مستقبل «يوتيوب»..

من قسم شؤون إعلامية
الإثنين 28 أكتوبر 2013|

تمثل إحصائيات المشاهدة على موقع “يوتيوب” ظاهرة تاريخية بحد ذاتها.

يزور موقع “يوتيوب” أكثر من مليار شخص كل شهر، يشاهدون 6 مليارات ساعة كل شهر، أي بمعدل ساعة لكل شخص من سكان الأرض، كما يتم تحميل 100 ساعة من المحتوى كل دقيقة على موقع “يوتيوب” الموجود بـ61 لغة، وبمعدل نمو 50% مقارنة بالعام الماضي.

هذه الأرقام المذهلة تؤكد لك مدى احتياج الناس لمادة الفيديو، وهو الذي جعل بعض الباحثين يقول بأن الإنسانية تتحول لأول مرة في تاريخها وبشكل تدريجي من ثقافة النص إلى ثقافة الصورة.

الفيديو يسيطر سريعا، ولا إعلام ولا تسويق في المستقبل القريب جدا بدون فيديو، بينما النص والصورة تتدهور أهميتهم سريعا كذلك، وليس أي فيديو، فقنوات التلفزيون بثت على مدار اليوم خلال الأربعين عاما الماضية دون أن تحدث هذا التحول الضخم، المقصود الفيديو حسب الطلب، كما يرغب المستخدم، في الوقت الذي يريد، وبالطريقة والأسلوب الذي يريد، ليشكل بذلك ظاهرة يمكن ان نطلق عليها “الإعلام المرئي الجديد”.

ما هو مستقبل هذا الإعلام ؟

السؤال مهم لأن هذا يعني باختصار مستقبل الإعلام المرئي كله، بما فيه التلفزيوني، ومهم لأن هناك عدد من المواهب والإبداعات والاستثمارات تكتلت لإدارة عدد كبير من قنوات يوتيوب المميزة في المملكة، وهي تحقق نموا إعلانيا لا يكاد يصدق.

الجواب باختصار يأتي من نقاط ضعف موقع “يوتيوب” نفسه، فموقع “يوتيوب” يقدم لك هذا الكم الخرافي من الفيديوهات بدون آلية واضحة تختار لك المميز منها بدون أن تحاول متابعة الناس على تويتر وفي كل مكان لاكتشاف هذه الفيديوهات، وهو أيضا يركز على الفيديوهات القصيرة فقط، وساهمت قوانين الموقع التي تدعم محتوى المستخدم ولا تحمي الشركات المنتجة للأفلام والمسلسلات في فجوة بينه وبين منتجي المحتوى الترفيهي والرياضي.

هذا كله ساهم في خروج كم هائل من الشركات والمنصات الرقمية التي تحاول تقديم منتجات وخدمات تستفيد من هذا النجاح الخرافي لموقع “يوتيوب” ولكنها في نفس الوقت تغطي بعض نقاط نقصه.

بعض المواقع ركزت على المحتوى الطويل والمميز مثل موقع Hulu.com الأمريكي وموقع شاهد.نت التابع لـMBC، وبعضها يحاول تقديم خدمة متكاملة من خلال ربط كل فيديوهاتك المفضلة على كل الشاشات بحيث تشاهدها أينما أحببت “الموبايل، الكمبيوتر، الآيباد، التلفزيون”.

لكن أهم الخدمات الجديدة تلك التي تحاول أن تختار لك، أن تكون هي ذلك الوسيط الذي يقدم لك قائمة خاصة بميولك وتتابع لك الجديد كل يوم، وبعض هذه الخدمات بدأ يحقق أرباحا لا يستهان بها.

وسواء كانت نوع المنصات التي تخرج كل يوم من ذلك النوع الذي يحاول أن يكون “حياديا”، كل جهة تنشر عليه ما تريد، أو كان يتدخل باختيار المحتوى وإبراز المميز منه حسب رؤية القائمين عليه، فهي جميعها تتنافس على المحتوى المميز، لأن الفيديو الإبداعي الذكي ذي الفكرة الجذابة هو في النهاية من يحدد نجاح أي منصة أو موقع ويحقق مقابل ذلك نسبة جيدة من الأرباح.

مع خروج عشرات المواقع والمنصات التي تركز كلها على الفيديو، سيضعف موقع “يوتيوب”، ويبقى الموقف الأقوى للمحتوى المميز الذي سيسعى للتواجد عليها كلها، وهذا يعني أن المعلن سيحاول ربط نفسه بالمحتوى نفسه ويكون الإعلان جزءا منه، يذهب معه أينما ذهب، ولا يحاول أن يعلن على منصة الفيديو نفسها، وهذا الاتجاه سيزيد بشكل سريع مع تدهور مبيعات الإعلان التقليدي في الصحف وقنوات التلفزيون.

وماذا عن الفيديوهات نفسها من حيث محتواها وإنتاجها ؟

الدراسات المستقبلية كلها تؤكد عودة ضخمة لشاشة التلفزيون، لأن الأجيال الجديدة من التلفزيونات كلها تركز على تقديم تطبيقات الفيديو حسب الطلب وربط شاشة التلفزيون بالموبايل بحيث تستطيع أن تختار فيديو معين على الموبايل أو “تويتر” وبحركة إصبع تشاهد الفيديو هذا نفسه على شاشة التلفزيون.

هذا يعني أن مستوى حرفية الإنتاج ستزداد في المستقبل لتتواكب مع شاشة التلفزيون العملاقة عالية الجودة، وهذا يعني موت حقيقي لقنوات التلفزيون أمام ثورة الفيديو.

أحد ميزات منصات الفيديو أنها تقدم كم خرافي من المعلومات عمن يشاهدها، إلى درجة أن يوتيوب يملك إحصائيات دقيقة عن كل نوع من أنواع المحتوى ومتى وكم يشاهده الناس في كل مكان على الأرض، هذه الإحصائيات التي لم تكن متوفرة يوما ستساهم في تحديد المحتوى الناجح، وستكون سلعة نادرة يبحث عنها منتجو المحتوى والراغبون في التأثير الإعلامي في المجتمع ليستطيعوا زيادة فعالية المحتوى وقوته في التأثير، هذا بالضرورة يعني أننا سنستهلك فيديوهات أكثر مع الزمن، مع قدرتها على تحقيق احتياجاتنا بشكل أفضل.

في الأسبوع الماضي عقد مؤتمر عن “الإعلام المرئي الجديد” في الرياض بتنظيم مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية وشاركت بالرأي المذكور في هذا المقال في ندوة للمؤتمر، وعقد المؤتمر ومناقشة مستقبل الفيديو هو خطوة واعية وهامة وتأتي في الوقت الصحيح.

المستقبل لـ”يوتيوب” وللفيديو وللمحتوى المبدع، ولا عزاء للكلاسكيين..!

*نشر المقال في جريدة الوطن السعودية