إذا كنت من محبي أفلام «جيمس بوند» وترى كيف يقوم الباحثون في المخابرات البريطانية _ حسب الفيلم _ باختراع كافة الأشياء الغريبة التي يحملها بوند معه وتقوم بإنقاذه في كل المواقف، فلك أن تعرف أن هناك الآن شئ حقيقي مثل ذلك وإن كانت المغامرات القادمة على ما يبدو ستكون في فضاء الإنترنت وسيكون بطلها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA.
بعد انتهاء الحرب الباردة في التسعينات الميلادية، بدأت CIA تعاني من التساؤل عن مهمتها الحالية، شأنها في ذلك شأن وكالة الفضاء الأمريكية، ويبدو أن الجواب جاء في تأسيس الوكالة لشركة خاصة تابعة لها تحمل اسم «إن كيوتيل»، ويفترض أن تقوم الشركة الجديدة بالتعاون مع شركات القطاع الخاص في منطقة «سيليكون فالي»، والتي تقع بالقرب من مدينة سان فرانسيسكو وتتركز فيها معظم شركات الكمبيوتر الأمريكية، على إنتاج برامج وتقنيات تخدم الدور الجديد الذي تسعى السي آي إيه لتحقيقه خلال العقد القادم .
وتتضمن تلك التقنيات برامج «أمن الإنترنت» وبرامج مراقبة حركة السير ونقل المعلومات الألكترونية على شبكة الإنترنت التي تمددت الآن بشكل رهيب يجعل من المستحيل للبرامج العادية متابعة كل ما يحدث على الشبكة بالشكل الذي تريد CIA تحقيقه.
أيضا تريد CIA، أن تبني نظاما يمكنها من الاتصال بالمحللين والمخبرين التابعين لها حول العالم ونقل الوثائق والمعلومات بالبريد الألكتروني مع ضمان كامل للسرية بحيث لايمكن لأي من قراصنة الإنترنت مهما كانت خبرته أن يتدخل في عملية النقل ويقبض على أحد الوثائق الأمر الذي سيشكل لوحدث خطرا كبيرا على حرفية وسرية وإتقان عمل CIA.
أيضا ستسعى الوكالة من خلال تلك الشركة بناء التكنولوجيا التي تمكنها من ملاحقة نجوم الإنترنت والذين يريدون معاداتها على الإنترنت، وكانت الوكالة قد أعلنت أن لديها الآن وحدة رسمية تقوم بالدخول “مستخدمة أساليب القرصنة نفسها” على أنظمة كمبيوتر الشركات والبنوك والأجهزة الحكومية حول العالم لجمع المعلومات التي تحتاجها الوكالة وربما لتنفيذ بعض عملياتها.
تمويل عمل الشركة الجديدة يأتي بالدرجة الأولى من الحكومة الأمريكية، حيث أقر الكونجرس الأمريكي 61 مليون دولار أمريكي لتمويل الشركة، بالإضافة للدعم الذي يصلها من ميزانية الاستخبارات الأمريكية.
أيضا قامت شركة «إن كيوتيل»، بالتعاون مع القطاع الخاص بتأسيس شركات إنترنت ينتظر أن تدر عليها ببعض الأرباح ومن ذلك شركة «ميديا سناب» الجديدة، والتي ستطرح على شكل أسهم الشهر القادم.
وستقوم هذه الشركة الجديدة بعقد مزادات للإنتاج الإبداعي بحيث يمكن لأي مبدع سواء كان إبداعه كتابا أو قصيدة شعرية أو رواية أو سيناريو لفيلم سينمائي أو برنامج تلفزيوني أو عملا موسيقيا أو غيره، أن يعرض إبداعه من خلال هذا الموقع على الشركات التي ترغب في شراءه ونشره والاستفادة منه ماديا بحيث تعرض هذه الشركات السعر الذي يمكن أن تقدمه ويتم بيع العمل للشركة التي تقدم السعر الأعلى إذا وافق عليه صاحب المنتج الإبداعي طبعا.
المخابرات الأمريكية متخلفة!
يعيب الأمريكيون على وكالة CIA، والتي حققت في عام 1990 نصرها المشهود في الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا، أن هذه الوكالة متخلفة عن اللحاق بركب التكنولوجيا، حيث لم تربط الوكالة بشبكة الإنترنت إلا منذ عامين فقط ومازالت غير قادرة على الاستفادة من تكنولوجيا الاتصال الحديثة ومازالت تستعمل أساليب قديمة جدا يعود بعضها للسبعينات والثمانينات الميلادية.
السبب في ذلك بالطبع هو حرص المخابرات الأمريكية على سرية المعلومات وعدم ثقتها بعد في التكنولوجيا الحديثة أمام القصص التي تظهر كل يوم عن مراهق هنا أو هناك استطاع اختراق أكثر شبكات الكمبيوتر حماية وتعقيدا، الشركة الجديدة هدفها ببساطة هو حل هذه المشكلة.
أيضا ستعمل هذه الشركة على تطوير نموذج لتعاون المخابرات المركزية مع شركات القطاع الخاص بعد عقود من العزلة التي مارستها CIA على نفسها داخل أمريكا، وذلك أساسا بسبب ضغط الكونجرس الأمريكي الذي منع الوكالة لفترة طويلة من القيام بأي أنشطة داخل الحدود الأمريكية.
وقد يفاجأ القارئ إذا عرف أن نفوذ CIA حول العالم يتكسر تماما على الحدود الأمريكية، ولطالما حاولت الوكالة أن ترصد جهود جهات مشبوهة داخل أمريكا باستعمال أساليبها التجسسية المتطورة، إلا أن القضاء والكونجرس الأمريكي وقف لها بالمرصاد، وهو الأمر الذي بدأت بعض الجهات الأمريكية تتساءل عن مدى صوابه مع وجود معلومات عن نمو الشبكات الإرهابية في أمريكا، خاصة منها التابع لامبراطوريات المخدرات والمافيا.
تعاقدت CIA حتى الآن مع ثمان شركات تقنية أمريكية والهدف واحد: ابحث عن خير العقول التي أنتجتها أمريكا في مجال التقنية وابحث عن أفضل أفكار التكنولوجيا واستثمر في كلا المجالين.
أوجد شركات وادعم شركات قائمة أصلا وذلك لتحقيق مهمة أساسية: حل مشكلات CIA التقنية.
CIA، تحتاج لأقوى آلات البحث التي لا تضيع موقعا على الإنترنت فيه الكلمة أو المعلومة المرغوبة، أصغر أجهزة الاستشعار وأكثرها حساسية، أكثر الشبكات أمنا، برامج قادرة على تحذير CIA ألكترونيا عندما يكون هناك احتمال أي مشكلة، كما أنها تريد برنامجا يترجم كل اللغات على وجه الأرض إلى الإنجليزية بدون أخطاء!
وCIA، تريد ذلك بأسرع وقت ممكن لتبدأ مرحلتها الجديدة من العمل الاستخباري في العالم الألكتروني.
أحد البرامج التي تعمل الشركة حاليا بشكل جدي على تطويرها هو برنامج يعمل مثل الشفاط الضخم الذي يسحب نسخ من كل أنواع المعلومات الموجودة على الشبكة بما في ذلك الحوارات في غرف الدردشة ومجموعات النقاش والمواقع على اختلافها ولقطات الفيديو والبرامج الصوتية وتحويلها إلى ملفات يمكن البحث فيها بسهولة عن كل ماتريده CIA.
الصراصير تتحول لعملاء استخبارات
أحد العقود التي وقعتها وكالة الاستخبارات الأمريكية كانت مع شركة اسمها جرافيتون، بقيمة 2،1 مليون دولار أمريكي.
الشركة ستقوم بناء على العقد بإنتاج أصغر أجهزة الاستشعار في العالم والتي تبلغ من الصغر إلى حد إمكان وضع عشرة منها على الإصبغ الصغير للإنسان، وهذه الأجهزة سيمكنها مراقبة كل شئ، بدءا من الروائح الكيماوية إلى الصوت والصورة، والتي تنقل حسب تعبير الشركة حتى صوت مشي الأقدام، وليس ذلك فحسب بل تنقل المعلومات مباشرة لاسلكيا وبدون حاجة لاسترجاع جهاز الاستشعار فيما بعد.
مدير الشركة، مايكل نوفا، قال في مؤتمره الصحفي مازحا: «نحن نتخيل أن CIA سيأخذون هذه الأجهزة ويزرعوعها على ظهور الصراصير ثم يطلقوها علي المباني التي يريدون التجسس عليها».
العقد الآخر الذي وقعته شركة «إن كيوتيل»، كان مع شركة اسمها «إس آر آي»، والتي ستطور نظاما لأمن الإنترنت اسمه «إيميرالد»، سيكلف ملايين الدولارات وسيكون الأفضل على الإطلاق في حماية الإنترنت من أي عمليات قرصنة أو انتهاك تضع يديها بشكل من الأشكال على وثائق وكالة المخابرات المركزية.
هذا العقد ليس فقط لخدمة CIA، بل لخدمة الشركة نفسها والتي تعتبر مقرا لعدد كبير من الاختراعات الخاصة بالكمبيوتر والأبحاث العسكرية ولديها مخترعات كثيرة لا يريد أحد حتى الآن الاستثمار فيها مثل اختراعهم لآلة بحث مخصصة لمقاطع الفيديو على الإنترنت والتي تستطيع أن تفهم مجموعة كبيرة من لغات العالم وتصنفها.
CIA، بعقدها الضخم ستساعد الشركة على إقامة المزيد من الأبحاث كما ستستفيد من الاختراعات التي لم يتقدم أحد من قبل لخطبة الشركة من أجلها.
بنطلونات مزركشة لقادة المخابرات
لما بدأت وكالة الاستخبارات الأمريكية العمل في منطقة السيليكون فالي كانت هناك الكثير من الحساسية حولها في أوساط الشركات التكنولوجية، لكن الحساسية بدأت تقل شيئا فشيئا وبدأت شركة «إن كيوتيل»، تجتذب أفضل العقول الموجودة في المنطقة على الإطلاق.
في الحقيقة أعطت وكالة المخابرات الأمريكية مؤشرات كثيرة تدل على أنها بدأت فعليا تقلل من عدد المخبرين التابعين لها في أنحاء العالم حتى تضع المال الذي توفره من هذا التقليل في تطوير حضور السي آي إيه على شبكة الإنترنت.
أيضا قامت الوكالة بتكوين فريق عمل «كويك»، وهو مكون من تسعة أشخاص رجال ونساء يجتمعون في مبنى تابع للوكالة بالقرب من العاصمة واشنطن ويقومون بدراسة عملية تحويل وكالة المخابرات المركزية في جزء من عملياتها إلى شبكة الإنترنت.
هذا التحول في الحقيقة يمثل تحولا ضخما في مناخ الوكالة الداخلي والتي بقيت لعقود طويلة من الزمن تفتخر بكلاسيكية التعامل فيها وبالبدلة السوداء الأنيقة التي يلبسها موظفو الوكالة.
حاليا، ولإدراك فريق «كويك» التحول، قرر أعضاء الفريق أن يحضروا الاجتماعات وهم يلبسون البنطلونات القصيرة والمزركشة بالألوان، وذلك لإعطاء أنفسهم الإحساس النفسي بأن الوكالة انتقلت من عالم الفخامة إلى عالم التكنولوجيا المتميز بخفة دمه واعتماده المكثف مع الإبداع والذكاء بعيدا عن المظاهر الفخمة.
لما ظهر مشروع شركة «إن كيوتيل» للضوء، عانى المشروع من حرب شديدة شنها عليه بعض مسؤولي وكالة CIA، وبعض أعضاء الكونجرس، وحجة هؤلاء أن ما تحتاجه المخابرات الأمريكية هو مختبر أبحاث متخصص، بينما قال آخرون، أن المخابرات الأمريكية يمكنها أن تتعاقد مع الشركات لتنتج لها ما تريد دون أن تحتاج هي لتؤسس شركتها الخاصة كما حصل سابقا مع الـ«جلامور اكسبلورر»، وهي سفينة ضخمة صممت في السبعينات الميلادية خصيصا حتى يمكنها انتشال غواصة روسية غارقة في قاع المحيط.
لكن مناصري المشروع حاربوا هؤلاء وقالوا بأن تلك الأيام مضت بلا عودة.
من يضمن لـCIA أن تجد شركات ترضى هذه الأىام بعقود محدودة تستنفد فيها الشركة مواردها البشرية والمالية وأكثر من ذلك كيف يمكن أن تعرف المخابرات الأمريكية ما تحتاجه من التكنولوجيا إذا كانت غير مطلعة على تغيرات السوق السريعة ومندمجة معها.
أضف إلى هذا أن CIA، قد تتعاقد مع شركة على إنتاج شيئ معين بمواصفات معينة ثم يصبح هذا الشيئ قديما في يوم التسليم لأن تطورات التكنولوجيا تمضي بسرعة هائلة جدا.
التحدي أمام هؤلاء الذين وقفوا مع تأسيس شركة «إن كيوتيل»، هو إقناع الكونجرس أن الشركة تمضي في طريقها الصحيح وتستحق الدعم المادي وخاصة أن النتائج العملية لن تظهر إلا بعد ثلاثة سنوات على الأقل.
في عالم الشركات الجديدة في أمريكا، تفشل سبعة شركات من بين كل عشر شركات تظهر للسوق، ولذا فإن شركة «إن كيوتيل»، إذا فشلت في سبع من مشاريعها ونجحت فقط في ثلاث مشاريع فإن الكونجرس الأمريكي لن يرحم المخابرات الأمريكية وسيتهمها بالفشل في تصريف الميزانية، وهذه هي الكارثة التي يخافها الجميع ويحاول العاملون السير بحذر لتجنبها.
المخابرات الأمريكية التي أرعبت العالم لأكثر من نصف قرن من الزمان تصبح كالفأر الخائف حين تأتي إلى بيتها حيث عيون أعضاء الكونجرس، واللجان التابعة للحكومة، ووزارة المالية، والعدل، وFBI، لاترحمهم أبدا، وذلك للاعتقاد أن CIA، لديها من موارد القوة الكثير، وعلى الأمريكيين أن لا يمكنوها من تسليط هذه القوة على أمريكا.
المسموح به فقط هو «العالم الخارجي» بالإضافة لـ«الفضاء الألكتروني» الذي لايعرف أحد كيف سيصبح شكله بعد أن يبدأ موظفو المخابرات الأمريكية بالتجول فيه بحثا عن «المشاغبين».