لا شيء يدهش الغرب في الإسلام مثل حضارته العلمية الشاهقة، ولذا فإن أي من السياسيين أو المفكرين الغربيين الذين يريدون مدح الحضارة الإسلامية يجد هذا الموضوع أو ما يمكن أن يتحدث عنه بحكم اتفاق الغربيين على أن المسلمين كانت لهم في عصورهم الزاهرة إنجازات غير عادية.
هذا الاعتراف يأتي مع ملاحظة أن الكثير جدا من الإنجازات العلمية الخاصة بالمسلمين ليست مكشوفة بعد.
ليس هناك شيء في الكتب العلمية الغربية عن المنهج العلمي الذي ينسب لبيكون، بينما هو مؤصل عند المسلمين قبل مئات السنين، ولا شيء في الكتب الغربية عن المذاهب الفلسفية والقليل هناك فقط من كل علم عن أبرز الإنجازات بعيدا دائما عن التفاصيل.
لكنه لا يمكننا أن نلوم الغرب أبدا، فنحن أضعف الناس في معرفة تاريخنا.
اذهب إلى أي مكتبة عربية وابحث ما شاء لك البحث حتى تجد كتابا واحدا يتناول تاريخا تفصيليا مكتوبا بطريقة علمية لما أنجزه المسلمون عبر القرون في مجال من المجالات العلمية الطبيعية أو في العلوم الاجتماعية أو المذاهب الفلسفية، فضلا عن أن تجد مثل هذه الكتب مكتوبة بطريقة تناسب الأطفال أو الشباب، أو مترجمة بلغات أجنبية.
لكن عدة محاولات إسلامية على شبكة الإنترنت تحاول سد النقص الرهيب الذي نعانيه في هذا المجال.
هذه المحاولات قد تكون أفضل ما يمكن إنجازه فعلا لتقديم المسلمين للغرب عبر الإنترنت.
كل التشويه الذي يعانيه المسلمون لم يطل بعد إنجازاتهم العلمية إلى حد ما، ولا شيء سيبهر غير المسلمين بالإسلام وحضارته مثل التقدم العلمي.
مازال الغرب مبهورا بالحضارة اليونانية لما كتبه أرسطو وسقراط وأفلاطون، ومن المؤكد أن في الحضارة الإسلامية كتابات فلسفية رائعة ستستحوذ على اهتمام وإعجاب الجميع لو أحسن ترجمتها وشرحها بشكل علمي موضوعي.
واحد من أفضل المواقع التي قدمت الحضارة الإسلامية على شبكة الإنترنت موقع للدكتور أكرم زاهور، وهو عالم في مجال الهندسة ومستشار له قيمته على المستوى العالمي، وقد اختير أكثر من عشر مرات في موسوعات «من يكون هو؟»، والمصممة للاعتراف بالأشخاص الشهيرين على مستوى العالم.
د. زاهور، أدرك الاهتمام الجديد بالإسلام والمسلمين في الغرب في التسعينات الميلادية، وإن كان هذا الاهتمام أخذ شكلا سلبيا حادا، حيث ركز الإعلام الغربي على المشاكل التي تجعل المسلمين يبدون متطرفين همجيين متخلفين.
د. زاهور، أحسن بمسؤوليته في إعداد موقع مميز على الإنترنت يقدم الحضارة الإسلامية للمسلمين وغير المسلمين، آملا أن يلتقط المسلمون الخيط، ويسعون من خلال هذا الطريق لتقديم أنفسهم للعالم الذي يجب أن يدرك جمال تعاليم الإسلام وعظمته كمحرض للحضارة الإنسانية وليس للتخلف ولا الانحطاط كما يدعي أعداؤه مستشهدين بحال الأمة الإسلامية هذه السنوات.
اسم الموقع «علماء مسلمون وحضارة إسلامية»، وموضوعه «ما قدمه المسلمون للإنسانية في العصور الوسطى بالنسبة لأوروبا، وفي أيام الحضارة الإسلامية، لولا العلم الشامل الذي حمله المسلون وقدموه للعالم لما حصلت النهضة الغربية، سترى في الترجمات المقدمة أن المسلمون كان لهم الدور الأساسي في فهمنا لأساسيات العلوم والرياضيات والتكنولوجيا وعلم الاجتماع والفلسفة، والذي استخدم دون الإعلام بدور المسلمين العظيم في ذلك.
الموقع يقدم ترجمات لعدد من علماء المسلمين ومنهم جابر بن حيان، أبو الكيمياء، والأصمعي، علوم الحيوانات والنباتات، والخوارزمي، الرياضيات والفلك والجغرافيا والجبر، وعمرو بن بكر، علوم الحيوان، وابن اسحاق، الفلسفة والفيزياء والعدسات والطب والرياضيات، والكندي، علوم المعادن، وثابت بن قرة، الفلك والميكانيكا، وعباس بن فرناس، وعلي بن ربان، والطبري، والبتاني، والفرقاني، والرازي، والفارابي، والمسعودي، والفلكي الصوفي، وأبو القاسم الزهراوي، أبو الجراحة الحديثة، ومحمد البزجاني، وابن الهيثم، والماوردي، العلوم السياسية وعلم الاجتماع، والبيروني، وابن خلدون، والزرقلي، وابن النفيس، وغيرهم كثير.
كل هؤلاء ترجم لهم وقدمت العلوم الذين اشتهروا بها في عصرهم وليس بيننا أو في الغرب.
على الموقع أيضا شهادات عديدة لمؤرخين للعلوم الإسلامية من الغربيين، وكتابات عن مترجمي العلوم الإسلامية من الغربيين، والذي ينسب لبعضهم حاليا ما ترجموه، وترجمات لمدن الحضارة الإسلامية، وكتابات عن الإعجاز العلمي وتشجيع القرآن الكريم على العلم، وعدد كبير من الصفحات عن الحضارة الإسلامية في الأندلس، وصفحات عديدة جدا عن علم الفلك عند المسلمين، والأصول العربية للطب الأوروبي وكيفية اختبار ابن سينا للأدوية واكتشافات الرازي الطبية ودراسات المسلمين عن الحيوانات والترجمات الموجودة للكتب العلمية في اللغات الأجنبية، والعلاقة بين العالم الإسلامية والنهضة الغربية.
هناك أيضا على الموقع عدد كبير من الصفحات تحتوي على شهادات عن الحضارة الإسلامية والحضارة الموريسية، التي نمت في شمال أفريقيا، وعن حضارة المسلمين في الهند وقبة الصخرة، وأخلاقيات المسلمين في الحروب والمدارس الطبية لدى المسلمين، والسماحة في الإسلام وعظمة مدينة تمبكتو والعملات الأوروبية التي كانت تصاغ في العالم الإسلامي، وحضارة المسلمين في وسط آسيا والمسلمون في الصين وجنوب آسيا والعملات الإسلامية وتاج محل.
هناك أيضا مقالات عن الرحلات الاستكشافية للمسلمين حول العالم بما فيها الأمريكيتين والتي سبقت كولمبس.
د. زاهور، يستفيد من الفرصة ليضع مقالات عديدة حول الإسلام والقرآن الكريم وهذه المقالات كتبت بشكل جميل يتناسب مع غير المسلمين ويتفهم عقلية الشخص الغربي المليئة بالشك والاتهامات ضد المسلمين.
أيضا هناك عدد كبير جدا من المقالات عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومقالات عن صحابته الكرام.
هناك صفحات عن صناعة البترول واستخراجه في عهود المسلمين.
كل هذه التركيبة الجميلة التي تكون مئات الصفحات يجدها مرتاد الصفحة أمامه منظمة بطريقة تقوده من صفحة إلى أخرى بأسلوب ممتع.
كان يمكن للدكتور زاهور، أن ينشر هذا في كتاب، لكن الإنترنت جاء ليقول إنه لم يعد بحاجة للخضوع لشروط الناشرين المسيطرين على السوق الأمريكية الذين لن يسرهم نشر مثل هذا الكتاب، كما أنه لن يكون محدودا بأولئك الذين يشترون الكتاب من بين عشرات الكتب التي تصدر كل يوم في أمريكا، بل هو موقع مفتوح للجميع ومقدم بطريقة سهلة يتجاوز بها القارئ الملل وينجذب خلف الجديد المقدم من خلال الصفحة.
عداد الزوار الموجود على الصفحة يدل على شعبيتها الواسعة، حيث زار الصفحة حتى الأسبوع الماضي 331,269 شخصا، وهو عدد كبير بالنسبة لموقع علمي إسلامي على الإنترنت.
ليس هذا الموقع الوحيد الذي يتحدث عن حضارة المسلمين العلمية وإن كان هذا أفضلها.
ربما كانت مشكلة جهلنا بتاريخ حضارتنا الإسلامية راجع إلى المهتمين بتحقيق المخطوطات وقراءة الخط واللغة العربية القديمة عادة من المختصين في العلوم الإسلامية والعلوم العربية والذين يبعد عن اهتمام معظمهم تاريخ العلوم الطبيعية والفلسفية والاجتماعية، بينما المختصون في العلوم الطبيعية والاجتماعية مشغولون بالنتاج العلمي الحديث بعيدا عن التراث.
ربما كان الحل ما هو موجود في الجامعات الغربية وغير موجود على الإطلاق في الجامعات في العالم الإسلامي والمتمثل في وجود أقسام علمية متخصصة في «تاريخ العلوم» يدرس فيها الطالب النظريات التي تتناول دورة العلوم وفلسفة تكونها وازدهارها وانحطاطها كما يركز الطالب عادة على علم معين يدرس جزئياته وتاريخه وربما يدرس اللغة الأصلية التي كتبت فيها مفردات هذا العلم كاللاتينية والألمانية وغيرها.
في هذه الحال سيزدهر فهمنا لتاريخ العلوم في عهد الحضارة الإسلامية وسنستطيع تقديم هذه الإنجازات العبقرية الضخمة للعالم لثبت لهم أن رسالة الإسلام هي رسالة العلم والحضارة وليست رسالة التخلف الذي يعاني منه المسلمون حاليا، وحينها سيكون الإنترنت خير وسيلة لذلك وخاصة أننا سنمتلك جواز السفر الذي لا يعرف الحدود.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية