لا يخفى على أحد دور الإدارة في نجاح العمل التجاري، ولكنني أعتبرها في الفترة الحالية العامل الأكثر أهمية على الإطلاق لأن كل عناصر الإنتاج موجودة بوفرة واسعة، ففي دولة مثل المملكة العربية السعودية، يتوفر رأس المال لأي فكرة تجارية مدروسة، وتتوفر بيئة تجارية خصبة وتقدم فرصا هائلة لا حد لها، وتتوفر القدرة الشرائية لدى الجمهور من المؤسسات والأفراد، وتبقى الإدارة العامل المفصلي الذي يحدد من يفوز ومن يخسر.
قد يشير البعض لأزمة الموارد البشرية التي قد لا تحدث في دول خليجية أخرى فتحت باب الاستفادة من الموارد البشرية غير المحلية على مصراعية، ولكنها أزمة يمكن احتوائها إذا وجدت الإدارة المميزة التي تحافظ على موارد الشركة البشرية وتنميها وتتقن البحث عن الكوادر الجديدة وتدريبها وتهيئتها لجو العمل.
أزمة الموظفين الأكفاء موجودة في كثير من دول العالم والنظام الإداري المميز هو الذي يعالج هذه الأزمة.
في كثير من الشركات التي يتسنى الاقتراب منها تجد أزمة إدارية حقيقية، ضعف في التخطيط الاستراتيجي، تخبط في إدارة العمليات، انعدام الخطط التسويقية الذكية والمبدعة، إساءات للموظفين من كل نوع وشكل، ضعف غريب في الإدارة المالية والتخطيط المالي، وهناك سببان رئيسيان لهذا الداء المستشري في عدد كبير من المؤسسات والشركات:
- الأول: أن كثير من الشركات والمؤسسات يديرها أو يتدخل في أعمالها ملاكها أو أصحاب النفوذ فيها، وهم عادة يقفون على الجانب الاستثماري، وليس لديهم خبرة إدارية واسعة سوى حبهم لمؤسساتهم وإيمانهم بقدراتهم الشخصية _ والذي قد يكون مبالغا كثيرا _ وعدم وجود من يثقون به ويعتمدون عليه في إدارة المؤسسة أو الشركة.
- الثاني: قلة عدد المدراء المحترفين الذين يمكن الاعتماد عليهم، وذلك لأن الإدارة المميزة ليست مجرد شهادات بل خبرة يعتد بها، ومع قلة المؤسسات التي تملك نظاما إداريا صلبا في منطقتنا العربية، يصبح إيجاد هؤلاء كالبحث عن إبرة في كومة القش!
لهذا السبب؛ فإن الحل قد يكمن في مؤسسات الاستشارات الإدارية التي “تقتحم” مؤسسة أو شركة ما بطلب من مجلس إدارتها أو مالكها أو حتى مديرها التنفيذي، فتقضي على “رؤوسا قد أينعت وحان قطافها” وتغير النظام الداخلي وتبني نظاما إداريا صلبا يمكنه الصمود وتغيير مسار المؤسسة.
هذه الشركات نادرة في السوق المحلي إذا كنت تقصد تلك التي لها تاريخ جيد من النجاح، وأكثر “المكاتب” الاستشارية الموجودة قائمة على جهد فردي، وما تقدمه هذه المؤسسات عادة هو التنظيم الداخلي وإيجاد الهيكل الإداري وتحديد التوصيف الوظيفي وقيم المؤسسة، وهذا ممتاز، ولكنه يعتبر خطوة أولى فقط، لأن نجاح إدارة المؤسسة يعتمد على المؤشرات الأساسية للأداء KPIs وأولها الأرباح، وإذا لم تتحمل الشركة الاستشارية المسؤولية نحو ربح الشركة يبقى دورها غير قابل للتقييم.
المطلوب تغيير هذه الصيغة بحيث تشابه الصيغة العالمية، حيث تحصل المؤسسة الاستشارية على الصلاحيات ولكنها تتحمل المسؤولية كذلك، وبعض المؤسسات الاستشارية قد تحصل على نسبة من الأرباح كتحفيز لمسؤوليتها عن النجاح.
لا يلزم الاستعانة بمكتب إداري متخصص فقط بل يمكن الاستعانة بشركة عالمية في المجال نفسه التي تعمل فيه الشركة المحلية “العقارات مثلا” والتي لها تاريخ من النجاح، وميزة هذه الشركات أنها تأتي ومعها خبراتها المتخصصة وعلاقاتها ومبادراتها التجارية.
إنني أطالب الهيئة العامة للاستثمار بالنظر جديا في تحديد نوع جديد من الرخص الاستثمارية المقدم للشركات والمؤسسات الأجنبية التي لا تأتي من أجل الاستثمار بل لتقديم الاستشارات بالتعاون مع الشركات والمؤسسات المحلية.
هذه الاستشارات من شأنها أن تسمح للسوق المحلي بالاستفادة المثلى من الخبرة الأجنبية، وتعطي الفرصة لتلك المؤسسات التي ما زالت خائفة من السوق السعودي بسبب عدم فهمه من الاقتراب منه والتعامل معه، وربما الاستثمار فيه لاحقا.
الإدارة فن معقد، ومن يعرفه فقد شق طريقه للنجاح!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية