بدأت موجات الإنترنت بغمر العالم بالمفاجأة والتغيير منذ عام 1993، خلال تلك السنوات السبعة تمددت الشبكة العنكبوتية لتدخل كل ركن من أركان العالم ولتكون عالمها الخاص بها المختلف تماما عن العالم الأرضي التقليدي.
العالم الإلكتروني الجديد عالم غريب ومميز، له قوانينه الخاصة وسكانه الخاصين ومواعيده الخاصة التي تختلف عن عالم الأرض.
هذا يشمل أيضا النظام التجاري في العالم الإلكتروني، فالتجارة على الإنترنت مختلفة عن التجارة التقليدية في قوانين العرض والطلب وفي أساليب التسويق وحسابات التكلفة والأرباح والمخاطرة.
لكن هذا العالم، على ما يبدو، أصبح جذابا لملايين البشر من العالم التقليدي الذين بدؤا تدريجيا يتركون عالمهم وينتقلون للسكن والتسوق في المراكز التجارية على شواطئ العالم الإلكتروني.
في الحقيقة تقول توقعات خبراء دراسات المستقبل أن الدول المتقدمة تكنولوجيا ستصبح عادات التسوق لسكانها مرتبطة بشبكة الإنترنت خلال ثلاث سنوات، بينما سيصبح الأمر كذلك في الدول النامية خلال فترة تتراوح بين خمس وسبع سنوات.
لقد أصبح السؤال الذي يواجه كل الشركات التجارية في أمريكا: متى وكيف سننقل أعمالنا التجارية أو جزءا منها إلى العالم الإلكتروني؟
لكن السؤال: «هل سننتقل؟» لم يعد واردا على الإطلاق، لأن التأخر في عملية الانتقال قد يعني خسارة الجماهير الراحلة للعالم الإلكتروني والذين سيبحثون عن المنافس النشط إلكترونيا.
هذا يفسر الفجوة الرهيبة بين العالم المتقدم والعالم النامي في مجال التقدم الإلكتروني على الصعيد التجاري والاقتصادي.
فمع دخول العام 2000 الميلادي، صارت خدمة الإنترنت في أمريكا متاحة مجانا لكل شخص لديه كمبيوتر ومودم، كما صار جزء من الأعمال التجارية لكل شركة في أمريكا يتم في العالم الإلكتروني، لا يعني هذا بالطبع مجرد وجود صفحة إعلانية على الإنترنت، بل تقديم جزء من البضائع والخدمات التي تقدمها الشركة في العالم التقليدي.
هذا ببساطة ما يفسر أرباح العمل التجاري في العالم الإلكتروني في العام الماضي، والتي تجاوزت أكثر من خمسمائة مليار دولار أمريكي!!
بالنسبة للعالم العربي، مازال العمل التجاري على الإنترنت محدودا جدا ببعض المشاريع الطموحة وبعض الأعمال التجارية ذات الميزانيات الصغيرة والتي يمتلكها غالبا أفراد وليس شركات.
هذا يفسر جزء من إحباط المستهلك العربي الذي سمع عن الإنترنت لفترة طويلة، ثم لما بدأ في استخدامه ودفع أجوره العالية وجد أن الفائدة من الإنترنت محدودة جدا.
من المسؤول؟
ربما كان الجواب المؤسسات العربية التي لم تنتقل بعد للعالم الإلكتروني والذي مازال في المنطقة العربية أرضا مهجورة تماما.
لابد للمؤسسات في العالم العربي _ وفي دول الخليج بالذات بحكم الوضع الاقتصادي الصحي مقارنة بباقي الدول العربية _ من الإجابة الآن على هذا السؤال: «متى نفتح فرعنا الجديد في العالم الألكتروني؟ وكيف نجعل هذا الفرع متناسبا مع خصائص ومتطلبات شبكة الإنترنت المميزة ؟».
فيما يلي عدد من العوامل التي على كل شركة التنبه لها قبل الإجابة على هذا السؤال الذي تزداد حيويته يوما بعد يوم:
- صناعة القرار الإداري والتجاري في العالم الإلكتروني مختلفة تماما في أهميتها وتعقيدها ونتائجها عن صناعة القرار التقليدية.
التحدي الحقيقي لا يكمن في استخدام التكنولوجيا الجديدة ودفع ما يحتاجه ذلك من ميزانيات، بل إن التحدي هو تعلم صناعة القرار بطريقة جديدة، وتعلم تغيير روتين العمل إلى روتين جديد يتناسب مع متطلبات العمل الجديدة.
لقد آن للأعمال التجارية العربية أن تنظر الآن بجدية لتغيير نمط العمل الروتيني فيها لتجعله أكثر حيوية وإنتاجية، وأن تبدأ في تبني نظم الإدارة والعمل الحديثة الموجودة حاليا في دول العالم المتقدم وخاصة أمريكا واليابان وألمانيا.
