أطلقت دبي خلال شهر رمضان المبارك الحالي حملة “دبي العطاء” والتي تقوم على جمع التبرعات الخيرية لبعض المشاريع غير الربحية، واستفادت من مبدأ تحدث عنه كثيرون في السابق وهو التبرع عبر رسائل الجوال.
مع كل إرسال لرسالة جوال لرقم معين يتم خصم مبلغ ما من رصيدك وتحويله للجهة الخيرية.
هذا المبدأ على بساطته قد يمثل الحل الفعال للكثير من المشكلات التي تواجه مشاريع التجارة الإلكترونية والدفع عن بعد والتبرعات الخيرية بأنواعها وغير ذلك، وذلك لأن المشكلة التي تواجه معظم هذه المشاريع هو كيف يدفع الناس عندما يريدون شراء شيء عبر الإنترنت أو الهاتف أو غيره.
الدفع باستخدام بطاقة الإئتمان غير ناجح لأن الكثيرين في العالم العربي لا يملكونها أو لا يثقون في استخدامها بشكل واسع، والدفع باستخدام الحوالة المالية غير فعال أبدا لأن قلة من الناس تعشق “طوابير” البنوك، بينما استخدام البطاقة المدفوعة مسبقا بقي محدود الاستخدام لأن هذا يتطلب الذهاب للسوق لشراء البطاقة ولأن إصدار هذه البطاقات وتوزيعها بشكل واسع وربطها بنظام إلكتروني لرصد الأرقام التسلسلية للبطاقات أمر مكلف ماديا.
هذه المشكلة جعلت كثير من مواقع الإنترنت العربية تفشل في تقديم خدمات مدفوعة لزوارها، وجاءت رسائل الجوال كحل سحري لأن شركات الاتصالات بطبيعة عملها تملك آلية لـ”فوترة” العملاء، ولأن كل الناس لديهم جوالات، ولأن إرسال رسالة جوال أمر سهل جدا، ولكن المشكلة تكمن حتى الآن في أنظمة شركات الاتصالات العربية التي تملك أنظمة معقدة جدا في استخراج الأرقام الخاصة، والتي أيضا تصر على أخذ نسبة كبيرة من قيمة أي رسالة جوال تصل إلى الأرقام الخاصة Premium Shortcodes تتراوح بين 40 إلى 70%، بينما في الغرب لا تتجاوز 20% في كثير من الحالات.
شركات الاتصالات تملك في يديها تقديم خدمة اجتماعية ضخمة، وقد تحتاج الحكومات العربية أن تجبر شركات الاتصالات على القيام بهذه الخدمة، لأن السماح باستخدام رسائل الجوال كنظام دفع سيطلق آلاف الأفكار والمواقع والمشاريع التي ستجعل حياتنا أسهل وتنشط “الاقتصاد الجديد” القائم على الإنترنت والدفع عن بعد.
وتجدر الإشارة هنا أن المشكلة لا تكمن فقط في شركات الاتصالات، فهيئات الاتصالات والتي تنظم عمل شركات الاتصالات والمؤسسات النقدية العربية التي تنظم عمل البنوك ما زالت أيضا تعترض بقوة بناء على الأنظمة الحالية على مثل هذه الاستخدامات لأن هذا _ حسب رؤيتهم _ سيحول شركة الاتصالات إلى بنك يحرك سيولة هائلة، فتحصيل النقود من الناس عبر رسائل الجوال يتطلب دفعها إلى مستحقيها أيضا، مما يعني الحاجة لنظام حسابات متكامل وتأمين وغيرها مما يضمن عدم وجود ثغرات في النظام المالي، ولكن هذه المشكلات لها حلول، وإن كانت تحتاج لجهود مكثفة وقناعة من هذه الهيئات بأهميتها.
أحد أهم شركات الاتصالات في العالم وهي شركة “دوكومو” اليابانية DoCoMo، عملت على نطاق واسع لتقديم هذه الخدمات وساهم ذلك في جعل حياة اليابانيين أسهل وأجمل، وهي لم تكتف بذلك بل أطلقت خدمات تجعل من جهاز الجوال محفظة متنقلة من خلال تقنية حفظ شفرة خاصة على الجوال، بحيث إذا ذهبت للسوبرماركت مثلا وقال لك المحاسب بأنه يريد 500 ريال منك فإنك تضع الجوال على الجهاز القارئ للشفرات ليخصم من حسابك 500 ريال.
الشفرة أيضا تم ربطها بالبطاقات الشخصية وبطاقات الإئتمان ورخصة القيادة والبطاقات الصحية بحيث تفتح جوالك في كل مرة يحتاج أحد لاستلام معلوماتك ويستخدم قارئ الشفرات للتعرف على معلوماتك أو خصم مبلغ من حسابك _ مثل دفع مخالفة مرورية _ وغير ذلك من التطبيقات.
هناك مشكلتان أساسيتان تواجه “الاقتصاد الجديد” القائم على التجارة الإلكترونية والتطور التكنولوجي في العالم العربي هي نظام الدفع ونظام التسليم، لأن شراءك للبضاعة يتطلب أيضا تسليمها ووجود عنوان بريدي مناسب وغير ذلك، والحديث عن حلول نظام الشحن والتسليم له شجونه الخاصة، أما نظام الدفع فما زال معضلة خاصة تبحث عن حل.
إطلاق مارد التكنولوجيا والتجارة الإلكترونية من القمقم يحتاج إلى مبادرات لعلاج هذه التحديات، وخاصة بعد أن أصبح نمو الاقتصاد الجديد مؤشرا على النمو الاقتصادي لأي دولة حول العالم.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية