زيارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، المرتقبة للصين في شهر صفر القادم، الموافق يونيو الميلادي، والتي تأتي عقب توثق العلاقات الأمريكية الصينية في السنتين الأخيرتين، أثارت الكثير من أنشطة المؤسسات التبشيرية الأمريكية التي رأت في هذه الزيارة فرصة ثمنية لا تعوض.
إبان توتر العلاقات الأمريكية الصينية خلال العقود الثلاثة الماضية، كانت وسائل الإعلام الأمريكية تعطي تركيزا خاصا على اضطهاد الصين لحقوق الإنسان وتضييقها على «حرية الأديان» بمفهومها الغربي، وكانت المؤسسات التبشيرية تساعد كثيرا في هذا التركيز كنوع من الضغط على الصين لكي يسمح لها بممارسة الأنشطة التبشيرية في الصين بشكل أوسع مما هي علىه الآن.
الصين بالنسبة للمبشرين المسيحيين هي أرض الأحلام، فهناك يقطن أكثر من مليار شخص ديانة الأغلبية منهم هي البوذية التي لا يصمد أتباعها كثيرا في وجه التبشير المسيحي، بخلاف المسلمين مثلا، وهؤلاء المليار هم أرضية قوة اقتصادية وسياسية يزداد نفوذها يوما بعد يوم على الخارطة الدولية.
لكن الحكومة الصينية وقفت لاعتبارات أيديولوجية واقتصادية وسياسية في وجه توسع المنظمات التبشيرية الغربية في الصين، ويوجد لدى هذه المنظمات قائمة من 36 مبشر مسيحي، يقولون بأن هؤلاء مسجنون أو تعرضوا لممارسات عنصرية من الحكومة الصينية.
في السنة الماضية بذلت الاتحادات المسيحية ضغطا غير مسبوق من نوعه، حين حاولت تمرير قرار عبر الكونجرس بمقاطعة عدد من الدول التي يرى النواب المسيحيين في الكونجرس أنها تضطهد حرية الأديان.
القرار الذي لم يتم التصويت عليه بعد يستهدف مجموعة من الدول الإسلامية بالإضافة إلى الصين.
أيضا بلدية مدينة نيويورك، أحد أهم المراكز التجارية في أمريكا، أصدرت قرارا _ لم يتم تمريره بعد _ بمنع التعامل مع أي من الشركات الأمريكية ذات الأنشطة التجارية في دول تضطهد حرية الأديان، وهذه الدول كلها إسلامية ماعدا الصين، بالرغم من أن إسرائيل تمنع التبشير المسيحي تماما وهناك العديد من التقارير عن اضطهادها للمسيحيين العرب والمبشرين الغربيين إلا أن الجميع يرى أن لإسرائيل ظروفها الاستثنائية!.
لكن الضغط الحكومي الأمريكي خف كثيرا في السنتين الأخيرتين إبان زيارة الرئيس الصيني لأمريكا، والتي تم في أيامها الانهيار الاقتصادي المشبوه لدول النمور الآسيوية، وظهر هذا التخفيف واضحا في رفض الولايات المتحدة لأول مرة لاستضافة المؤتمر السنوي للأمم المتحدة لمراجعة وشجب سجل الصين لحقوق الإنسان، وهو المؤتمر الذي عقد في الأصل بضغط أمريكي.
الضغط المسيحي أخذ الآن شكلا آخر من خلال زيارات متواصلة للصين لممثلين لمؤسسات مسيحية ويهودية ومؤسسات «حقوق إنسان» مهتمة بـ«حرية الأديان» في العالم، وزار هؤلاء الممثلين عددا من مناطق الصين بما فيها مناطق التبت والتقوا فيها ببعض المبشرين السجناء، كما أفرج عن بعض المبشرين وهناك وعود بالإفراج عن بقية السجناء يتوقع أن يتم تنفيذها قبيل زيارة الرئيس الأمريكي أو بعدها مباشرة لكسب الضوء الإعلامي الأمريكي.
هذه الزيارات تتم بتنسيق وإشراف مباشر من الحكومة الصينية التي قدمت للوفود المسيحية كل التسهيلات الممكنة، وبعض هذه الوفود جاء بدعوة خاصة من الرئيس الصيني، جيانج زيمين.
