن الكثير من الشركات تستضيف هذه المواقع دون أن تعلم بهوية المحتوى الموجود على هذا الموقع.
ولعل من أبرز الأمثلة موقع “البتار”، والذي قمت بتعقب استضافته لأفاجأ بأنه مستضاف من قبل جهة داخل المملكة العربية السعودية، والتي تستضيف عددا من المواقع المعروفة.
تحدثت مع علي، المشرف على هذه الجهة، والذي يقوم بدور الوسيط بين مواقع الإنترنت وسيرفرات الاستضافة في أمريكا لأتأكد من هذا الأمر.
علي كان لطيفا ومتجاوبا عبر ببساطة غريبة عن مفاجأته الشديدة مؤكدا بأنه موظف حكومي ومحب لبلده، وصار يسألني عن طبيعة المحتوى “السيء” على الموقع _ والذي لم يحصل له أن اطلع عليه من قبل _ فقلت له بأن الموقع محجوب من طرف “مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية”، وهي الجهة المختصة بهذا الأمر في المملكة العربية السعودية، كان جواب علي، “والله خوفتني”، وقام على الفور بإغلاق الموقع على السيرفر.
علي، أخبرني بمفاجأته، فكيف يمكن لموقع فيه محتوى “سيء” أن يكون موجودا، ولا يتصل أحد به لينذره بذلك، وخاصة أنه ترك رقم جواله واسمه الصريح على موقع جهة الاستضافة.
ويضيف علي، بأن العييري اتصل به عبر البريد الإلكتروني قبل أكثر من سنة، وأخبره برغبته في تأسيس موقع شخصي واستضافته، ورحب هو بذلك، ثم جاءته حوالة من قرية “دبك” تتضمن قيمة استضافة لمدة سنتين.
وأضاف علي، بأن السيرفر أصابه عطل قبل فترة، وتوقفت المواقع على إثره، وقد اتصل به كل أصحاب المواقع المستضافة للاحتجاج ما عدا هذا الموقع، الأمر الذي أثار استغرابه نظرا لكثرة عدد زوار الموقع، ولم يكن علي يعلم أثناء روايته للقصة أن العييري، قد قتل على يد قوات الأمن السعودية.
الحالة الثانية هي الاستضافة من خلال شركات استضافة كبرى، وهذه الشركات تسعى في الغالب لتجتب إغلاق أي موقع، ما لم يتم إثارة مشكلة ما، فعلى سبيل المثال، موقع المقريزي وموقع المرصد الإسلامي، مستضافان من قبل شركة أوروبية معروفة وهي “هوست يوروب” Host Europe.
بعض شركات الاستضافة لجأت لإغلاق المواقع عندما وقعت في مشكلات، ومن ذلك الشركة التي تستضيف موقع “صوت الجهاد” وهي شركة Hosting Anime الأمريكية، والتي فوجئت عندما أعلنت قناة CNN، خبر مقتل الرهينة الأمريكي باول جونسون، بأنها تستضيف الموقع، وقامت بإغلاقه على الفور وإعلانها أنها “لا تدعم الإرهاب أو الهجوم على بلدنا / جنودنا بأي طريقة أو شكل”.
لكن أكثر حالات استضافة المواقع التي تتضمن محتوى “غير قانوني” تتم من خلال سيرفرات الاستضافة المجانية، والتي تقوم بتوفير مساحات محدودة للمواقع الشخصية، حيث تعتمد هذه الشركات على استخدام المواقع الشخصية المجانية لجذب أكبر عدد من الزوار للموقع والحصول على الدخل من خلال الإعلانات.
ولا يكلف فتح موقع على هذه السيرفرات أكثر من تعبئة بعض البيانات والحصول على كلمة سر تكفل تحميل أي محتوى على هذه المواقع والتي تكون في الغالب تابعة لشركات أمريكية لا يستطيع القائمون عليها قراة اللغة العربية.
ولعل أحد الأساليب التي تتبعها الحكومة السعودية لمحاربة انتشار المحتوى اللاقانوني على شبكة الإنترنت هو إيجاد رقابة على المواقع وحجب غير المناسب منها، إلا أن الكثير من الأشخاص يتمكن من تجاوز ذلك الحجب بطرق تقليدية من خلال الاتصال بأشخاص يعيشون خارج السعودية وتلقي المحتوى منهم عبر البريد الإلكتروني، أو باستخدام ما يسمى بالـ”بروكسي”، وهو عبارة عن عنوان لسرفر يمكنك الاتصال به، والتحرك من خلاله لزيارة المواقع المحجوبة، وإن كانت هذه البروكسيات يتم حجبها فور التعرف عليها من قبل الجهات المختصة.
أحد المواقع وهو موقع “منبر التوحيد والجهاد” قدم تكنولوجيا خاصة به حيث حمل الموقع الإعلان التالي: “الإخوة الكرام زوار منبر التوحيد والجهاد في الجزيرة العربية: بإمكانكم الآن _ بفضل الله عز وجل _ تجاوز الحجب عن موقعكم، منبر التوحيد والجهاد، وذلك من خلال تحميلكم لبرنامج خاص قامت لجنة البرمجة في الموقع بإعداده، وهو بمثابة متصفح خاص يتيح لكم استعراض محتويات الموقع كاملة”.
أمن المعلومات
يرى الكثيرون من المهتمين بشؤون الجريمة على شبكة الإنترنت أن معالجة هذه القضايا يتم من خلال ملاحقة المشتبه بهم والقبض عليهم ومحاكمتهم تماما كما يحدث بشأن الجرائم الأخرى، وليس من خلال تقييد حرية مواقع الإنترنت.
إلا أن هذا الاقتراح يبدو غير عملي حتى الآن، وخاصة في حالة ملاحقة أشخاص يعيشون في دول أخرى.
فبالرغم من أن كل جهاز كمبيوتر له عنوان بروتوكول خاص به يسمى IP address، إلا أنه عند ملاحقة أشخاص يعيشون في دول أخرى، يتعذر ذلك تماما لعدم توفر اتفاقيات أمنية بين معظم دول العالم لتسليم المشتبه بهم في قضايا المحتوى غير القانوني على مواقع الإنترنت.
وبالرغم أن هذه الاتفاقيات قد تطورت كثيرا خلال السنوات الأربع الأخيرة بسبب ضغط الجماعات المهتمة بمحاربة الاستغلال الجنسي للأطفال على الإنترنت، إلا أنها ما زالت في بدايتها، وخاصة في حالة القضايا ذات الطابع السياسي، حيث تصنف الكثير من الدول الغربية قضايا الفكر المتطرف والإرهابي على أنها قضايا “سياسية” على أساس علاقتها بحرية التعبير.
يضاف إلى ذلك أن وجود الكثير من أجهزة الكمبيوتر المتاحة لعموم الناس كالأجهزة الموجودة في قهاوي الإنترنت والجامعات والمكتبات العامة وغيرها، وهي ما يجعل الوصول للمستخدم الذي أرسل الرسالة صعب المنال.
وحتى في حالة توفر الاتفاقيات الدولية أو في حالة كون الشخص المشتبه به موجودا في نفس الدولة، فإن التقنيات المتاحة لمختلف دول العالم _ باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية _ هي تقنيات محدودة، حيث تمنع الولايات المتحدة تصدير عدد من تقنيات أمن المعلومات المتميزة والتي قد تسمح بملاحقة المشتبهين، ومن هذه التقنيات أساليب وبرامج تملكها شركة إن كيوتيل In-Q-Tel، والتي تملكها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بشكل رسمي.
لكن بعض المهتمين بقضايا المحتوى غير القانوني على الإنترنت يطالبون بتطبيق حلول أخرى مثل اعتماد توقيع رقمي لكل مستخدم للإنترنت بشكل يكشف هوية أي شخص يرسل أي محتوى على الإنترنت أو عبر البريد الإلكتروني، إلا أن هذا الحل غير عملي لأنه كما يبدو متعارض مع الدستور الأمريكي ومصالح الشركات الأمريكية، حيث تمثل الولايات المتحدة أكبر دولة مستضيفة للمواقع والبريد المجاني في العالم.
* نُشر في موقع قناة العربية «العربية.نت»