الوطنية في الغرب: قشة الخائف من الفقر (1-3)

من قسم سياسة
الإثنين 24 سبتمبر 2007|

بينما يحتفل السعوديون بيومهم الوطني، وينطلق الشباب والأطفال والكبار في شوارع الرياض حاملين أعلام وطنهم، هازجين بالفرحة باليوم الذي يحتفلون به لثالث مرة، وبعد تردد طويل جدا حول مدى توافق هذه الاحتفالات مع الشريعة الإسلامية، تثور تساؤلات حول مصطلح الوطنية والقضايا المرتبطة به، وكيف ينظر المجتمع العالمي للقضايا الوطنية في زمن تداخلت فيه العولمة مع السيطرة الأحادية للغرب مع الصراعات الدينية مع ظهور بؤر التطرف في عدد كبير من دول العالم.

وبالرغم من أن الغرب كان المسؤول الأساسي سياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا عن جعل العولمة أمرا واقعا في عالم اليوم، إلا أن الغرب نفسه يعاني من نمو النزعات والحركات الوطنية التي ترى في مثل هذه العولمة تقديما لمصالح شعوب العالم الأخرى على مصالح الشعب في دولة ما.

ورغم أن الوطنية التي تطالب بتقديم مصالح مواطني الدولة على مصالح الدول الأخرى مقبولة فكريا وسياسيا على نطاق واسع في الغرب _ إلا إذا تعلق الموضوع بدول العالم الثالث _ إلا أن هذه الوطنية تأخذ شكلا متطرفا سلبيا حين تؤمن أن وجود أمة ما وتحقيق أي مصالح لها لابد أن يكون على حساب الآخرين الأمر الذي يشيع الكراهية والعدوانية ضد الآخر.

بالمقابل فهناك «الوطنية الإيجابية» _ في التعريف الغربي السياسي _ التي تؤمن أن مصالح الجميع يمكن أن تتحقق في نفس الوقت إذا أوجدت صيغة تعاون عالمية تزيد من الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل المشتركين في هذه الصيغة وبالتالي تحقيق مصالح الكل في نفس الوقت.

هذه هي الفلسفة التي تقوم عليها منظمة التجارة العالمية واتفاقيات التجارة الحرة التي تحقق عدد كبير منها في التسعينات الميلادية، وهي في نفس الوقت الفلسفة التي يرفضها «الوطنيون السلبيون» الذين يرون في مثل صيغ التعاون هذه فتحا لأبواب الدولة للطامعين فيها من الشركات الكبرى والحكومات الأجنبية والمهاجرين والأجانب الأفراد الذين يريدون استغلال الفرص الاقتصادية في تلك الدولة وحرمان أبناء البلد منها.

كما تلاحظ فإن كلتا الحجتين تدوران بشكل أساسي حول المصلحة الاقتصادية لأبناء الدولة، وهذا ما دعى العديد من المفكرين والإعلاميين الغربيين لاستعمال مصطلح «الوطنية الاقتصادية» في مناقشة هذه القضايا لأنها كلها في الحقيقة قائمة على منطق اقتصادي بحت.

وقد أدى الخوف الاقتصادي من الفقر لظهور الأحزاب الوطنية المتطرفة في النمسا وفرنسا وسويسرا وكندا، والتي تبنت خطابا سياسيا عنيفا ضد المهاجرين، وهم غالبا في هذه الدول من غير الأوروبيين الذين يرى فيهم الوطنيون منافسا لهم على لقمة العيش وسببا في ازدياد نسب البطالة في أوروبا.

ويبدو أن الجميع في هذه النقاشات يراهن على أن الزمن سيعمل لصالحه، فالوطنيون الإيجابيون يؤكدون أنه خلال سنوات قليلة سيرى مواطنو دولهم الآثار الإيجابية الاقتصادية الواسعة للعولمة وسيدفعهم هذا للاقتناع بجدواها والوقوف وراءها، بينما يدعي الوطنيون السلبيون أن بلادهم سيصيبها الفقر والبطالة والفساد الإداري والاقتصادي وسيطرة الأجنبي قبل أن تتمكن اقتصادياتهم المحلية من الوقوف على قدميها ومواجهة المنافسة.

ويمكن ببساطة ملاحظة أن الفريق الثاني _ السلبيين _ لهم وجودهم على أعلى مستويات صناعة القرار في الغرب.

في ألمانيا مثلا، لم يتردد المستشار الألماني جيرهارد تشرودير _ في أول أسابيع حكمه _ في دعمه لشركة مانيسمان، ضد شركة فودافون البريطانية، ضاربا بالاتفاقيات عرض الحائط ومرددا «الألمان لم يعد يتردودوا في الدفاع عن مصالحهم الوطنية».

في كندا، هناك أحاديث يومية في الإعلام الكندي عن تمدد الشركات الأمريكية في كندا وتفوقها في المنافسة على الشركات الكندية وأخذ مواقعها الأمر الذي زاد من نسب البطالة في كندا ورفع معدلات التضخم فيها.

في الحلقتين القادمتين من هذه السلسلة من المقالات عن الوطنية في الغرب، سأتناول آثار الوطنية السلبية وقضايا الهوية الوطنية وأشكال التطرف في الشعور الوطني، وكلي أمل أن تعطي صورة متكاملة عن عدد من القضايا التي يعيشها العالم مدفوعا بالشعور الوطني.

نعشق أوطاننا ونخاف عليها أحيانا حتى من القيم المثالية!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية