الشبكات «الاجتماعية» تحتاج لمسؤولية «اجتماعية»!

من قسم شؤون إعلامية
الجمعة 15 سبتمبر 2017|

انتهى الزمن الذي كنا ننظر فيه للشبكات الاجتماعية على أنها مجرد تقدم تقني مذهل، نشارك فيه باستمتاع، ونحن نرى كل أطياف المجتمع تتفاعل أمامنا، ونرى كيف تسافر المعلومة بسرعة البرق، ونشعر أن كل المعلومات والأخبار بين يدينا عند ضغطة زر.

هذه الفترة من الانبهار بـ”القادم الجديد” انتهت، لأننا صرنا ندرك الآن أن هذا التأثير الهائل للشبكات الاجتماعية جاءت معه كمية هائلة من السلبيات، التي غيرت بعض جوانب حياتنا للأسوأ، وصار هذا التأثير تحدي ضخم أمام المجتمعات لمعالجته أو محاولة تفاديه.

المشكلة الأساسية للشبكات الاجتماعية أن التفاعل فيها يتم بين كل فئات المجتمع بشكل متساوي، ومن ناحية هذا يعني أن الحوار يشارك فيه من تختلف أعمارهم، وتتفاوت إمكاناتهم المهنية والعلمية، ونضجهم في فهم الأمور، بل إن الحوار نفسه يشارك فيه أشخاص من دول متعددة، وبعضهم مغرض، وآخرون موجهون لإحداث أثر مدمر بشكل غير مباشر، وبعضهم جاهل أو مؤدلج، ومن ناحية أخرى، هناك من لهم آراء أخرى مختلفة عنك، وقد ينتمون لفئات أخرى من المجتمع، ولا بد من احترامهم.

لهذا كله لم يعد ممكنا الانطلاق بعفوية كاملة على الشبكات الاجتماعية بدون الإلتزام بعدد من الضوابط التي تساهم في خلق بيئة بناءة وفعالة، وتسمح لنا بجعل الشبكات الاجتماعية.. لنا وليست علينا !

من هنا، اسمحوا لي أن أقترح عشرة مبادئ هامة، ينبغي أن يلتزم بها كل مشارك في الشبكات الاجتماعية، وخاصة عندما يكون لهذه المشاركة تأثير كبير على الجمهور. هذه المبادئ المقترحة؛ هي:

1) الصدق والدقة: كمية المعلومات الخاطئة والتعميم غير المنطقي والنقل غير الدقيق هائل جدا، وهذا يعني أن “تويتر” كمصدر معلومات لكثير من الناس هو مصدر لا يعتمد عليه. اعتماد الصدق والدقة يتوافق مع مبادئ شرعنا الحنيف، وهي مبادئ إنسانية عامة لا يجادل فيها أحد، ولكنها تنتهك ليل نهار على الشبكات الاجتماعية.

2) الإيجابية: شعور المغرد بأنه يكتب كلماته السريعة التي سيتداولها الناس، ينبغي أن يترافق مع أخلاقيات حسن الظن والتفاؤل والرغبة في العطاء والإيمان بالمستقبل.

في رأيي هذا أمر حيوي حتى لا يصبح هذا الضخ المعلوماتي سببا في رؤية سوداء ذات تأثير سلبي على المجتمع.

3) حب الوطن: الشبكات الاجتماعية بطبيعتها تشجع الإنسان على السلوك الفردي وربما الأنانية، وتجعله ينسى هذا الالتزام الأبدي الإنساني نحو وطنه ومجتمعه.

حب الوطن هو ما يسهم في نمو المجتمعات ويحقق خلافة الإنسان لله في أرضه، وهو ما يضمن منع الشبكات الاجتماعية لتتحول لأدوات للهدم بدلا من البناء، بالتأكيد، هناك من يكتب على “تويتر”، ومصلحة وطنه هي آخر ما يخطر بباله بكل أسف.

4) مصادر المعلومات: أقل القيم العلمية التي ينبغي الالتزام بها، هي ذكر مصادر المعلومات والنسبة إليها.

كان هذا المبدأ وحده كفيلا بالسماح للأمة الإسلامية أن تنقي تراثها من الشوائب بعد قرون من الزمن، من خلال إلغاء الأحاديث والآثار الواردة عن مصادر لا يعتد بها.

