عملية تأليف الكتب وإيجاد دار نشر تقبل بتسويقها عملية صعبة ومؤلمة في كثير من الأحيان لأولئك الذين يجدون سعادتهم في التأليف.
ليس كل دار نشر ترى في كتاب ما سلعة رائجة، وإذا قبلت بنشر كتاب ما فهي تقبل في كثير من الأحيان بنشر كمية قليلة من الكتب حتى لا تتكلف قيمة تخزينها وتوزيعها، بالإضافة لتكلفة الورق والتجليد.. إلخ.
لكن التكنولوجيا تدخلت هذا العام لتقدم الحل الذي يبدو وكأنه سيحل كل هذه المشاكل ويجعل كل كتاب مهما كانت تفاهته _ على الأقل في اعتقاد الناشر _ قابلا للنشر بدون خسائر، ومهما كانت الكمية المطبوعة من الكتب محدودة، حتى لو لم تتجاوز الكمية نسختين من الكتاب واحدة للمؤلف وأخرى يهديها لأحد أصدقائه!!
التقنية الجديدة واسمها «الطباعة حسب الطلب»، تقوم على أساس آلة جديدة يبلغ حجمها تقريبا حجم ست آلات تصوير صفت بجانب بعضها.
يتم إدخال ديسك كمبيوتر يحمل نص الكتاب في الآلة، فتبدآ الآلة مباشرة بطباعة الكتاب حسب الكمية المطلوبة بمعدل 800 صفحة في الدقيقة وتجليد الكتاب وإخراجه، جاهزا لإرساله إلى المكتبة التي قررت شراء كمية من الكتاب أو إلى الزبون الذي قدم طلبا خاصا للكتاب.
في أمريكا ظهر استخدام تكنولوجي حديث للإنترنت يبدو أنه سيصبح قريبا محل التنفيذ في العالم العربي أيضا بسبب سهولته وأرباحه المرتفعة، وهو بيع الكتب على الإنترنت.
عندما تقوم بإعداد كتاب ذي موضوع لا يرى أحد من الناشرين التقليديين أهميته، فما عليك إلا أن ترسل اسمه إلى أحد هذه المواقع والتي تضع عنوان الكتاب وصورة غلافه ونبذة عنه مقابل نسبة من كل المبيعات.
حين يقوم أحد زائري الموقع برؤية الكتاب ويرغب في شراءه فهو يقوم بإرسال طلب من خلال لوحة المفاتيح، والذي يأخذ طريقه عبر شركة بيع الكتب على الإنترنت إلى المطبعة والتي سرعان ما تطبع نسخة من الكتاب وتضعه في ظرف بريدي وترسله للمشتري.
هذا يعني أنه لن تكون هناك تكاليف للتخزين أو مشكلة وجود آلاف النسخ من الكتاب مخزنة في ركن مستودع ما بلا مشتري أو انتهاء كتاب من السوق وعدم وجود ناشر لنشر طبعة ثانية منه.
في أمريكا أحدثت هذه التقنية الجديدة ضجة هائلة، بحيث يعتقد أن عالم نشر الكتب في أمريكا والذي تبلغ أرباحه سنويا حوالي 5,27 مليار دولار، سيضاعف هذه الأرباح خلال السنوات القادمة بسبب هذه التقنية.
هناك دائما حوالي 30 إلى 40% في المعدل من كل كتاب تبقى في المخازن بلا أحد يشتريها وتسبب نقصا في الأرباح بسبب تكلفة الورق والطباعة التي كلفتها هذه الكتب بلا أي عائد مادي.
هناك أيضا آلاف المؤلفين الذين يكتبون كتبا ليس لها من القراء إلا أقل من ثلاثة أو أربع آلاف قارئ _ مثل الكتب المتخصصة والكتب التنظيرية العميقة _ مما يجعل الناشرين يمتنعون عن طباعة هذه الكتب لأن التكلفة ستكون عالية، وبالتالي الربح قليلا حسب طريقة الطبع التقليدية.
أيضا لن تكون هناك بعد اليوم تكاليف تخزين كميات الكتب وتكاليف شحن صناديق الكتب الثقيلة إلى مختلف الموزعين في أنحاء أمريكا والذين يأخذون نسبهم أيضا من أرباح الكتب، والأمر نفسه يحصل في العالم العربي بالطبع.
التكلفة تبقى في النهاية بالنسبة للمؤلف هي قيمة تصميم غلاف الكتاب وقيمة صف نص الكتاب، وهي قيمة استغنى عنها معظم المؤلفين في أمريكا والذين تعودوا كيف يكتبوا كتبهم مباشرة على الكمبيوتر، والمقابل الحصول على شيك آخر كل شهر يتضمن نسبة المؤلف من مبيعات الكتاب في ذلك الشهر.
الأمر قد يبدو كالخيال بالنسبة للمؤلف في العالم العربي الذي تعود خوض عملية نشر الكتب المكلفة والمعقدة، ولكنها حقيقة ستصلنا خلال السنوات القادمة وتحيل تلك العملية إلى عملية ممتعة ومربحة ماديا أيضا.
ماذا عن القراء؟ هل يستفيدون من عملية «الطباعة حسب الطلب»؟
هذه التقنية كما هو ملاحظ ستسبب ثورة في عالم نشر الكتب تجعل العالم يواجه مئات الكتب الجديدة كل يوم والتي تمثل كل ما خطه قلم على ورق، واعتقد صاحبه أن هذا يمثل كتابا يمكن للآخرين قراءته.
هناك ناحية إيجابية، حيث سنجد المزيد من الكتب المتاحة والمتنوعة التي توافق كل أنواع الرغبات والميول والأذواق.
من ناحية سلبية سيصاب المستهلك بنوع من الحيرة الشديدة أمام آلاف العنواين الجذابة التي لا يعرف ما وراءها وما مدى جودتها ومناسبة الكتاب للقيمة المطلوبة.
في أمريكا قامت شركات بيع الكتب على الإنترنت بإتاحة الفرصة لكل قارئ للكتاب لنشر تعليقاته وتقييمه للكتاب على الإنترنت، مما يجعلك قادرا حين ترى اسم كتاب معين أن تقرأ معه كل ما قاله الآخرون عن الكتاب من نقد أو مدح.
أيضا ظهرت عدد من المجلات المتخصصة التي تلاحق هذه الكتب وتحاول الاستفادة من آراء المتخصصين “الحياديين بالطبع” في تقديم نصيحة للقراء حول أفضل الكتب المطروحة في الأسواق.
هذا أيضا يمكن أن يحدث في العالم العربي خلال السنوات القادمة وعلى القارئ الانتظار.