القاعدة المذكورة في العنوان تبدو بديهية، فالمستقبل والنمو والسيطرة في عالم الأعمال هي للشركات التي تملك الإبداع والأفكار الجديدة.
في السابق كانت هذه القاعدة جزئية، وكان جزءً كبيرا من المستقبل تحت سيطرة من يملك رأس المال، أو يملك العمالة المدربة، أو يملك قنوات التوزيع، ولكن في ظل العولمة تغير كل هذا، فالعمالة متاحة، ويمكنك تصنيع أي شيء تريد، ويمكنك نقله إلى أي مكان في العالم، ويمكنك تعيين شركات التسويق لتسوق ما تريد، ورأس المال صار متوفرا من آلاف الشركات الاسثتمارية والتي تبحث عن أي مشروع مربح.
الأمر الوحيد النادر والذي يحدد من ينتصر على المدى الطويل هو: الإبداع أو الفكرة الجديدة.
ولكن أي إبداع ؟
بالنسبة لعالم التكنولوجيا – وهو ما أركز عليه في هذا المقال وتركز عليه معظم الدراسات المستقبلية – حيث تتطاير آلاف الأفكار من كل حدب وصوب، أثبتت الدراسات والتحليلات المالية أنه ذلك الإبداع هو الذي “يخلل” قواعد السوق بأنواعها، ويأتي بقواعد جديدة تسمح للقادم الجديد بأن يحتل مكانه، وأن يزيح اللاعبون القدامى، وبحيث تتغير خريطة العلاقات التجارية تماما بسببه.
“ميكروسوفت” فعلت ذلك سابقا عندما أصبح الكمبيوتر الشخصي ضرورة، وقلبت كل شيء رأسا على عقب، وتحولت لواحدة من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم، ثم فعلتها “جوجل”، والتي حولت البحث على الإنترنت إلى “مخ” لشبكة الإنترنت، وغيرت صناعة الإعلان في العالم إلى الأبد، وفعلتها Apple كذلك عندما استطاعت أن تقلب الطاولة على كل شركات أجهزة الموبايل، لتصبح الهواتف الذكية أساسا في حياتنا اليوم، وأخيرا فعلتها “فيس بوك” و”تويتر” والتي استطاعت أن تغير عاداتنا اليومية والاتصالية، وتصبح جزءا من حركة المعلومات حول العالم.
قال لي صديق قبل أيام: كيف نعرف الشركات التي ستنمو في المستقبل بحيث أستثمر فيها الآن وأشاهدها وهي تنمو وتسيطر كما أشاهد استثماري يتضاعف مئات أو آلاف المرات ؟.
هذا هو سؤال المليار دولار، فأولئك الذين استطاعوا فعلا توقع هذه الشركات واستثمروا فيها، صاروا على قوائم المليارديرات، وهذا هو السؤال الذي يحاول الإجابة عليه قطاع كامل من الشركات والمستشارين والذين يسمون أنفسهم بدراسات المستقبل (Future Analysis)، ويعملون ليل نهار على البحث عن تلك الشركات الناشئة التي ستغير السوق.
بحكمي من المدمن على قراءة تقارير هؤلاء المستشارين، فإن أكثر كلمة تتكرر في كتاباتهم هي “التكنولوجيات التي ستخلخل السوق” (Disruptive Technologies).
هناك قائمة تصدرها جامعة MIT الأمريكية، أحد أشهر جامعات العالم، كل عام عن 50 شركة يتوقع لها أن “تخلخل” السوق في السنوات القادمة، ولو نظرت في قائمة 2013 لوجدت فيها فقط 15 شركة من قائمة 2012، مما يعطيك انطباع واضح عن الديناميكية الهائلة التي يعيشيها الإبداع في مجال التكنولوجيا وحجم النجاح والفشل المحتمل فيه.
هنا قائمة سريعة بأهم ست شركات من قائمة الـ50 شركة التي يتوقع لها في 2013 أن تخلخل التكنولوجيا في السنوات القادمة:
- شركة ABB السويسرية والتي لديها تقنية تربط الطاقة المتجددة (مثل الطاقة الشمسية) بشبكات الكهرباء (مما يعني طبعا الاستغناء عن النفط في توليد الكهرباء)
- شركة Aereo الأمريكية، والتي طورت “أنتين” صغير يمكن من خلاله استقبال القنوات التلفزيونية وبث البرامج حسب الطلب على الموبايل والكمبيوتر اللوحي.
- شركة Alta Devices الأمريكية والتي طورت أجهزة عالية الكفاءة والمرونة يمكن وضعها في أي مكان للتشغيل عبر الطاقة الشمسية.
- شركة Amazon والتي تتوسع في التجارة عبر الإنترنت، وخاصة مع قدرتها المتزايدة على تسليم البضائع (الكتب والأجهزة وغيرها) في نفس اليوم.
- شركة Ambri والتي تطور بطاريات جبارة في قدرتها على حفظ الطاقة وضخها للأجهزة.
- شركة Apple تأتي في الدرجة السادسة بسبب تقنية Retina التي طورتها والتي تمنح شاشات الموبايل وضوح غير معتاد.
أعرف أن القوائم تجعل مقال الرأي مملا ويفقد انسيابيته، ولكنني أردت أن أقدم أمثلة للسعي العالمي الحثيث للاستثمار في الإبداع والأفكار الجديدة، وأن مثل هذه الأفكار هي ما سيشكل المستقبل، وإذا كان الأمريكيون يستأثرون بأكثر الأفكار الجديدة، فهذا يعني أن سيطرتهم على التكنولوجيا وما يتفرع منها ستستمر أيضا.
في مثل هذه المقالات يأتيك دائما من يسأل: وماذا عنا ؟ أي العرب، والجواب: وماذا عنا، ونحن نعتبر من أهم البيئات الطاردة للإبداع والأفكار الجديدة.
ليس ذلك فحسب، بل إن بيننا وبين الاقتصاديات التي تعيش على التقليد والتحسين والتوزيع – مثل الاقتصاد الكوري – مساحات زمنية ضخمة، نحن السوق الذي يستهلك، وقد يكون يوما السوق الذي سيدفع ثمن الإبداع لو استطاعت الأفكار الجديدة أن تخفض سعر البترول العالمي.
حتى الآن، نحن من يتفرج فقط..
* نشر المقال في جريدة الوطن السعودية