في عام 2035.. كلنا سنكون عاطلين عن العمل!

من قسم الثورة الرقمية
الأربعاء 02 أكتوبر 2019|

ملاحظة: قد لا يعنيك هذا المقال إذا تجاوز عمرك الخامسة والأربعين، لأنك غالبا ستتقاعد قبل عام 2035، ولكنه يعنيك إذا كنت تتمنى لأولادك وأحفادك مستقبلا أفضل في حياتهم المستقبلية.

معظم القراء سمعوا في الغالب عن “وظائف المستقبل” وكيف أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية القيادة ستقتل على الأقل 40% من الوظائف الحالية بحلول عام 2035، لكن التفاعل مع هذه المعلومة عموما محدود لأن معظم الناس ينكرون صحة المعلومة أو لايتخيلون ضخامة تأثيرها أو لأنهم يرون عام 2035 بعيدا وقد ينهار العالم قبل أن نصل هناك.

حتى أولئك الذين يصدقون ويقررون فعل شيء حول الموضوع، يجدون القليل جدا من المعلومات عن الموضوع بما يساعدهم على اتخاذ قرارات في حياتهم بناء على ذلك.

في هذا المقال سأحاول أن ألخص مجموعة من النتائج التي قد تسلط الضوء بعض الشيء على تفاصيل هذا الموضوع، ولكن قبلها أحب أن أؤكد إن الإنكار هو رد فعل طبيعي عندما يكون هناك حديث عن تغيرات ضخمة في العالم.

شخصيا عشت هذه التجربة في التسعينات الميلادية عندما بدأت بالكتابة عن الإنترنت، وكنت أتحدث حينها عن التغيرات الضخمة التي ستؤثر على كل شيء في حياتنا، وعلى النظم السياسية والاقتصاد وغيرها، وكان رد فعل الناس متشابها مع رد فعلهم حاليا، ثم بدأ الناس يعيشون التغييرات تدريجيا، وهذا ما سيحصل مرة أخرى بالضبط.

إن التغيير الأساسي الذي سيحصل في عالم الوظائف هو تحويل “كل المهام الروتينية” ليقوم بها من هو أسرع وأكثر كفاءة ودقة وأقل تكلفة أي التقنية، سواء كانت على شكل روبوت، أو تطبيق، أو جهاز ذكي. هذه المهام الروتينية تشمل، على سبيل المثال: قيادة السيارات والتحميل والأعمال اليدوية وأعمال السكرتارية والأعمال الإدارية والمحاسبة والمهن الطبية بأنواعها ما عدا التي تتطلب خبرات دقيقة متقدمة أو عناية مباشرة بالمريض، وغير ذلك.

باختصار، سيكون لديك عمل فقط إذا كنت تستطيع فعل ما لا يمكن للتقنية فعله. هذا الأمر ليس مجرد اجتهاد من بعض الباحثين أو المفكرين، هذا الأمر حقيقة، وستحصل ما لم يمر العالم بظروف غير متوقعة مثل حرب عالمية ثالثة تحرق الأخضر واليابس، أو انهيار أمريكا “كما في أفلام هوليوود”.

كيف نعرف هذا ؟

لأن الشركات التقنية استثمرت أكثر من 500 مليار دولار في هذه التقنيات، وستستثمر المزيد خلال السنوات القادمة، ولأن خطط النمو والتجارب تمضي بنجاح، ولا توجد أي عقبات متوقعة.

كل ما تحتاجه هذه الشركات هو الوقت فقط لتنفيذ خططها، ولذلك ستجد أن تقارير مختلف حكومات الدول المتقدمة، والأمم المتحدة، وتقرير دافوس السنوي، ومراكز الأبحاث، وغيرها تؤكد على هذه الحقيقة.

هناك – في رأيي – ثلاثة أنواع من الوظائف فقط ستبقى، والباقي سينقرض تدريجيا، وهي الوظائف التي تعتمد على: القدرات التقنية، القدرات التحليلية، والقدرات الإبداعية.

القدرات التقنية ستكون بالتأكيد سيدة الموقف، وهذا يشمل القدرة على التشغيل والصيانة كحد أدنى، ثم القدرة على البرمجة والتطوير بطبيعة الحال. كل المدراء الناجحين سيكونون في الأصل رجال تقنيين، يفهمون التقنية ويستطيعون إدارة الفرق التقنية بكفاءة.

أما القدرات التحليلية فقائمة في الأساس على تحليل البيانات وبناء استنتاجات على أساسها، ومع أن الشركات التقنية تحاول دائما تطوير برامج تستطيع التحليل، ولكن سيبقى هناك جزء هام للذكاء البشري مهما تقدمت الآلة.

نفس الأمر ينطبق على البعد الإبداعي، وهو البعد الذين لن يفنى مهما تطورت التقنية، وستزداد الحاجة إليه دائما.

سيبقى هناك رجال الأعمال والمستثمرون، ولكن هؤلاء أيضا إذا لم يكن لديهم معرفة تقنية كافية، سيكون حالهم أصعب من يومنا هذا، وقدرتهم على المنافسة أقل، وهذا أمر بدأ فعلا في الدول المتقدمة.

في عام 2045، أي بعد 25 سنة فقط، حين ستبحث طفلتي الصغيرة عن عمل، سيكون أكثر من 70% من الوظائف الحالية قد انقرض واستبدل بوظائف جديدة، سيكون العالم قد اختلف تماما، وتصبح حياتنا اليوم مجرد حكايات لكبار السن.

هذه ليست دعوة للتشاؤم، بل بالعكس، ستزيد الفرص والإنتاجية الفردية وقدرات الإنسان، ولكن في اتجاه مختلف عما هو عليه الآن.

أما الدول الفقيرة فهي بالرغم من كونها لن تمر بنفس التسارع في انهيار الوظائف الروتينية إلا أنها ستمر بمشكلة أكبر، لأن معظم الدول المتقدمة ستطلب من المهاجرين غير المؤهلين العودة إلى بلادهم قبل عام 2030 مع ازياد البطالة السريع المتوقع خلال الأعوام القادمة، وهذا التكدس في تلك الدول للعاطلين عن العمل سيمثل مشكلة كبيرة في حد ذاتها لأنظمتها السياسية، فضلا عن عجزها عن التصدير والمنافسة العالمية والاستقلال السياسي بسبب تخلفها واتساع الفجوة بينها وبين الدول المتقدمة.

إذا أردت أن تؤهل نفسك أو أطفالك للمستقبل، فهناك ثلاث أمور أساسية أدعوك للاهتمام بها:

  • القدرة القصوى على التعلم الذاتي، إذا كنت قادرا على التعلم الذاتي، وتطوير نفسك بشكل مستمر، فسيمكنك مواكبة تطور العالم والبقاء على قمة الهرم.
  • المعرفة التقنية، والتي سيزداد احتياجك لها مهما كان مجالك.
  • قدراتك الإبداعية والفنية والخيال بكل أنواعه.

اخترع الإنسان التقنية ليجعل حياته أجمل، ويسهلها، ويقلل تكلفتها، وهذا فعلا حصل، ولكن التقنية بطريقة أو بأخرى سيطرت تماما على حياتنا، وصرنا في حالة من “الاعتماد” الكامل عليها، وسنكون في المستقبل أسرى لها شئنا أم أبينا.

* نشر على موقع قناة الحرة الأمريكية (alhurra.com)