تداولت جماهير “تويتر” الأسبوع الماضي مناسبتان لهما علاقة بشركات التكنولوجيا الأمريكية، والتي صارت أخبارها جزءا من أخبار حياتنا اليومية: حفل استقالة ستيف بالمر، الرئيس التنفيذي لـ”ميكروسوفت”، ومرور 15 عاما على تأسيس “جوجل”.
في حفل الوداع الذي وقف فيه ستيف بالمر، الرئيس التنفيذي لـ”ميكروسوفت” منذ 13 عاما، والمعروف بحماسه وطاقته غير المعهودة، وهي الطاقة التي بدأ فيها منذ أول عام مع بيل جيتس، وبسببها وجد شيء اسمه الكمبيوتر على مكاتبنا، وبسببها أيضا يمتلك ستيف بالمر أكثر من 18 مليار دولار.
في ذلك الحفل قال عبارته ممزوجة بدموعه على المسرح أمام آلاف الموظفين: “هذا كله ليس من أجل شخص واحد، بل من أجل الشركة، هي كل عالمي المهني، ميكروسوفت هي ابني الرابع، وعادة الأبناء يكبرون ويغادرون المنزل، ولكن يبدو أنني في هذه الحالة أنا من سيغادر المنزل”.
في اللغة اليومية لـ”جوجل” و”ميكروسوفت” و”فيسبوك” و”تويتر” وApple وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة هناك عبارة متداولة لإثارة الحماس بين الموظفين تتحدث عن كيف أن شركتهم “ستغير العالم” (Change the world)، لا تكاد تحضر حديثا خطابيا أو ندوة عن الرؤية العامة للشركة إلا وتسمع هذه الكلمات، والتي كان أول من اشتهر بها ستيف جوبز مؤسس Apple، هذه العبارة نفسها ترددت كثيرا في ذكرى “جوجل” الـ15 وكيف أنها غيرت وتريد دائما أن تغير العالم.
هذه الشواهد كلها هدفها التأكيد على واقع حقيقي للشركات في الغرب، وهو واقع حري به أن ينتقل إلى عالمنا حتى نستطيع أن نحقق لبلادنا ما نصبو إليه من تقدم.
شركات التكنولوجيا الأمريكية استطاعت أن تحصل على الكثير من الولاء من موظفيها، وهي قدمت لهم الكثير جدا، واستطاعت من خلال هذا الولاء والحماس أن تبني لنفسها مجدا ينسب إليها وينسب إلى أمريكا كذلك، شركات التكنولوجيا في القرن الـ21 هي – كما يقول شميدت رئيس “جوجل” – بالنسبة لأمريكا مثل ما كانت شركات الفضاء والدفاع في القرن الـ20.
هل يمكن لنا أن نحقق لشركاتنا ما تحقق لشركات التكنولوجيا في أمريكا والصين وأوروبا وغيرها ؟
في رأيي الجواب هو نعم، يمكن أن يكون لدينا شركات تكنولوجيا وإعلام رقمي وشبكات اجتماعية مميزة، تمثل صمام أمان وفخرا وطنيا ومركز أبحاث للدولة وتقدمها في كافة مجالات عصر ثورة المعلومات، لدينا رؤوس الأموال والحماس ولكن ينقصنا المهارات البشرية.
عندما تبحث إدارة أي شركة لدينا عن الموارد البشرية تجدها شحيحة جدا لا تمتلك التدريب الكافي ولا العزم والإصرار ولا القدرة على التنفيذ المتقن أو التطوير الذاتي.
كثير من السير الذاتية البراقة تخفي ورائها شبابا تعليمهم ضعيف وإعدادهم محدود، هذا طبعا ليس بمستغرب لو عاينا واقع الكليات والأقسام الجامعية التي تدرس التكنولوجيا، وهو واقع حزين، لأن هناك إمكانات ضخمة فعلا، تدار بشكل رديء لا يفهم كيف يمكن أن يكون هؤلاء الخريجين ثروة وطنية لو أحسن إعدادهم.
الأمر نفسه ينطبق على الابتعاث، فقلة محدودة فقط من المبتعثين هم الذين توجهوا لهذه المجالات، وذلك بالتأكيد لأنه لا توجد رؤية واضحة لبناء مستقبل تقني متميز، وغياب للحلم الذي يتوافق مع ثورة تقنية المعلومات.
هناك مقولة مشهورة لفيلسوف كندي اسمه موريس تشارلاند قال فيها بأن التكنولوجيا هي الوسيلة الوحيدة للدولة حتى تحافظ على قوتها واستقلالها، وهي المقولة التي استخدمتها كندا لدعم استراتيجيتها للتطوير التقني خلال العقود الماضية تحت اسم “الوطنية التقنية”؛ هذا النوع من التفكير هو ما يخلق كل ما يحتاجه الوطن لبناء شركاته العملاقة.
الشركات الموجودة حاليا هي أيضا مقصرة، فبيئة العمل لا يستثمر فيها على الإطلاق، ولا يستثمر في التدريب، ولا في خلق الولاء للشركات، وهذا وحده ما يفسر هذا النمط المتصاعد من هروب الكفاءات المتميزة من أروقة الشركات إلى بناء الشركات الصغيرة والمبادرات الريادية، بدون أن تجد مكانا تبني فيه خبراتها ويمكنها من خلاله تقديم ما لديها من إبداع وتميز. هناك باختصار فشل كامل في قدرة الشركات لدينا على استقطاب ولاء الموظفين.
عالمنا اليوم هو عالم شركات وليس مؤسسات حكومية، الشركات المميزة فقط هو ما يبني الأوطان، عندما لا تجد شركات مميزة في الدولة، تعرف أن حركة التقدم لديها ضعيفة، هذا يفسر ولاء الموظفين الأمريكيين والصينيين واليابانيين والأوروبيين لشركاتهم، هو ولاء لرؤية مستقبلية، وإحساس بالانتماء، وحماس وإصرار على تقديم ما يخدم الوطن.
الولاء للشركات .. هو ولاء للوطن..
*نشر المقال في جريدة الوطن السعودية