لكن الأمر الغريب والمعروف سببه في نفس الوقت، أن هذه الوفود لم تقم بأي زيارة كما لم تتحدث عن مسلمي مقاطعة تركستان الشرقية الذين يتعرضون لاضطهاد بشع لا يقارن به أبدا العنصرية القائمة ضد المبشرين الغربيين.
السؤال قد يأتي حول جهود المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة بهذا الشأن.
إبان زيارة الرئيس الصيني لأمريكا والتقائه بالرئيس الأمريكي في جزر هاواي، وجه المجلس الإسلامي الأمريكي نداء للرئيس الأمريكي يدعوه لمناقشة أوضاع مسلمي الصين في اجتماعه بالرئيس الصيني، وتضمن النداء سردا لعدد من المآسي البشعة التي يتعرض لها مسلمو تركستان الشرقية بشكل متواصل لا يعرف الكلل.
أيضا؛ شارك المجلس وبعض المؤسسات الإسلامية بما فيها مؤسسة صغيرة لمسلمي تركستان الشرقية في أمريكا في مسيرة عقدتها مؤسسات «حقوق الإنسان» والمؤسسات التبشرية واتحادات الأمريكيين ذوي الأصل الصيني في العاصمة واشنطن خلال تلك الزيارة احتج المشاركون فيها على سجل الصين في اضطهاد الشعب الصيني ومنعه للأنشطة الدينية.
أيضا؛ أسفرت جهود المجلس الإسلامي الأمريكي بمساعدة أحد أعضاء الكونجرس في لجنة الشئون الخارجية على وعود إيجابية جدا من اللجنة على ضم مسلمي تركستان الشرقية وكشمير وضمهم للأقليات الدينية التي يفترض أن يحميها مشروع قانون حماية الأديان في العالم، والذي كان يناقش سابقا أمام الكونجرس وهدأ النقاش حوله حاليا، وكان هذا القانون يهدف في الأصل لمقاطعة الدول التي تصنف كمضهدة لحرية الأديان اقتصاديا، حسب ما صرح به في ذلك الوقت خالد صفوري، النائب السابق لرئيس المجلس الإسلامي الأمريكي.
فهيم عبدالهادي، المسئول الإعلامي بالمجلس الإسلامي الأمريكي، قال بأنه لاتوجد حاليا أي جهود مرتقبة مرافقة لزيارة الرئيس الأمريكي للصين في شهر صفر القادم.
السبب ببساطة هو ضعف موارد المؤسسات الإسلامية، فبينما، حسب تصريح فهيم عبدالهادي، يصل العدد الأقصى للعاملين في المنظمات الإسلامية لثمانية أشخاص في المنظمة الواحدة، وذلك في المجلس الإسلامي الأمريكي ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية CAIR، يبلغ عدد العاملين في بعض المؤسسات المسيحية واليهودية العادية لحوالي 100 شخص.
وذلك بالطبع يشير للموارد المالية التي تملكها المؤسسات المسيحية واليهودية مقارنة بالموارد المالية المتواضعة للمؤسسات الإسلامية التي لا تساعدها على تمويل وفود إسلامية للصين أو حتى تنظيم مناسبات رسمية على مستوى مناسب لأعضاء الكونجرس لحثهم على دعم مسلمي تركستان الشرقية، فضلا عن أن هذه المؤسسات على قلتها تعمل على أصعدة متعددة جدا مع تعدد قضايا الجالية الإسلامية الكبيرة في أمريكا الشمالية ومع تعدد القضايا الإسلامية حول العالم.
من المؤكد أن المسلمين في تركستان الشرقية كانت لديهم فرصة خاصة مع تحسن العلاقات الأمريكية الصينية والضغط الخاص المبذول هذه الفترة لصالح قضية «حرية الأديان وحقوق الإنسان»، لكن هذه الفرصة كان يلزمها جهدا مكثفا من المؤسسات الإسلامية الرسمية “التابعة لحكومات إسلامية” والتطوعية بأمريكا، الأمر الذي لم يحصل وضاعت بسبب فرصة أخرى لإنقاذ 30 مليون مسلم يعانون في تركستان الشرقية أشد أنواع الاضطهاد.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية