من المعروف أن مؤشر الفقر ومؤشر البطالة هي من أهم المؤشرات الاقتصادية التي تحرص الدول المتقدمة على إصدارها بشكل دوري، شهريا في الغالب، وهذا الاهتمام أساسه أن الفقر والبطالة لهم ارتباط قوي بالنمو الاقتصادي، فازدياد عدد الوظائف المتاحة دليل على النشاط الاقتصادي للدولة بشكل عام، والعكس صحيح.
ولذا فإن العلاج الأفضل والأهم لمشكلات البطالة والفقر وعلاج الظواهر التجارية السلبية يكمن في إحداث نمو اقتصادي يدفع القطاع الخاص للتوسع وبالتالي البحث عن موارد بشرية جديدة، مما يعني بالطبع القضاء على البطالة.
وهذا النمو الاقتصادي يحتاج _ كما هو معروف _ لأن يكون متنوعا حتى يوفر وظائف لقطاعات مختلفة من الناس، سواء من ناحية نوعية النشاط أو من ناحية حجم الشركات والمؤسسات التي تساهم فيه.
ولذا فيمكن القول بأنه بقدر ما تتحمل وزارة العمل مسؤولية علاج مشكلات البطالة، فإن وزارة التجارة والصناعة تتحمل دورا قد يكون أكثر أهمية، لأن وزارة العمل تبحث عن الحلول المؤقتة التي تعالج المشكلة وتعوض الضحايا إلى أن يتم تطوير الاقتصاد وتسريع عجلته من قبل رجال المال والأعمال في القطاعين العام والخاص.
وهذا الأمر بالطبع ينطبق على قضية الفقر، فوزارة الشؤون الاجتماعية تساعد مؤقتا إلى أن يتم توفير الوظائف المنطلقة من النمو الاقتصادي الذي لا يسعه إلا البحث عن الموارد البشرية المتاحة وتوظيفها.
والمؤسسات عندما تبحث عن الطاقات والكفاءات ولا تجدهم فإنها تبدأ بالتفكير في التدريب والتطوير حتى توجد مثل هذه الطاقات البشرية.
ومن يتأمل الوضع الحالي في معظم الدول العربية يجد أن البطالة والفقر متركزة في فئات معينة “تختلف من دولة لأخرى”، إلا أن الحلول في أغلبها مؤقتة تعالج الحالات الفردية بدلا من تأسيس حلول “ذكية” smart solutions، تساهم بشكل جذري ودائم في علاج هذه الظواهر السلبية التي تحصل عادة بسبب ضعف النمو الاقتصادي في بعض القطاعات مما يترك البعض عاجزا عن ملاحقة القطار.
واستفادة من عدد من التجارب الغربية، قد يكون هذا الحل ممكنا بدراسة دقيقة لواقع الفئات التي تعاني من هذه المشكلات، ومن ثم يأتي دور العمل الإبداعي الجماعي المؤطر بشكل اقتصادي حكيم لإيجاد مشاريع اقتصادية وبرامج تجارية يتحقق فيها أربع شروط أساسية:
- الأول: أن هذه المشاريع مفيدة أصلا للمجتمع وتساهم في تحقيق نماءه الاقتصادي، وليست مشاريع وبرامج مصطنعة لعلاج المشكلة فقط.
- الثاني: أن هذه المشاريع تستهلك عددا كبيرا من الوظائف من الأشخاص الذين ينتمون للفئات والقطاعات التي تكثر فيها البطالة.
- الثالث: أن تمويل هذه المشاريع ممكن بشكل تجاري قدر الإمكان، وليس بشكل ممول من الدولة أو من العمل الخيري.
- الرابع: أن التدريب للعمل في هذه المشاريع سهل، ولا يكلف الكثير من الموارد المالية، لأن تكلفة التدريب العالية تقلل من الجدوى الاقتصادية للمشاريع.
أن أحد الأمثلة التي يمكن استحضارها من التجارب الغربية ما فعله الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، عندما وضع مشروعا يقتضي توظيف مائة ألف رجل شرطة في مختلف أنحاء أمريكا.
مثل هذا المشروع مفيد للوطن لأنه يزيد من الأمن فضلا عن النماء الاقتصادي الذي يأتي مع تطوير مباني أقسام الشرطة وشراء احتياجاتهم مثل السيارات وغيرها، وهو مشروع سيستهلك 100 ألف شخص يبحثون عن عمل، فضلا عن حوالي 20 الف شخص لتقديم الدعم اللوجستي لهم، كما أن التدريب لعمل الشرطة سهل عموما، وتوفير التمويل لهذا المشروع كان سهلا من خلال مخالفات المرور التي أمكن ضبط المزيد منها مع وجود المزيد من رجال الشرطة.
المثال الآخر الأكثر تعقيدا هو الدعم الهائل الذي وضعته حكومة كلينتون، وراء ثورة الإنترنت الاقتصادية التي ساهمت في نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل هائل وتوظيف ملايين المبرمجين والمدراء، لكن الثورة كانت مصطنعة إلى حد ما، ولذا انهارت وأخذت وضعها الطبيعي بمجرد أن غادر كلينتون السلطة.
الأمر نفسه ينطبق على الدعم الذي تبذله الحكومات الغربية للصناعات والشركات في بلادها في مواجهة الشركات في الدول الأخرى، لأن بقاء الشركات الكبرى وتطورها يرتبط به الحفاظ على آلاف الوظائف.
لقد سميت هذه الحلول بالحلول الذكية لأنها لا تعتمد على الجهد أو على الحلول التقليدية بل لأنها تعتمد على الإبداع بشكل خاص، حيث يتم اللجوء إلى طرق غير معتادة، سريعة الوصول إلى الأهداف، دون بذل الكثير من الجهد.
بقي أن أشير إلى أن دراسة القطاعات التي تعاني من البطالة يجب أن تركز على اختيارات هذه الفئة الذاتية وليس ما يتم اختياره لهم، لأنه في كثير من الأحيان توجد الوظائف ولكن لا يتقدم لها عاطلون عن العمل لأنها وظائف غير مرغوبة.
إن الكثيرين من “الذكاء” بحيث يبحثون عن الحلول “السهلة” و”المختصرة” لقيادة حياتهم، ومعالجة مشكلات هؤلاء تحصل بالحلول “الذكية” فقط!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية