حيرة أمريكية حول تسجيل الاختراعات في مجال التجارة على الإنترنت

من قسم الثورة الرقمية
الأربعاء 22 ديسمبر 1999|

يفخر الأمريكيون دائما بامتلاكهم لأحد أفضل أنظمة تسجيل الاختراعات في العالم، وبامتلاكهم لقانون يطبق في المحاكم الأمريكية بتشدد لا تسامح فيه، ويعمل على حماية حقوق كل فكرة أو منتج مبتكر يأتي به شخص ما.

في أمريكا، تعتبر أي فكرة، حتى لو كانت نكتة أو مقال قصير أو تصميم تجاري، فضلا عن الكتب والاختراعات العلمية، ملكا للإنسان يقارن بملكية الأشياء المحسوسة والاستفادة من هذه الفكرة بأي شكل من الأشكال، يجب أن يتم باستئذان الشخص صاحب الفكرة، مع بعض الاستثناءات المحدودة مثل الاستشهاد الذي يقل عن 200 كلمة في الدراسات العلمية بما كتبته دراسة أخرى، كما أن الاعتداء على الفكرة يعاقب به الشخص كما يعاقب المعتدي على الأملاك الشخصية.

وإذا كانت كل دول العالم قد استفادت بشكل مباشر من القانون الأمريكي، إلا أن أحدا لا يطبقه بمغالاة الأمريكيين الذين يدركون ذلك ويرون أن هذا سبب رئيسي لكون أمريكا منبع لنسبة عالية من الأفكار الإبداعية في القرن العشرين.

لكن الإنترنت جاء بنوع جديد تماما من الأفكار ما زالت تثير الحيرة في أوساط لجنة الاختراعات الفدرالية وفي المحاكم الأمريكية التي تقوم بتقديم براءات الاختراعات، وذلك لأنه ليس من الواضح ما إذا كان ينبغي التصريح للممارسات التجارية والتي تبدو بديهية للكثير من الناس، إلا أن شركة من الشركات الإلكترونية سبقت بالممارسة التجارية وسجلتها باسمها.

من أبرز الأمثلة على ذلك، شركة Amazon لبيع الكتب والأشرطة على الإنترنت، والتي تعتبر حاليا أكبر مكتبة في العالم على أساس عدد الكتب التي تتيحها للمشتري، قامت بتسجيل أسلوب لشراء الكتب يتضمن شراء الكتب بضغطة زر واحدة.

يتم ذلك لأن الموقع يأخذ معلومات كاملة عنك ويحتفظها في ملف دائم يتضمن رقم بطاقة الائتمان، وعنوانك البريدي، وبمجرد ضغطة واحدة على الماوس يتم إرسال الكتاب إليك بالبريد بعد حساب قيمته على بطاقة الإئتمان.

شركة Amazon، سمت هذا الأسلوب «أسلوب الشراء بالضغطة الواحدة»، وقامت بتسجيل هذا الابتكار في شهر سبتمبر من عام 1999.

في نفس الشهر، قامت مكتبة «بارنس آند نوبل»، وهي أكبر مكتبة «حقيقية» في أمريكا، والتي تملك فروعا في كل المدن الأمريكية، باعتماد الأسلوب نفسه على موقع الإنترنت الخاص بها، ولتأتي شركة Amazon، بعد ذلك وترفع شكوى ضد المكتبة في شهر أكتوبر 1999.

في شهر ديسمبر 1999، أصدرت المحكمة الفدرالية أمرا بمنع مكتبة «بارنس آند نوبل»، وأي شركات أخرى تريد استعمال الأسلوب نفسه، من استخدام أسلوب الضغطة الواحدة، وكانت هذه أول دعوى قانونية من هذا النوع.

مثال آخر يتمثل في شركة «برايس لاين»، والتي تقوم حاليا ببيع تذاكر الطيران، وتأجير السيارات، وغرف الفنادق والعقارات، وبيع بنزين السيارة، وحتى التسوق من السوبرماركت بأسلوب جديد تماما، وهو ما يسمى بـ«المزاد العكسي»، الأمر الذي حقق للشركة أرباحا واسعة تجاوزت المليار دولار في عام واحد.

على موقع «بريس لاين»، يقوم المستهلك بتحديد ما يريد، مثلا تذكرة طيران من مدينة لمدينة في يوم محدد، وتحديد سعر لما يريده، ثم يقوم الموقع بعرض الطلب إلكترونيا على كل شركات الطيران، وإذا وافقت إحدى شركات الطيران على عرض الزبون يتم بيع التذكرة له بذلك السعر، وإلا فإن على المستهلك أن يقدم طلبا جديدا بسعر أعلى.

شركة «برايس لاين»، قامت بتسجيل براءة اختراع «المزاد العكسي» _ سمي بذلك لأن العرض يأتي من المشتري للبائع وليس العكس كما هو معتاد _ وذلك في أغسطس 1998، وكان هذا أول تسجيل لبراءة اختراع لممارسة تجارية على الإنترنت.

حاليا لا يمكن لأي موقع على الإنترنت تبنى فكرة «المزاد العكسي» بدون إذن رسمي من شركة «برايس لاين».

هذين المثالين وأمثلة أخرى متعددة أثارت الكثير من الجدل في أوساط عالم التجارة على الإنترنت لاعتقاد كثير من الناس أن هذه الأساليب التجارية معروفة بشكل أو بآخر في التجارة التقليدية ومن المفروض ألا تسجل المحكمة اختراعاتها وتمنع الآخرين من ممارستها.

مؤخرا قام رئيس مكتب الاختراعات والعلامات التجارية الأمريكي، تود ديكنسون، بإعلان مجموعة من التغييرات في المكتب تضمن المزيد من البحث في الأساليب التجارية السابقة وتعمل على التشدد في تسجيل الأساليب التجارية، إلا أن ديكنسون، اعترف بأن هناك الكثير من الحيرة حول التصرف الصحيح في هذا الموضوع والذي يتوافق مع التقاليد الأمريكية المتبعة في حماية الإبداع وفي نفس الوقت لايعيق مسيرة التجارة الألكترونية في الوقت نفسه.

يجدر بالذكر أن تسجيل اختراع ما في أمريكا يعطي صاحبه الحق في الاختراع لمدة عشرين سنة، ولذا ظهر اقتراح بواسطة رئيس شركة Amazon، والذي تلقى الكثير من الهجوم داخل المجتمع التجاري بسبب الدعوى القانونية، ويقوم الاقتراح على إنقاص هذه المدة فيما يتعلق بالممارسات التجارية على الإنترنت إلى عشر سنوات أو أقل، ولكن هذا يحتاج بالطبع لموافقة الكونجرس الأمريكي.

كثير من الناس في دول العالم الأخرى يرون تشدد الأمريكيين في حماية الاختراعات غلوا لا معنى له، بينما يرى الأمريكيون أن هذا سبب رئيسي لنهضة الاختراعات في بلدهم ولكونها البلد الوحيد في العالم الذي يوجد فيه قطاع كبير من الأذكياء الذين يعيشون حياتهم في ثراء واسع بدخل يصل لملايين الدولارات سنويا، وعملهم الوحيد هو الاختراع في مجال معين وبيع هذه الاختراعات للشركات التجارية.

قد تفاجأ إذا عرفت مثلا أن هناك جمعية لقطاع المخترعين في مجال كروت التهنئة والذين يبيعون تصميماتهم على شركات طباعة الكروت ويعيشون حياتهم في هناء، وبالمقابل تستطيع الشركات الأمريكية التفوق في المنافسة العالمية.

قبل أعوام، أجريت تحقيقا صحفيا شمل علماء من مختلف دول العالم الإسلامي وكان منهم سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد ناصر الألباني، رحمهما الله، وأجمع هؤلاء العلماء جميعهم، ما عدا واحد من علماء المغرب، أن الأفكار لها حقوق الملكية نفسها الموجودة للأشياء المحسوسة، كما أجمعوا على أن سرقة الأفكار والاستفادة منها بدون إذن صاحبها، والذي يسمح له الشرع بطلب تعويض لهذا الإذن، محرم شرعا.

إذا كان العالم العربي والإسلامي يريد أن ينهض من الناحية الإبداعية فقد تكون القوانين المتشددة في حماية الأفكار خطوة أولى لابد منها ، وخاصة أن معظم دول العالم العربي تنوي الانضمام لمنظمة التجارة الدولية والتي تنص اتفاقياتها الدولية على حماية الحقوق الفكرية.