من يطلع على حجم المشكلات المتعلقة بـ”النشر الإلكتروني” والتي تضطر وزارة الثقافة والإعلام للنظر فيها يستطيع أن يتعاطف مع الوزارة في نظام النشر الإلكتروني الذي أعلن الأسبوع الماضي، والذي أيضا أثار ضجة سلبية كبيرة في أوساط من أسائهم تقييد الحرية التي استمتع بها من يعيش على الإنترنت لسنوات عديدة، وآلمهم أن يجدوا أنفسهم من بين جموع الناس في مختلف دول العالم مضطرين للخضوع لإجراءات إدارية لم يسبق تنفيذ مثيل لها في أي مكان آخر على الإطلاق، وخاصة أن أحدا لا يعرف كيف ستستخدم الوزارة نظام التسجيل في التعامل مع المواقع فالنظام فيه الكثير من المساحات غير الواضحة، والتي سيحدد من ينفذ النظام عبر الأعوام حد التساهل أو التشدد في ما يسمح وما لا يسمح به.
وأنا لا أريد أن أكرر ما كتب في المقالات الأخرى من نقد، ولكن تجاوب معالي وزير الإعلام د. عبدالعزيز خوجة، مع بعض المطالب حول النظام بشجاعة وإيجابية يهنئ عليها، يشجعني على أن أرسم صورة لبعض ما قد يحصل في حال تطبيق النظام كما هو بدون تعديلات.
من خلال قراءة النظام تجد أن الموقع سيكون خاضعا له إذا كان من الواضح أن مالكه سعودي أو مقيم في السعودية، أو إذا أردت استخدام نطاقا سعوديا، وهذا يعني أن الحل السهل لمن يريد تجنب الإجراءات الإدارية وتعقيداتها أن لا يستخدم نطاقا سعوديا وأن يخفي هويته الشخصية ويستخدم اسما مستعارا، مما يعني ببساطة أن النظام سيشجع عودة موضة الأسماء المستعارة وانتشارها، وهذا في حد ذاته سيمثل تحديا جديدا في قدرة الجهات المعنية على التواصل مع المواقع الإلكترونية في حال وجود إشكاليات قانونية.
بكلمات أخرى، إن ما يحاول النظام الوصول إليه من وجود معلومات واضحة عن ملاك المواقع من خلال التصريح والتسجيل قد يؤدي في الحقيقة لجهود أكبر من عموم الجمهور لإخفاء هوياتهم والكيفيات الرسمية للاتصال بهم.
الحل الآخر للهروب من النظام أن تتواجد على المواقع العالمية الكبرى بدلا من التواجد المستقل، فتفتح صفحة لك على “فيس بوك” أو “يوتيوب” أو غيرها، وهذا من جهة سيعطي لتلك المواقع قوة أكبر وانتشارا أوسع، وضعفا هائلا للوجود المحلي على الإنترنت، وهذا أمر له سلبياته المستقبلية الكبيرة التي يتحدث عنها المتخصصون باستمرار “وليس هذا محل تفصيلها، ولكن أقلها دعم مواقع لا تملك السيطرة عليها في مواجهة المنتج الإعلامي الإلكتروني المحلي”.
هذا الأمر سيزيد أكثر بكل أسف في أوساط صغار السن الذين يعشقون الإنترنت ولكن النظام لا يسمح لهم أصلا بالاقتراب من أبوابها.
المشكلة الأخرى أن النظام يحمل الوزارة عبئا إداريا ضخما لأن تسجيل عدد هائل من المواقع الإلكترونية التي تزداد يوميا وتعديل معلوماتها باستمرار يحتاج لجيش من الموظفين، وخاصة إذا علمنا أن تطور التكنولوجيا السريع وتطور الشبكات الاجتماعية يجعل لكثير من الناس وجود على شبكة الإنترنت، ووجود على شبكات الإنترنت على الموبايل، وعناوين خاصة بهم مرتبطة بتلك الشبكات الاجتماعية، وتداخل بين هذه المواقع، ويضاف إلى ذلك أن كل شركة ومؤسسة وربما حتى محل تجاري لديه وجود على الإنترنت، وتسجيل المواقع الخاصة بكل هذه المؤسسات يعني أن الوزارة ستدخل خلال ستة أشهر في حمى من العمل والمراجعين لا أظنها على الإطلاق جاهزة له.
الطريف أيضا أن الوزارة ستواجه مشكلة خلال هذه العجلة الضخمة في تعريف المواقع وكيفية التعامل معها، فمثلا المواقع التي تحمل روابط منقولة من مواقع إخبارية أخرى يمكن أن تدخل في تعريف الصحافة الإلكترونية، وبالتالي هي تحتاج رئيس تحرير، والذي قد لا يكون أكثر من شاب عاطل عن العمل أو موظف بسيط، وهذا يعني خلق جيش آخر من رؤساء التحرير، ويعني تمييع كامل لقيمة الصحافة الإلكترونية السعودية، وربما القضاء عليها تماما.
النظام أيضا يعطي للوزارة الحق في قبول الاسم بدون وضوح لآلية ذلك، وفي ظل صعوبة خلق أسماء لمواقع الإنترنت مع ندرة أسماء النطاق المناسبة، وفي ظل الاعتماد على اللغة الإنجليزية بشكل واسع في أسماء المواقع، سيضع هذا الإجراء الوزارة في ورطة كبيرة لأنها ستضطر لقبول أسماء كثيرة لأنها موجودة فعلا على الإنترنت، وستضطر للاستمرار في ذلك أسوة بالسابقين، أو أنها في النهاية ستتخذ قرارات عشوائية لن تزيد الجمهور إلا سخطا وتحفيزا للهرب من الإجراءات “وهو سهل كما قلنا”.
أضف إلى ذلك، أن تسجيل أسماء النطاقات المحلية سيزداد صعوبة، وهذا سيزيد من الإقبال على النطاقات العالمية بدلا من المحلية بالتأكيد.
أخيرا النظام لا يشجع على خلق مواقع محلية للشبكات الاجتماعية ومنتديات وغيرها من أشكال التفاعلية، والتي صارت شرطا لنجاح المواقع، لأنه يحمل صاحب الموقع المسؤولية عن كل ما نشر، وهذا أمر شبه مستحيل الآن.
ما كتبته أعلاه يعطي المفاتيح للمزيد من الخيال حول سلبيات تطبيق النظام، ولكن المؤكد أن دول العالم تتنافس اليوم على الحصول على المزيد من كعكعة الإنترنت، لأنه سيكون بلا شك ساحة المنافسة والسيطرة في عصر العولمة وثورة المعلومات، والنظام بشكله الحالي – حسب رأيي الشخصي – لن يساهم على الإطلاق في تحقيق ذلك، بل سيضع حدودا لنمو المحتوى المحلي ويترك الساحة للمنافسين بكل أسف.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية