احتفل آلاف الباحثين المتطوعين يوم السبت الماضي بمرور عشر سنوات على إطلاق موقع “ويكيبيديا” Wikipedia.com الشهير، وذلك من خلال مجموعة كبيرة من المناسبات في مختلف مدن العالم والتي ستستمر حتى شهر مارس القادم.
قصة نجاح “ويكيبيديا” لا تتمثل فقط بكونه أصبح الموقع الخامس في العالم من حيث عدد الزيارات رغم أنه موقع معرفي غير ربحي قائم بجهود الجماهير، وليس فقط لأن أصبح المرجع المعلوماتي الأساسي لشعوب العالم متفوقا بذلك على الموسوعة البريطانية وغيرها من موسوعات الأرض، بل لأنه موقع قام من خلال عملية تعاونية بحتة لآلاف الباحثين الذين لا يعرفون بعضهم، والذين قاد كثير منهم حماس خيري لتنظيم المعرفة الإنسانية، والتي تتزايد بسرعة خرافية في زمن ثورة المعلومات.
لقد كانت مشكلة كثير من الموسوعات حول العالم أنها لم تستطع مواكبة ثورة المعلومات، فبينما تكتب الموسوعات على يد فريق من الباحثين، تتزايد المعرفة الإنسانية بشكل سريع، ولا تكاد تطبع الموسوعات حتى تتغير المعلومات، وعندما تفتح هذه الموسوعات تجدها لم تكتب عن كثير من الأشياء التي نبحث عنها.
هناك طبعا فرق أساسي بين الموسوعات العالمية وبين “ويكيبيديا”، وهو كون هذه الموسوعات مدققة ومراجعة على يد علماء كبار وباحثين، بينما “ويكيبيديا” هي عمل تعاوني يمكن لأي شخص أن يشارك فيه، ولكن النتاج النهائي لـ”ويكيبيديا” كان رائعا وبنسبة دقة عالية، وذلك بجهد وتدقيق من آلاف المشاركين في كتابة مواد “ويكيبيديا” (17 مليون مادة مكتوبة بـ270 لغة ومتاحة مجانا على شبكة الإنترنت)، وتحولت “ويكيبيديا” إلى المرجع الأساسي للباحثين على الإنترنت والطلبة وصناع القرار، وصرت تجد فيها معلومات عن كل شيء بداية بالمصطلحات الأساسية وانتهاء بالأشخاص – أيا كانوا – وبرامج التلفزيون والشركات وغيرها.
هناك عبارة جميلة لمؤلف كتاب اسمه “ثورة ويكيبيديا”، حيث يقول إن “ويكيبيديا” لامس قلوب الجماهير لأنه غطى فراغا في المعرفة الإنسانية كان يفصل التاريخ عن الأخبار، ليجمع بينهما في قالب واحد.
ويضيف أن مؤسس الموقع جيمي ويلز، مع زميل له استطاع أن يجيش آلاف الناس ليعملوا سويا في أرشفة المعرفة البشرية كما تتطور أمام أعيننا في جهد دائم لا يتوقف.
كانت بداية “ويكيبيديا” كموقع ضعيفة بسبب كثرة الأخطاء التي فيها، ولكن الجهد المستمر للباحثين المتطوعين في الموقع لتصحيح هذه الأخطاء والتأكيد على وجود مصادر لكل المعلومات آتت جهودها في عام 2005 عندما أعلنت دراسة علمية هامة أن دقة المعلومات في الموقع لا تقل عن تلك الموجودة في الموسوعات العالمية التي تباع في الأسواق.
هناك طبعا كثير من التحديات التي تواجه “ويكيبيديا” وكثير من الاقتراحات لتطوير الموقع، ويبدو أن الكثير قادم فعلا لأن المؤسسة الخيرية التي تملك الموقع “ويكيميديا”، قامت بحملة ضخمة للتبرعات ونجحت في استقطاب ملايين الدولارات من التبرعات، وإن كان للمؤسسة مشاريع أخرى مماثلة قائمة على المفهوم التعاوني نفسه مثل مشروع لكتابة الكتب المدرسية، وآخر للأخبار، وثالث لنصوص كتب المراجع، ورابع للأحياء، ومشروع للتعليم الإلكتروني، وقاموس تعاوني، وغيره.
موقع “ويكيبيديا العربي” يقوم عليه مجموعة من الشباب والشابات العرب الذين يستحقون التهئنة على جهودهم، إلا أنهم أقلية، فالموقع العربي يحتل المرتبة 25 بين لغات “ويكيبيديا”، وهذا طبعا مؤلم وغريب إذا عرفنا أن اللغة العربية هي اللغة الخامسة في العالم من حيث عدد المتحدثين، وأن هناك عدد هائل من الباحثين العرب وخريجي الدراسات العليا، وإذا عرفنا أن العالم العربي لا توجد به موسوعات أصلا لا ورقية ولا إلكترونية، وإذا عرفنا كذلك أن الإسلام بقيمه العليا يشجع على العلم واحترام المعرفة والتطوع، لكن التخلف كما يبدو هو عدو كل إنجاز وكل نوع من أنواع التقدم الحضاري أيا كان نوعه.
ستتألم لو عرفت ترتيب اللغات على “ويكيبيديا” كالتالي: الإنجليزية، الألمانية، الفرنسية، البولندية، الإيطالية، اليابانية، الأسبانية، البرتغالية، الهولندية، الروسية، السويدية، الصينية، الكاتلانية، النرويجية، الهولندية، الأكرانية، التشيكية، المجرية، الرومانية، التركية، الكورية، الفيتنامية، الأندونيسية، الدانماركية، ثم العربية “بمجموع 140 ألف مادة علمية”.
العالم العربي بلا شك بحاجة لمشروع كهذا حتى يوثق حركة المعلومات وتاريخنا الحديث وحتى لا نصبح قادرين على فهم المعلومات ذات العلاقة بالحضارات الأخرى أكثر من فهم المعلومات ذات العلاقة بنا، وأظن أنه يمكن لكل من هو في قطاع التعليم أن يبدأ بطلابه فيشجعهم على استهلاك الموسوعة، كما يشجعهم على المشاركة بها، حتى نستطيع أن نصل إلى مستوى يليق بنا بين لغات الأرض، وحتى نقدم للأجيال القادمة والحاضرة مادة معلوماتية يستطيعون العودة إليها على شبكة الإنترنت.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية