«المتدربون»!

من قسم إدارة وأعمال
الإثنين 26 مايو 2008|

قبل عامين ألقيت محاضرة في جامعة اسنكندنافية، وبعد المحاضرة جاءني عدد من الطلبة الذين سألوني عن إمكانية التدريب في المؤسسة الإعلامية التي أعمل بها في دبي، وبالرغم من غرابة الموقف حين يرغب طلبة أوروبيون التدرب في الشرق الأوسط، فإن النتيجة التي آتت ثمارها هي حضور عدد من هؤلاء الطلاب للتدرب على حسابهم الشخصي، والعمل بجد بلا مقابل “بعد تخرجهم من مؤسسة أكاديمية مميزة” لستة أشهر متتالية مقابل الحصول على “الخبرة”.

إلزام الجامعة الأوروبية لطلابها بمثل هذا التدريب، وتضحية الطلاب من خلال العمل المجاني، وإنفاق الأسرة على أبنائها الذين سافروا للعمل يدل على إدراك كل هؤلاء لقيمة الخبرة العملية التي لا تقل قيمة عن ما يجب إنفاقه على كراسي الدراسة.

تذكرت هذه القصة إبان حوار مطول دار الأسبوع الماضي مع الزملاء في معهد الأمير أحمد بن سلمان _ رحمه الله _ للإعلام التطبيقي، والذين يحاولون جاهدين الاستفادة من الفرصة النادرة التي قام عليها المعهد من خلال تحالف كبرى المؤسسات الإعلامية السعودية لإيجاد بيئة “تطبيقية” تساهم في علاج الأزمة التي يعاني منها الإعلام بفروعه المختلفة في كل الدول العربية من حيث ندرة الإعلاميين المتخصصين والقادرين على خوض تجربة الإبداع والمهنية والمنافسة في عملهم الإعلامي اليومي.

لقد أثبتت التجربة العالمية أن تعليم الإعلام “أو الإدارة أو التسويق أو غيره من التخصصات العملية” لا يكون فقط من خلال كراسي الدراسة الأكاديمية أو التطبيقية، بل يكون أيضا من خلال الخبرة المكثفة التي يمكن للمتدرب الحصول عليها بعد ممارسة العمل لأشهر عدة في أحد المؤسسات الإعلامية.

نقل هذه التجربة للعالم العربي سواء في مجال الإعلام أو غيره يتطلب من جهة إيمان المؤسسة التعليمية بأهمية التدريب العملي، واستثمارها في اتفاقيات مع الشركات والمؤسسات الكبرى لضمان أماكن لطلابها، كما يتطلب من جهة أخرى إيمان المؤسسة الإعلامية أو التجارية بقيمة هذا التدريب من ناحية التعرف على الطلبة المميزين أو من ناحية “خدمة المجتمع” وإعطاءها قيمة له من خلال العناية بالطلاب وتنويع مهامهم ووضعهم تحت مشرفين وإلزامهم بنفس شروط البيئة العملية من حيث الحضور والعمل الشاق والالتزام بمواعيد التسليم وغيرها، بل إن ثقافة الشركات الغربية تضع المتدربين تحت ضغط أكبر من الموظفين حتى يعطى المتدربين الفرصة لإثبات ذاتهم وقدرتهم على تحمل المشاق.

هذا الدور يجب ألا يقتصر على الشركات الكبرى، بل يجب أن ينتقل أيضا للمؤسسات الحكومية التي يجب أن تستقطب أيضا عددا كبيرا من هؤلاء الطلاب وتضع لمثل هذا التدريب نقاطا في التوظيف بعد انتهاء فترة التدريب وتحاول من خلال هؤلاء الطلاب تجديد روح العمل في الإدارة الحكومية إذا كان موظفوها قد تجاوزوا الأربعين من أعمارهم.

في كل عام تعلن الشركات الغربية عن فرص لمتدربين وتضع شروطا صعبة للاختيار، ويهجم الطلاب على تلك الفرص التي تستمر للصيف فقط “لتعويض إجازات الموظفين” أو لأشهر أو سنة، وهذا يعني وجود آلية لصناعة الموارد البشرية الجديدة وضخها في شرايين المؤسسة التجارية، بالإضافة للمساهمة في تقديم شيء للمجتمع من خلال تأهيل موارده الشابة.

المتدربون في رأيي حل لكثير من المشكلات، سواء مشكلة ضعف الموارد البشرية، أو مشكلة ضعف المؤسسات الأكاديمية من الناحية التطبيقية، أو مشكلة الفراغ في الصيف، أو مشكلة خلو المؤسسات الكبرى من روح الشباب، أو مشكلة البطالة، ولكن هذا فقط إذا تم تطبيق الأمر بشكله الصحيح من طرف المؤسسات الحكومية والتجارية والتعليمية.

أتمنى وجود جهة رسمية تحمل مهمة التغيير على عاتقها، وتنظر للتجربة الغربية بتمعن، ثم تنتقل في أروقة مختلف المؤسسات لإقناعهم بالتجربة ومميزاتها وطريقة تطبيقها، وتنسق بين الجامعات والمؤسسات وذلك حتى يصبح هذا الأمر جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع.

حينها سيكون لدينا صيف أجمل !!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية