الوطنية في الغرب: قشة الخائف من الفقر (2-3)

من قسم سياسة
الإثنين 01 أكتوبر 2007|

الوطنية الإيجابية تؤمن بالتعايش العالمي وبأن مصالح الأوطان تتحقق عندما تسيطر المشاعر الإنسانية العامة على المصالح الوطنية المحلية، بينما الوطنية السلبية هي تلك التي تخاف من تمدد الآخر على حساب مصالح الوطن الاقتصادية تمددت في الغرب رغم أنه هو من أصل سيطرة مفاهيم العولمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

كان هذا ملخص حلقة الأسبوع الماضي عن الوطنية في الغرب ضمن ثلاثية من المقالات عن تيارات الوطنية حول العالم، والتي أكتبها بمناسبة اليوم الوطني السعودي.

ويبدو أن مفارقات قضايا الوطنية السلبية أنها ظهرت بشكل حاد وقوي في أمريكا، بلد التقاء الثقافات وأحلام المهاجرين وصانعة شعارات العولمة، حيث ظهر مذيع الـCNN الشهير بات بوكانان، كمرشح للرئاسة الأمريكية في عام 2000 عن حزب «الإصلاح»، ليطرح فكرة أن اتفاقيات التجارة الحرة العالمية ضرت أمريكا وجعلت العمال الأمريكيين يفقدون أعمالهم لصالح عمال المكسيك والصين الذين صارت تعتمد عليهم الشركات الأمريكية الكبرى المهاجرة خارج أمريكا، وبدأ الإعلام الأمريكي لأول مرة يناقش بشكل واسع هذه الطروحات التي سرعان ما انتشرت، حتى صارت المظاهرات الضخمة التي يقودها أعداء العولمة الاقتصادية إبان اجتماعات منظمة التجارة الدولية أمرا مألوفا.

بالطبع هناك حجج أخرى يستعملها الوطنيون السلبيون في نقاشهم حول الوطنية، إلا أن هذه الحجج ليس لها أي شعبية وبقيت محصورة في الحركات والأفراد شديدة التطرف وذلك في ظل انتشار مفاهيم «حقوق الإنسان» في العالم الغربي وبسبب الوجود القوي لليهود في معظم الدول الغربية على الأنظمة السياسية والإعلامية حيث يحاربون بجدية ونشاط مكثف مثل هذه الاتجاهات المتطرفة.

هذه الاتجاهات تقرن الوطنية بالتفوق الجيني لعنصر ما، وهي الحجة التي استعملها النازيون في مطلع هذا القرن، وعاد «النازيون الجدد» في ألمانيا لاستعمالها في التسعينات الميلادية وخاصة بعد أن تحقق حلم إعادة توحيد الأمة الألمانية تحت مظلة دولة واحدة _ والذي حصل بالطبع بوحدة ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية _ مما أجج هذه المشاعر الوطنية المتطرفة.

العنصريون البيض استعملوا الحجة نفسها والتي لخصتها نظرية «منحنى الجرس» التي جاء بها المفكران هيرنستين وموراي وترى أن الأوروبيين البيض هم في قمة المنحنى من ناحية الذكاء والقدرات الطبيعية بينما الشعوب الأخرى تقع في أسفل المنحنى.

هذا ما يستند عليه من يسمون بـ«حليقي الرؤوس» المتواجدين في فرنسا وألمانيا والنمسا وسويسرا وكندا وأمريكا، مع ملاحظة أنهم أقليات صغيرة جدا يجمعها في الغالب الرغبة في تكوين العصابات الاجتماعية التي تدعم بعضها أكثر من الإيمان العميق بالفكرة نفسها.

ولاشك أن المخاوف الاقتصادية والاعتزاز العنصري يجتمعان ليحثان الشعوب الغربية على التحرك العدواني ضد فئات أخرى وهم عادة حسب ما أثبتت الدراسات المهاجرون والأجانب والأقليات العرقية.

إن الوطنية المتعصبة السلبية تصدر عن أسباب اقتصادية وعنصرية وهذا يصح تماما على الوضع الحالي في أوروبا بالنسبة للأحزاب المتطرفة، ولكن هناك في الحقيقة سؤال وطني عام يكاد يدور ببال كل أوروبي غربي مثقف حول الفرق بين الهوية الوطنية للفرد الفرنسي أو الإنجليزي أو الألماني أو اليوناني أو غيره والهوية الأوروبية العامة التي يسعى الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة واتحاد النقد الأوروبي للترويج لها.

السؤال بالتحديد: هل على الأوروبيين الذين ينتمون لدولة معينة التضحية بجزء من ثقافتهم ومفردات هويتهم من أجل المظلة الأوروبية التي تعم الجميع؟.

لك أن تتخيل أن ارتباك جون ماجور، رئيس الوزراء البريطاني السابق، في جواب هذا السؤال حين تراجع أمام الضغط الشعبي بعد إعلانه لتحمسه للاتحاد مع أوروبا كلفه منصبه السياسي لصالح بلاير، الذي أكد على أن مصلحة البريطاني وثقافته تعلو على كل مشاريع الاتحاد الأوروبي.

مثال آخر يمكن رؤيته في سعي ألمانيا الحثيث لدفع الاتحاد الأوروبي لتبني اللغة الألمانية كلغة رسمية للاتحاد توازي في مقامها اللغة الإنجليزية والفرنسية.

لكن قضايا الهوية الوطنية لا تتوقف هنا، حيث سأوضح في الحلقة الثالثة والأخيرة حول المفاهيم العالمية للوطنية كيف جرت هذه القضايا العديد من الويلات على العالم في السنوات العشر الأخيرة.

أحيانا يكون حبنا للوطن أعمى ويجرنا لسفك الدماء!

* نشر في مجلة المرأة اليوم الإماراتية