من الدروس البسيطة التي يعرفها أي سائح يتجول في أمريكا أو كندا أو أوروبا أو حتى العديد من الدول الآسيوية السياحية أن نقطة البداية هي مركز معلومات السائحين، والتي تجد فيه عشرات البروشورات والخرائط التي ترشدك لأهم الأماكن السياحية التي تزورها، مع الكثير من التبسيط و”الإغراء اللفظي” والصور التي تساعدك في النهاية على وضع برنامج اليوم واختيار ما تريد فعله.
لكن التجربة الأمريكية – حسب تجربتي كمسافر – تبقى مختلفة عن باقي التجارب لعدة أسباب تميزها منها أن هذه المراكز تجدها في كل المدن والقرى الأمريكية بلا استثناء، ونحن هنا نتحدث عن 50 ولاية فيها أكثر من 100 ألف مدينة وقرية، وتجد هذا متوفرا حتى لو كانت القرية ليس فيها إلا جبل صغير صعد عليه يوما أحد زعماء الهنود الحمر، أو مصنعا للزجاج – والمصانع هناك تضع دائما أوقاتا لجولات الزوار – أو حتى بيت قديم عمره أكثر من 100 سنة.
قد لا يكون المركز دائما مستقلا، ففي بعض القرى، تجده عبارة عن منصة أو “ستاند” في الفندق الوحيد في القرية، بينما تجد في القرية الكبيرة مبنى مستقل على الطريق السريع، مفتوح 24 ساعة، حيث تقدم هناك القهوة المجانية لإغراء المسافرين بالتوقف قليلا والتعرف على المدينة لعلهم يستفيدون من حركة السفر التي تمر بالقرية الكبيرة، ولك أن تتخيل كيف يكون الوضع عندما تكون في نيويورك أو لوس أنجلوس.
“البروشورات” المعروضة عادة في هذه المراكز ليست فقط خاصة بالأماكن السياحية الرسمية بل هناك “بروشورات” للمطاعم والأسواق والمحلات التجارية وكل من يخطر بباله أن يستهدف جمهور زوار المدينة، وهذا عادة يتم بدون مقابل سوى قيمة التوزيع على أماكن طرح “البروشورات” في مختلف الفنادق والمراكز السياحية والمطارات.
في رأيي الشخصي، هذه المعلومة البسيطة، المكتوبة بلغة سهلة، والتي تقدم التفاصيل التي يحتاجها الزائر هي أهم الأولويات التي تتطلبها حركة تنشيط سياحي في أي دولة أو مدينة.
والمعلومات في زمننا هذا تقدم بأساليب متعددة غير “البروشورات”، منها مواقع الإنترنت، وتطبيقات الموبايل، والشبكات الاجتماعية، وغيرها، ولك أن تختبر موقع البحث “جوجل” وتضع اسم أي مدينة عالمية مع كلمة “سياحة tourism” لتشاهد كيفية استغلال الإنترنت في تقديم هذه المعلومات بأكثر الطرق جاذبية وعملية.
ولعل من أهم الأمور التي تجعلنا نحتاج لـ”ثورة معلومات سياحية” في المملكة هي تغيير ثقافتنا السياحية الداخلية السلبية، والتي تقوم عادة على فكرة أن السياحة تحصل فقط في الصيف، حين تأخذ الأسرة الإجازة، وتقرر الأسرة الذهاب لمدينة معينة – مثل الطائف أو أبها – وتستأجر شقة أو غرفة، ثم يبدأ مشوار النزهات اليومية النهارية و”التمشي الليلي”، مشكلة هذه الثقافة أنها تحصر السياحة في أوقات معينة، وفي مدن معينة، وفي أنماط معينة.
عندما نوفر المعلومات المبسطة والدقيقة والمتوفرة في كل مكان على مدار الساعة، فإننا سنشجع أنماطا جديدة من السياحة، حين يتوقف الناس على الطريق مثلا ويستكشفون القرى والمدن التي يزورونها، وسوف تكون فرصة لارتباط الناس بتاريخ وطنهم، من خلال التعرف على الأماكن التاريخية، وستكون فرصة لتشجيع الاستثمار الصغير في المطاعم ومحلات الترفيه على المدن التي تمر بها الطرق السريعة، وقبل ذلك كله سنشجع ما أسميه بـ”السياحة المحلية”، وذلك حين يزور أهل المدينة معالم مدينتهم ويتعرفون على معالمها على مدار السنة، وهذا نوع هام من السياحة لأنه يدعم الاستثمار السياحي بشكل حيوي من جهة، ويوجد ذلك الارتباط الروحي بين المكان والإنسان، كما نشجع ما سأسميه هنا “سياحة الزوار”، وهي سياحة أولئك الذين يردون للمدينة لأمر ما، ثم يتوفر لهم بعض وقت الفراغ لمشاهدة المدينة.
كثيرون من أهل الرياض، على سبيل المثال، لا يعرفون معالم الرياض التاريخية والسياحية، وإذا عرفوها لم يزوروها، وإذا زاروها لم يجدو ورقة واحدة تشرح لهم بلغة سلسة ما يرونه، ولذلك تجد دارة الملك عبدالعزيز، على سبيل المثال أيضا، والمتحف الوطني المجاور خاليا من الزوار في مدينة يسكنها 4 ملايين شخص، فيهم عدد كبير من المغتربين، ويزورها كل يوم آلاف الأشخاص من السعوديين وغيرهم.
كثيرون من أهل الرياض أيضا يشتكون من الرياض، وينتظرون اليوم الذي “يسافرون” فيه، وهم في نفس الوقت لم يزوروا أيا من معالم مدينتهم، ومن يلومهم، والمعلومات المتاحة شحيحة، وإذا توفرت كانت لغتها جافة وخالية من التفاصيل التي تساعدك على تخطيط يومك، مثل مواعيد الفتح والإغلاق، وأيام الرجال والنساء، وتوفر المطاعم والخدمات في المكان وغيره.
السياحة في تعريفي هي ترفيه خارج المنزل يقوم به الإنسان كل يوم بناء على معلومة لديه حول مكان جديد يزوره، وإذا لم تتوفر المعلومة، أصبحت السياحة أمرا غير ممكن
* نشر المقال في جريدة الوطن السعودية