ليس سرا أن الحملة الجديدة التي تبذلها وزارة العمل باقتدار جاذب للانتباه حول تسجيل السعوديين الباحثين عن عمل وإيجاد وظائف مناسبة لهم قد أصبحت حديث المجالس التي تناقش الخطوة الجريئة بين سعيد وغاضب ومتشكك، وهذه طبيعة ردود الفعل نحو كل تجديد أيا كان نوعه.
لكنني في حوار مع بعض الزملاء الإعلاميين في الرياض تركز حول مقال سابق لي نشر قبل أسبوعين في هذه الجريدة، حول تغيير مفهوم “وزارة العمل” إلى “وزارة الموارد البشرية” وما يتبع ذلك، انتقدت هذه الخطوة من ناحية هامة وهي انها قد تكافئ بعض العاطلين عن العمل الذين “تكاسلوا” عن الالتحاق بالوظائف التي تتطلب الكثير من الجهد مقابل القليل من المال، وجلسوا ينتظرون الفرج، بينما تعاقب أولئك “العاملين” الذين لا يمكن تصنيفهم بأنهم “عاطلين” ولكنهم يضحون بالكثير من الوقت والجهد مقابل راتب زهيد.
بمعنى آخر، عندما توجد حلولا مميزة للعاطلين عن العمل، وتنسى أؤلئك الذين يعملون برواتب منخفضة ووظائف غير مرضية لهم فإنك بذلك تشجع المزيد من البطالة، عندها يخرج الناس من أعمالهم ويتوفقوا عن متابعة “مسيرة الكفاح” حتى يمكنهم تحقيق ميزات إخوانهم من العاطلين.
أقول هذا وأنا غير مطلع على كامل تفاصيل الحملة، ولا أعرف عنها إلا ما أعلن لوسائل الإعلام وما كتب عنها في الصحف، وإلا فمن المحتمل جدا أن تكون الوزارة قد وضعت ما يحل هذه المشكلة الهامة.
لكنني بهذه المناسبة أحب أن أنقل تجربة عالمية مميزة في هذا المجال، والفكرة خليط من التجربتين الكندية والسنغافورية في حل مشكلة البطالة وموازنة إيجاد الوظائف للمواطنين في مقابل إتاحة الفرصة للمهاجرين الجدد أو القادمين من دول أخرى للعمل.
تتركز التجربة في شكلها المثالي على إيجاد قاعدة معلومات ضخمة للوظائف المتاحة والتي يبحث القطاع العام أو الخاص أو الخيري عمن يشغلها.
قاعدة المعلومات هذه قد تكون متاحة من خلال صالات كمبيوتر ضخمة _ كما هو الحال في كندا _ أو من خلال مواقع إنترنت متخصصة أو حتى دليل شهري يوزع بمقابل منخفض على الراغبين في شراءه.
هذه الوظائف تكون متاحة لفترة معينة _ لنقل ثلاثة أشهر مثلا _ للمواطنين فقط سواء منهم العاطلين أو الموظفين الذين يسعون لتحسين وظائفهم.
في كندا تم توسيع التجربة لتشمل المقيمين أيضا على أساس مفهوم تدوير العمالة المحلية بكل أنواعها.
يتم ربط إعلانات الوظائف بمعايير معينة يشترط فيها الحكم الموضوعي البحت غير المتروك للقرار الشخصي، بمعنى أن هناك اختبارات وطرق تقييم للمعايير لا تخرج عنها، وإذا كانت المقابلة الشخصية لها دور فهو دور محدود جدا.
هذه المعايير تم تحديدها مسبقا في قائمة طويلة أصدرتها الحكومة ولا يمكن الخروج عنها إلا نادرا.
مثلا إذا قلت أنه يجيد اللغة الإنجليزية فلا بد أن تحدد درجة معينة في اختبار شهير مثل اختبار التوفيل، وإذا قلت بأنه يمتلك خبرة في نفس المجال لا تقل عن 5 سنوات، فإن المجال لا بد أن يكون محددا، ونوعية المؤسسات لا بد أن تكون محددة أيضا.
في حال عدم تقدم الشخص المناسب الذي تنطبق عليه المعايير، يسمح للجهة المعلنة على التقديم لاستقدام عمالة خارجية شريطة أن تنطبق المعايير نفسها على الشخص المستقدم، وبناء على نفس الأسس الموضوعية.
هذا الأسلوب يمنع من التمييز بين العاطلين والباحثين عن أعمال أفضل _ وإن كانوا موظفين _ ويمنع استقدام أشخاص لا حاجة لهم ويقنن معايير التوظيف يمنع التلاعب الذي نراه أحيانا في بعض الإعلانات التي تشترط اللغة الإنجليزية والفرنسية لطباخ “كما أذكر في أحد الإعلانات التي نشرت قبل 3 أعوام”، بينما لا يتم تطبيق المعايير نفسها على الوافد، ويجعل مسألة تحديد معايير التوظيف للجهة نفسها بدلا من فرض أشخاص غير أكفاء عليها بحجة محاربة البطالة، الأمر الذي له أثره الاقتصادي المعروف.
بمعنى آخر، يبدأ البحث عن الموظف المناسب للوظيفة المتاحة، وليس البحث عن الوظيفة المناسبة للعاطل المتاح.
قلت لزملائي الإعلاميين ضمن حوارنا هذه الفكرة، واقترحوا فورا بصوت جماعي أن أعرضها على معالي وزير العمل، وها أنا أفعل، وكم هو جميل أن يعرفك الناس شاعرا وروائيا عظيما، وأن يؤمن الناس بك كرجل يفتح بابه لكل الأفكار ما دامت في مصلحة الوطن.
ما أجمل أن تكون مسؤولا ويحبك الناس في الوقت نفسه، إنها المعادلة الأصعب ولا شك!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية