هناك عبارة أحب أن أرددها دائما عن الإنترنت: بالرغم من أن الإنترنت يزيد التواصل بين الناس بشكل لم يكن مسبوقا تاريخيا فإنه أيضا يزيد من عزلة الإنسان ووحدته!
هذه المفارقة الغريبة تثبتها عدد من الدراسات العلمية، ومنها دراسة شهيرة مولتها عدة شركات أمريكية في التسعينات الميلادية عندما أتوا لقرية وديعة في ولاية بنسلفانيا الأمريكية كان يعيش أهلها كما يعيش أهل القرى في جو اجتماعي كامل و أعطوا لكل سكان القرية أجهزة كمبيوتر مرتبطة بالإنترنت.
بعد سنتين من المتابعة العلمية استخلاص مجموعة من النتائج عن أثر الإنترنت والتكنولوجيا على المجتمع، ومن أهم هذه النتائج هي أن الناس في القرية كلما زاد استخدامهم لشبكة الإنترنت كلما ازدادت علاقاتهم بالناس خارج القرية عبر المسنجر والإيميل وغرف الدردشة وغيرها، وفي نفس الوقت يرتبط هذا عكسيا بعلاقاتهم بسكان القرية الآخرين حيث بدأت تضعف لقاءاتهم ببعضهم وتقل زياراتهم مع ازدياد عدد الساعات المخصصة ما بعد العمل لاستخدام الإنترنت.
في بريطانيا أعلنت نتائج دراسة حديثة تمضي في نفس السياق ولكن بشكل أكثر حدة حيث وجدت الدراسة ارتباطا وثيقا بين ساعات استخدام الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيسبوك”، وبين نسبة الأمراض بما فيها السرطان وأمراض القلب وأمراض اضمحلال الذاكرة.
وتقول الدراسة التي نشرت يوم الجمعة الماضي في مجلة علمية متخصصة أن السبب الرئيسي أن عدد ساعات اليوم التي يقضيها الإنسان في التواصل الاجتماعي “الحقيقي” _ أي القائم على الالتقاء وجها لوجه أو الحديث المباشر على الهاتف _ انخفضت من ست ساعات يوميا في عام 1987 إلى ساعتين يوميا في عام 2007.
ازدياد هذه الأمراض جاء بالرغم أن المشاركين في الدراسة _ وكلهم من مجتمعات غربية _ كانت لديهم “شبكات اجتماعية واسعة” من الأصدقاء على الإنترنت.
هذه النتائج تدعم نظرية علمية أخرى أن الإنسان بطبعه يكون مقاوما للأمراض بشكل أكبر عندما تكون لديه حياة اجتماعية أفضل وحين يعمل في عمل جماعي بدلا من عمل فردي، حيث تقول دراسات كثيرة أن الوحدة هي من أهم أسباب أمراض الشيخوخة المبكرة والقلب والأمراض النفسية.
الدراسة الجديدة تضيف لهذه النتيجة أن امتلاك علاقات واسعة من الأصدقاء عبر الإيميل و”مسنجر” و”فيسبوك” ورسائل الجوال لا يقلل من هذه الوحدة بل قد يزيدها عمقا في بعض الأحيان عندما يشعر الإنسان أنه بالرغم من كل هذا التواصل ما زال يفتقد شيئا عميقا في نفسه لا يعرف ما هو.
النصيحة العلمية هي ألا يفقد الإنسان التوازن بين التواصل الحقيقي وبين الأنشطة الفردية، مثل مشاهدة الإنترنت أو استخدام الإنترنت، وأن يبقى الوجه المبتسم وجه حقيقي يقدمه للأصدقاء وجها لوجه بدلا من أن يرسمه أو يكتبه على الإنترنت.
* نشر المقال في صحيفة اليوم السعودية