في التسعينيات الميلادية زرت ماليزيا في مهمة صحفية وكنت حينها مندهشا من حديث الناس عن حلم اسمه 2020، كانت هذه رؤية أطلقها مهاتير محمد وكانت تستهدف وضع ماليزيا في مصاف دول العالم الأول.
لم تكن الدهشة من الخطة نفسها بل لأن الحلم كان مسيطرا على كل من قابلتهم من الماليزيين حتى سائق التاكسي، كان هناك أمل كبير لوطن قوي ومتقدم، وحماس للجهد والتطور لتحقيق ذلك.
إطلاق رؤية 2030 تكاد أن تحقق نفس النوع من الحلم الوطني الذي يأسر الناس كلهم ويمنحهم الطاقة للاندفاع نحو الهدف، وخاصة إذا كان الهدف واضحا ومحددا بمعايير يمكن قياس مدى تحقيقها بوضوح.
هناك طبعا فوارق كبرى بين الرؤية الماليزية وبين رؤية 2030، فالزمن قد اختلف، وتوقعات الناس قد كبرت، والتحديات تعاظمت، وخاصة عندما نتحدث عن قيادة إقليمية وقوة دولية بحجم المملكة العربية السعودية.
الانتقال من عصر النفط إلى عصر ما بعد النفط ليس تحديا من النوع المعتاد، هناك فارق كبير بين عملية تنموية تستفيد من الموارد الطبيعية وتنطلق نحو الأهداف، وبين خطة اقتصادية طويلة المدى تستهدف بناء اقتصاد أقوى بكثير وإنجازات مدنية وثقافية وتنموية غير مسبوقة، بناء على موارد تصنع ضمن الخطة ولا تأتي جاهزة من باطن الأرض.
لكن المملكة تملك ما لا يملكه أحد؛ هي ما زالت تملك ذلك المورد الطبيعي المتمثل في النفط والذي – حسب ما قال عراب رؤية 2030 سمو الأمير محمد بن سلمان – لن تنخفض مستويات استهلاكه في العالم في العقود الثلاثة القادمة لأن مصادر الطاقة البديلة ستلبي الاحتياجات الجديدة أكثر من أن تحل محل النفط، وذلك بالإضافة للاحتياط المالي الضخم وقوة القطاع الخاص، وتملك الأراضي المقدسة التي تجعلها عاصمة للعالم الإسلامي، وهي مستقرة سياسيا بشكل غير متوفر لأي دولة حاليا، كما تملك انسجاما دينيا وثقافيا كبيرا بين أبنائها، ولديها عدد هائل من حملة الشهادات العليا، وفوق ذلك كله تملك قيادة تمنحك الطمأنينة أن وضع كل هذه المكونات في قدر واحد سينتج أمرا عظيما لا يقل عما يحلم الناس به.
تشرفت اليوم مع مجموعة من المثقفين والإعلاميين بلقاء مع الأمير محمد بن سلمان، كان اللقاء صريحا وشفافا وكان هناك طلب واضح بعدم نشر ما فيه، احتراما لهذه الصراحة من سمو الأمير والحضور.
عنوان اللقاء كان كما يقول الأمريكيون “الصورة الكبيرة”، أي النظرة الشاملة من أعلى للأمور بعيدا عن التفاصيل الصغيرة، وهذا فقط ما يتوافق مع طموح بحجم رؤية 2030 وبحجم ما تريد القيادة تحقيقه، ذلك كان واضحا في إجابات سمو الأمير والتي انت تجمع في شموليتها بين مراعاة الشأن السياسي الداخلي والدولي وبين حرصه على مواطنيه وبين شعوره بمسؤولية القيادة وتحقيق طموح القيادة الكبير.
بالمقابل، استخدم الأمير في الحوار عبارة التغيير 180 درجة عدة مرات، متحدثا عن تغيير جذري في سيطرة المملكة على وضعها في الموقف السياسي الإقليمي، وتغيير جذري في الاقتصاد، وتغيير جذري في المسيرة التنموية.
بقي أن أقول إن رؤية 2030 ليست مجرد رؤية طموحة تتحدث بمصطلحات ضخمة بل هي خطة طويلة المدى، تتميز بوجود مؤشرات قابلة للقياس ومبسطة ومؤطرة بإطار زمني واضح وهو 15 سنة، وسيتم إطلاق نظام للمؤشرات الخاصة بالخطة والتحول الوطني، وسيتم ربط هذا النظام بمقارنات على المستوى العالمي وبما يتم إنجازه وسيكون متاحا للناس الاطلاع عليه
لقد كان الأمير محمد بن سلمان حفظه الله مبهرا بحيويته وثقافته وسرعة بديهته وتواضعه واستيعابه لمختلف الرؤى، لا يمكنك أن تشعر أمامه إلا أنك تقف أمام قائد للمستقبل، قائد لا يقبل إلا أن تكون المملكة في قمة العالم!
* نشر في صحيفة عاجل الإلكترونية (Ajel.sa)