- واحدة من أهم مميزات العمل التجاري في العالم الإلكتروني هو الحرية التي يمنحها للمستهلك الذي يصبح مع تقدم العمل التجاري الإلكتروني قادرا على تحصيل أي شئ يريديه في أي وقت يريده بأقل جهد يمكن بذله.
السوق الإلكتروني يمكن استعراضه والمقارنة بين أسعار بضائعه بسرعة، بعكس الوضع العادي حيث عليك أن تذهب للمحل نفسه لمعرفة سعر البضاعة ثم الانتقال لمحل آخر وهكذا لجمع المعلومات اللازمة للمقارنة.
- الإنترنت سمح بتطور نوعين جديدين من العمل التجاري:
- الأول: المزادات حيث يمكن لكل شخص أو شركة عقد مزاد حول شيئ معين “مهما كان تافها”.
- النوع الثاني والجديد تماما: هو تجمع الأفراد لمفاوضة الشركات وشراء الأشياء بسعر مخفض.
كلا من هاتين الفكرتين الرائدتين مناسب للأسواق الخليجية والعربية وتطبيقها يحقق الكثير من الأرباح دون الحاجة لرأسمال كبير.
- من أهم الفوائد التي حققتها الشركات الغربية التقليدية من دخولها العالم الإلكتروني، هو التعرف الدقيق وواسع النطاق على رغبات المستهلكين واحتياجاتهم ورأيهم في السلعة أو الخدمة المقدمة.
هذا الأمر لا يتم فقط بمجرد إتاحة إرسال بريد إلكتروني للشركة من قبل زائري موقعها على الإنترنت، بل إن له أساليب متقدمة كثيرة جدا ساعدت الكثير من الشركات، منها IBM مثلا، على إعادة النظر في كل استراتيجياتها التسويقية لتحقيق احتياجات ورضى سكان العالم الإلكتروني.
هذا النوع من المعلومات لا يقدر بثمن لأي عمل تجاري ناجح، وعلى كل مؤسسة تجارية عربية التفكير جدا في طريقة استخدامه لصالحها.
- طبيعة الأعمال التجارية التي تتأسس على شبكة الإنترنت أنها لا تحقق أرباحها إلا بعد فترة معينة تصل أحيانا للسنتين، لأن العادات الإستهلاكية للناس المرتبطة بشبكة الإنترنت في طريقها للتكون حاليا، ولا يتعرف الناس على الموقع ويتعودون على الاستفادة من خدماته إلا بعد وقت، ولكن بالرغم من ذلك فإن الشركات تقبل بشكل كبير على تأسيس هذه الأعمال التجارية وذلك لسبب بسيط، أن رأسمال تأسيس موقع على الإنترنت يبقى صغيرا جدا مقارنة برأس المال الذي يحتاجه فتح أي محل تجاري في العالم التقليدي.
- واحد من أهم الأسباب التي ساهمت في بطء العمل التجاري في العالم النامي بشكل عام هو ضعف الخدمات البريدية التي تجعل من الصعوبة أن يثق الناس تماما في شراء شيئ بالبريد والتأكد من استلامه سليما دون تأخر ودون ضياع على الطريق.
الحل قد يكون هو نفس الحل الذي لجأت إليه المؤسسات الصحفية قبل عقدين من الزمن وإلى الآن، وهو تأسيس شركات التوزيع التي تقوم بإيصال الصحف إلى البيوت.
المؤسسات العربية يمكنها أيضا تأسيس شركات مماثلة تقوم بتوصيل الأشياء المشتراة على الإنترنت للبيوت، وهذا نوع آخر من الاستثمار الذي ينتظر الحالمون بعالم إلكتروني عربي وجوده للقفزة السريعة التي سيحققها في مجال خدمات الإنترنت.
- أيضا يحتاج المستهلكون لبطاقات الائتمان التي تساعدهم على شراء الأشياء على الإنترنت دون الحاجة للتحرك من بيوتهم.
حتى الآن مازال انتشار بطاقات الائتمان في العالم العربي ضعيفا، وذلك لأسباب كثيرة منها عدم وجود نظم تحمي الشركات ضد الأفراد الذين يتهربون من الدفع، ولجشع بعض البنوك التي تطالب برسوم عالية وغيرها.
أحد الآليات التي تم عملها في أمريكا وحققت نجاحا كبيرا هو إيجاد بنك معلومات ضخم فيه سجل لكل شخص حصل يوما على بطاقة ائتمان، بحيث يمكن لأي شركة طلب معلومات عن شخص ما ومعرفة تاريخه من ناحية الإلتزام بدفع الفواتير وغيرها.
هذا يفيد الشركات التي تستطيع تجنب الناس الذين لم يكونوا ملتزمين بدفع فواتيرهم لمؤسسات أخرى، كما تدفع الناس للحذر من التساهل في دفع الفواتير، حتى لا يصبح لهم تاريخ سئ يمنعهم في المستقبل من الاستفادة من خدمات المؤسسات التجارية.
- في حوار لليمامة مع د. جفري رايبورت، الأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية الشهيرة، مؤلف كتاب «إدارة السوق الألكترونية»، قال د. رايبورت، بأن قدرة الشركات التجارية على الإنترنت على رصد كل تحركات زائري مواقعها والصفحات التي يفتحوها والوقت الذي يقضونه في كل صفحة، وربما استلام ردود أفعالهم، يعني معرفة ما في أذهان الناس تماما في نفس الوقت الذي يفكرون فيه، وهذا تقدم كبير في جمع المعلومات عن المستهلك لم تحصل في السابق باستخدام أي من وسائل البحث التقليدية.
ويشير د. رايبورت، أن الإنترنت قلب عملية الإنتاج 180 درجة، حيث يتم عادة إنتاج أو استيراد منتج أو خدمة معينة ثم تسويقها.
في حالة الإنترنت يتم تسويق الشئ قبل إنتاجه، بحيث يتم الإنتاج بناء على رغبات زائري الموقع.
في الوضع العادي يتم توزيع المنتج الحقيقي على الأسواق وانتظار الناس الذي سيشاهدونه وربما يشترونه أو لا يشترونه.
على الإنترنت تعرض صورة المنتج وتقوم بإنتاجه أو استيراده بناء على الكميات المطلوبة والمدفوع ثمنها مسبقا، هذا يعني حسب رأي د. رايبورت، مستقبل غير عادي ومميز من نوعه للتجارة على الإنترنت.
- أحد الأمثلة المميزة التي تشرح انتقال العمل التجاري من العالم التقليدي إلى العالم الإلكتروني، هو قصة شركة «أليانت» لتوزيع الأغذية في أمريكا.
تبلغ أرباح شركة أليانت السنوية 1،6 مليار دولار، تحققها كلها من خلال شبكتها الضخمة لتوزيع المواد الغذائية على المطاعم والمستشفيات والجامعات.
في الأصل تعمل الشركة بالأسلوب التقليدي، وهو أخذ طلبات من الموزعين الذين يمثلون الوسطاء بين الشركات وبين المطاعم، ثم تحميل المواد الغذائية من مستودعات الشركة في الشاحنات الضخمة التي تحمل هذه المواد إلى الجهة الطالبة.
هذا الأسلوب يعاني من عدة مشكلات ليس أقلها الأخطاء الكثيرة التي تحصل والتي تصل لنسبة 1% من الطلبات، حيث يعطي الطرف الطالب شيئا مختلفا عما يريد بسبب سوء فهم الموزع.
في العام الماضي أسست الشركة خدماتها على الإنترنت، بحيث يمكن لأي مطعم الدخول على موقع الشركة على الإنترنت وتقديم طلب محدد يصل في نفس اللحظة للشركة ويتم العمل عليه وإرساله مباشرة للمطعم.
لقد أدى التخلص من الوسطاء الذين كانوا يحصلون على نسبة من السعر إلى تخفيض تكلفة الطلبات.
هذه السهولة وانخفاض التكلفة وقلة الأخطاء ساهمت بشكل مفاجئ وسريع في نمو أرباح الشركة بشكل قد يساعدها قريبا على تمددها في سوق توزيع المواد الغذائىة في أمريكا وسيطرتها عليه.
كل هذا حصل لأن «أليانت»، كانت أول شركة تقرر الانتقال من العالم التقليدي إلى العالم الإلكتروني والاستفادة بشكل ذكي من مميزاته غير العادية.
- هناك قائمة ذهبية تتضمن أهم شروط انتقال المؤسسات التجارية للعالم الإلكتروني، هذه القائمة تتضمن سبع اقتراحات وهي باختصار شديد:
- تعلم من أخطائك، هذا ببساطة لأن الإنترنت عالم جديد، وخاصة بالنسبة للعالم العربي، ولا يمكن تماما التنبأ بعناصر النجاح التجاري فيه.
- ابدأ شركة جديدة، التجارب أثبتت أن فرص نجاح بدء العمل على الإنترنت من خلال إدارة في شركة تقليدية أقل بكثير من فرص نجاح شركة جديدة تقوم بهذا العمل بطرق إدارية وأشخاص مستقلين عن الشركة التقليدية.
- كن ذكيا في التصرف في رأس مالك، لابد أيضا من بعض المخاطرة في هذا التصرف.
- لا تنزعج من تأثير عملك التجاري على الإنترنت على العمل التقليدي لأنه على المدى الطويل الإنترنت سيربح.
- دخول عالم التكنولوجيا يعني التأقلم مع عالم سريع التغير جدا وهذا يحتاج أساليب إدارية مختلفة.
- العالم الإلكتروني يحتاج لموظفين من نوع مختلف، هؤلاء الموظفين أكثر مرونة وقدرة على الإبداع وفهما للتكنولوجيا وما تتطلبه من سرعة في الأداء، أحد أفضل الأساليب التي حفزت إبداع موظفي شركات الإنترنت في أمريكا هو منح الموظفين جزء من الأرباح.
- الفشل ليس خيارا واردا في مخططاتك وإن كان أمرا ممكنا على كل حال.