إذا كنت لا تملك القدرة على التحقق من المعلومة، فاذكر مصدرها، حتى يمكن للآخرين التحقق منها. معلومة بلا مصدر هي مجرد مقولة لا قيمة إعلامية أو علمية لها.

من جهة أخرى، ينبغي ملاحظة أن الناس – حسب ما أثبتته الدراسات العلمية – تقرأ المعلومات وتنسى مصادرها، ولذا فإن الإشاعة والمعلومة والصورة ذات الأثر السلبي ينبغي تجنب نقلها على كل حال، حتى لو وضعنا المصدر، لأن الناس في النهاية قد لا تتحقق من المصادر، ونكون بذلك عاملا في نشر معلومات لها ضررها على المجتمع.

5) الإيمان بالتعددية: أنت لا تعيش وحدك في المجتمع، وليس كل الناس مثلك، وهناك من لهم آراء أخرى مختلفة عنك، وقد ينتمون لمذاهب أخرى، أو أعراق وطبقات اجتماعية أخرى.

احترام الآخر هو ما يسهم في النهاية في خلق بيئة بناءة وفعالة في تنمية المجتمع. عدم احترام الآخرين معناه تحويل الشبكات الاجتماعية لأرضية لتفتيت المجتمع، ونشر الصراعات كما نلاحظ أحيانا بكل أسف.

6) مقاومة إثارة الأرقام: الحصول على أكبر عدد من المتابعين والريتويت له إغراؤه الذي يجعل الكثيرين من الناس يلجؤون للإثارة للفت الانتباه، على حساب القيم الأخرى المذكورة هنا. كلما استطعنا كمجتمع التقليل من ربط الأرقام بقيمة الشخص، كلما قللنا من هذا الدور السلبي للأرقام.

7) تنمية المجتمع: نحن نستخدم الشبكات الاجتماعية للترفيه والتواصل مع الآخرين والتعبير عن الآراء، ولكن هذا لا يعفينا من المسؤولية الاجتماعية المرتبطة بها.

الشبكات الاجتماعية يمكنها أن تكون عاملا في الكثير من المبادرات العظيمة التي تطور المجتمع وترتقي به، وهي تحتاج فقط كلماتنا الصادقة التي تتحمل مسؤولية ذلك وتسعى إليه.

8) مراعاة الأطفال: الشبكات الاجتماعية سمحت بوضع غير إيجابي عندما صار الأطفال والمراهقون يتفاعلون مع الكبار دون أي أطر تنظم ذلك.

عندما تجد نفسك في تواصل مع طفل أو مراهق، فإن القيم الأخلاقية تحتم عليك أن تحاول مراعاة ذلك تربويا، وأن تتخيل نفسك مكان الأب والأم اللذين يتمنيان الأمر نفسه لأبنائهما.

9) البعد عن التعصب: لا أقصد هنا فقط التعصب الرياضي الذي ضرب بأطنابه بشكل مخيف، بل أيضا التعصب الفكري والديني والقبلي، التعصب هو باختصار التخلي عن الحقيقة لأجل الهوى والانتماءات الأخرى، وهذا أمر لا يخفى على أحد أثره السلبي.

10) كن سفير خير وصورة حسنة: الشبكات الاجتماعية هي محيط مفتوح على المجتمعات الأخرى، وما تكتبه يقرؤه الآخرون، وتترجمه آلات البحث ومراكز الدراسات والرصد، ويفهم الناس مجتمعنا من خلاله.

كُن سفير خير لوطنك ولأمتك وللعرب والمسلمين من خلال الكلمة الطيبة والعقلانية واحترام الآخرين، الاسم المستعار لا يعفيك من ذلك، فأنت في النهاية سعودي عربي مسلم.

قد تقرأ ما هو أعلاه وترى أنها مجرد مثاليات، ولكن هذا هو شأن القيم الأخلاقية، والتي تضع السقف الأعلى لما ينبغي فعله، ثم يكون التحدي هو السعي ليل نهار لتحقيق ذلك.

حبنا لأوطاننا وإيماننا بقيمة أنفسنا ورغبتنا في أن نكون سببا في الخير، وليس الشر والأذى، حتى لو لم نقصد ذلك، يتطلب أن نستخدم هذه التقنية بشكل نراعي فيه هذه الأخلاق وغيرها.

الشبكات الاجتماعية وعلى رأسها “تويتر” قد تصبح أفضل مؤثر إيجابي في تطور المجتمع لو فقط.. أردنا ذلك !.