الإنترنت يزيدنا أصدقاء و.. «عزلة» كذلك!

من قسم الثورة الرقمية
الإثنين 17 سبتمبر 2007|

أي نظرة تحليلية حول أثر الإنترنت على العلاقات الاجتماعية تؤكد أن الإنترنت غير الحياة الاجتماعية لاؤلئك الذين يستخدمونه بشكل مكثف.

لقد ساهمت تطبيقات التواصل العديدة على الإنترنت ابتداء من “مسنجر” وانتهاء بالمنتديات وغرف الدردشة ومواقع “الشبكات الاجتماعية” مثل “فيسبوك”، في بناء نسيج من العلاقات الاجتماعية لم يعرفه الناس من قبل، فمستخدم الإنترنت صار له أصدقاء كثيرون حول العالم، وهم في الغالب يشتركون معه في اهتمام معين أو على الأقل جرى الحديث الإلكتروني بينهما سلسا حول مختلف شؤون الحياة مما ساهم في بناء صداقة مستمرة بعد ذلك.

تدخل إلى بريدك الإلكتروني فتجد رسائل بالعشرات من أشخاص تعرفهم عبر الإيميل فقط أو عبر أحد هذه المواقع، ولو فكرت قليلا عن الدافع الذي يحفز هذا الشخص للتواصل معك لتأكدت أنه قرر بناء علاقة صداقة “إلكترونية” معك.

الصداقات الإلكترونية لها ميزات كثيرة فهي تعطيك الحرية أن تخرج منها متى ما أردت وتعود إليها في الساعة التي تختار، لا يوجد فيها ضغط اجتماعي، وليس عليك التزامات، وفي نفس الوقت تسمح لك أن تتحدث الكثير عن نفسك، صادقا أو مدعيا لعلاج عقد النقص وحاجات الإشباع الاجتماعي.

الميزة الأهم للإنترنت أنه سمح للمرة الأولى بتجمع الأشخاص الذين يربطهم اهتمام معين وهو الأمر الذي كان متعذرا في السابق وخاصة لأصحاب الاهتمامات النادرة، وصار المجتمع الافتراضي عبارة عن عدد هائل من الدوائر المتداخلة والمتقاطعة والتي يقع في مركز كل منها أمر معين قد يكون أيديولوجيا أو علميا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو حتى مجرد الغرام ببرنامج تلفزيوني معين أو امرأة مشهورة.

لكن الإنترنت ساهم في زيادة العزلة الاجتماعية كذلك!

في تجربة مشهورة في قرية بولاية بنسلفانيا الأمريكية مولتها عدد من الشركات الأمريكية في منتصف التسعينات الميلادية تم وضع وصلة إنترنت مجانية مع كمبيوتر في كل منزل، وتم تقديم دورات لكل سكان القرية حول استخدام الإنترنت، ولكن المدرب كان يركز في تدريبه على تطبيقات التواصل الاجتماعي وبناء العلاقات الاجتماعية عبر الإنترنت.

كان الباحثون الاجتماعيون يراقبون السلوك الاجتماعي لسكان القرية الذين كانوا يعرفون أن هذا جزء من تجربة علمية ولكن لا يعرفون بالضبط أهدافها، وعبر سنتين اكتشف الباحثون أنه كلما زاد الوقت الذي يقضيه سكان القرية على الإنترنت كلما قل التواصل الاجتماعي بينهم، والذي يعوضه الشخص عادة من خلال المزيد من العلاقات الاجتماعية مع غرباء لا يعرفهم على الإنترنت.

شاهدت مرة رسما كاريكاتيرا كان في منتهى الجمال في التعبير عن هذه الآثار المتضادة التي يسببها الإنترنت لمستخدميه حيث كانت الصورة تتضمن أشخاصا كثيرين كل جلس في غرفته أمام شاشته ويبدو عليه الفرح، ولكن كانوا في غرف منفصلة تماما، ولو كان الذي أمامهم تلفزيون وليس كمبيوتر لقلنا بأن هؤلاء مجموعة من البائسين الذين يعيشون عزلة قاسية.

بالمناسبة كان في الصورة شخص واحد جلس في مربعه الصغير حزينا بائسا، ولم يكن أمامه كمبيوتر، وهذا يشير لأثر آخر من آثار الإنترنت الذي لم يكتف بتغيير الحياة الاجتماعية لمستخدميه بل أصبح الذين لا يستخدمونه في عزلة كذلك مع تراجع الناس عن الاهتمام بالحياة الاجتماعية الحقيقية التي يلتقون فيها وجها لوجه.

تجارب “المكتب الافتراضي” Virtual Office، والمعنية بالعمل عن بعد وصلت لنتائج مشابهة تقريبا، فالناس زادت إنتاجيتهم عندما عملوا من خلال منازلهم عبر الإنترنت والجوال، ولكنهم في نفس الوقت زادت عزلتهم وقل التواصل الاجتماعي بين الموظفين وهذا أثر على روح الفريق وروح الإبداع والسعادة بالعمل عند المشتركين في هذه التجارب.

ماهو الوضع الصحيح؟

ربما لا يمكننا كثيرا التحكم في تشكيل اجتماعي جديد يفرض نفسه علينا ولكنه من المؤكد أن التوازن مطلوب، فبقدر ما يمنحنا الإنترنت إمكانيات تواصل اجتماعي مميزة، فإن الإنسان يجب أن يحارب الإدمان عليها وأن يحرص دائما أن يكون جزءا من حياته قائم على التواصل الطبيعي الشخصي مع الآخرين حيث يفرح بابتسامتهم ويحزنون لآلامه ويتحدثون معه وجها لوجه وربما يشتد الجدل ويغضب الإثنان وربما يعاني الشخص من الضغط الاجتماعي الذي لا يجده على الإنترنت ولكن هذا التواصل في رأيي أساس في حياة اجتماعية ونفسية إنسانية سليمة.

تأمل آلاف التهاني التي وصلتك على جوالك من رسائل الأصدقاء بمناسبة رمضان أو العيد، هذا تطبيق فعلي لظاهرة الأصدقاء والعزلة في آن واحد، فبقدر ما ساهمت هذه الرسائل في زيادة عدد الأصدقاء لأنك تقدم التهئنة لآلاف الأشخاص من خلال رسائل الـSMS والإيميلات، فإنك تشعر وأنه قد مر العيد بنسبة أقل بكثير من التواصل الاجتماعي الحقيقي مع الآخرين مقارنة بأعياد “ما قبل التكنولوجيا”، وهو أمر يتحسر عليه الناس كل يوم رغم أنهم جميعا يشاركون في صنع الظاهرة.

في الأسبوع القادم سأتحدث عن كيفية توظيف تطبيقات التواصل الاجتماعي الإلكترونية في خدمة الأفكار والنجاح في الحياة العملية.

حتى ذلك الوقت، لكم تحياتي الممتدة إليكم عبر الحبر والورق وعبر شاشة الإنترنت!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية