تابع العرب من المحيط للخليج أعمال القمة العربية والتغطيات الصحفية التي رافقتها بمشاعر مشتركة لا تخرج عن دوائر الحسرة “على ضعف العرب وتخلفهم” من خلال ما يرونه من برود القرار السياسي العربي ونمطيته، ودوائر الترقب لعل شيئا يحدث في هذه القمة يختلف عن القمم الأخرى بما فيها ترقب إعلان “مبادرة سلام” أو شيء جديد يحرك الأوساط السياسية الراكدة.
البعض مر عليه الحدث بلا أي مبالاة بينما البعض استغل أول لقاء مع الأصدقاء ليصرخ بغضب ضد “الشتات العربي” وآخرون كثيرون وجدوا في الحدث مناسبة لممارسة السخرية، وجاءت كلمة الرئيس الليبي لتسرق الأضواء وتملأ الأفواه بالابتسامات، الأمر الذي وفر على مؤلفي النكات الجهد الإبداعي.
لكن شعورا خفيا حقيقيا ساد لدى الكثيرين من الذين فكروا قليلا فيما يحدث، شعور كله حيرة: لماذا يذهب الزعماء العرب ويبذلون الجهد لحضور القمة؟ هل الأمر فعلا كما يبدو لنا خطابات وابتسامات فقط أم أن المؤتمر فعلا فرصة لتبادل الأحاديث بين الزعماء في مجالسهم الخاصة؟ وهل يحتاج العرب فعلا لجامعة الدول العربية وعمرو موسى أم أن الأمر مجرد تقاليد بالية أكل الزمن عليها وشرب؟ أو بالأحرى السؤال الأكثر عمقا: لماذا يفشل العرب في مؤسساتهم الإقليمية بينما ينجح الآخرون في تكتلاتهم من آسيا إلى أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية فضلا عن العالم المتحضر؟
هناك إجابات عديدة جدا لهذا السؤال، لأن ظاهرة ضخمة كهذه، ظاهرة فشل العرب السياسي لا يمكن تفسيرها بعوامل قليلة فقط، لكنني هنا سأذكر خمسة أسباب رئيسية تعمل مع بعضها البعض لتحولنا لكيان هش غير قادر على الإنجاز:
- كل التكتلات السياسية الناجحة حققت نجاحها بسبب الأجندة العملية التي ترتكز عليها، والأجندة العملية هنا هي المصطلح المعاكس للأجندة الخطابية وأجندة المواقف العاطفية التي يقدمها الزعماء السياسيين في العالم العربي.
الأجندة العملية تشمل اتفاقات وبرامج سياسية لديها أهداف واضحة وخطوات عملية معروفة وجدول عمل زمني قابل للتنفيذ.
العرب يستطيعون إنجاز أجندة عملية، وهناك محاولات كثيرة في السابق، بذل فيها الكثيرون جهدا كبيرا وبذلت الدول العربية فيها أموالها، والمملكة العربية السعودية معروفة بدعمها السخي لهذه المبادرات، ولكن كل هذه المحاولات فشلت، لأن بيروقراطية العالم العربي والفساد المستشري في المنظمات العربية الدولية وفي المؤسسات الحكومية في عدد من الدول العربية يحول هذه المشاريع لعشرات من المشاريع غير المجدية.
- جامعة الدول العربية لم تؤسس لنفسها حتى الآن ذراعا اقتصاديا قويا، وما زال تركيزها بالدرجة الأولى على القضايا السياسية، ولقد أصبح من المتفق عليه الآن أن كل الكيانات السياسية التي لا تملك ذراعا اقتصاديا قويا تفشل لأن السياسة تتغير كل يوم وخاصة مع وجود القطب القوي “الولايات المتحدة الأمريكية”، ولكن الاقتصاد يمضي دائما بقوة المال ودفع القطاع الخاص وابتسامات رجال الأعمال.
لهذا السبب ركز الاتحاد الأوروبي على دعم الجانب الاقتصادي بشكل خاص وأدى هذا لنجاحه بشكل تجاوز كل التحالفات السياسية الأخرى.
- جامعة الدول العربية لديها مفهوم “الإجماع العربي”، وهذا المفهوم العتيق مدمر لأنه يترك التكتل الدولي بين إحدى حالتين:
- حالة عدم القدرة على تحقيق الإجماع مما يقتل المؤسسة الدولية.
- حالة النفاق بحيث تتظاهر الدول بالإجماع للحفاظ على وجود المؤسسة، وهذا ما يحصل في حالة جامعة الدول العربية وغيرها من التكتلات العربية والإسلامية.
“الإجماع” غير ممكن إذا أراد الجميع أن يكونوا صادقين وعمليين لأن ظروف 22 دولة ومصالحها لا يمكن أن تتفق على شيء.
في الاتحاد الأوروبي عندما يطرح مشروع معين سياسي أو اقتصادي أو ثقافي، هناك دائما الخيار لأي دولة أن تنضم أو لا تنضم للمشروع، ويتم صناعة القرار في كل دولة حسب دستورها سواء بالتصويت الشعبي أو قرار المجالس البرلمانية أو حتى قرار مجلس الوزراء، وبعدها يتم ترتيب المشروع ليشمل فقط الدول التي وافقت على المشاركة.
هذا الأمر يجعل الاتحاد الأوروبي محتاجا في حالة طرح مشروع معين لرسمه بطريقة تبدو فيها المصلحة واضحة للشعوب وصناع القرار حتى يقبلوا بالمشاركة فيه.
- تعاني جامعة الدول العربية من الجمود في الحركة حيث سيطرت قضايا معينة على أجندتها ورؤى معينة على كيفية علاج المشكلات العربية وذلك لأن القدرة على الإبداع والمرونة في أوساط التكتل العربي مفقودة تماما.
لماذا؟
غالبا بسبب خوف السياسيين من التغيير ورد فعل الشارع العربي العاطفي نحو أي قرار لا يبدو ضمن المنظومة الشهيرة التي تؤكد على محاربة الصهيونية والتدخلات الخارجية والمحاولات الاستعمارية وتؤمن بالعروبة حلا وحيدا لكل المشكلات.
لدينا قوالب جامدة لم تتغير، ولا يبدو أن أحدا يجرؤ على تعليق الجرس.
- هناك أيضا السبب المعروف: منطقتنا العربية تمر بأزمة حادة غير مسبوقة تتجمع فيها مجموعة أزمات سياسية واقتصادية وأوضاع خاصة.
نحن نعيش في الحال الأسوأ تاريخيا مع تغيرات سريعة جدا.
هذه الأزمات تأتي على دول تعاني من الضعف بأنواعه والتخلف بدرجاته، وما عدا استثناءات محدودة غالبها في منطقة الخليج، يقف العالم العربي متفرجا يتلقى الصفعة بعد الأخرى وهو لا يعرف ماذا يفعل.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية