الزواج هو ذلك الارتباط الدائم بين رجل وامرأة يحلمان بتحويل تلك العلاقة إلى جنة خاصة بهما على الأرض، لكن هذا الحلم يتبدد جزئيا أو كليا عندما يكتشف كلاهما الفروق التي بينهما، ويتحول ذلك في كثير من الأحيان إلى مشكلات يومية لا تنتهي.
هذه حقيقة يخافها كل شاب أعزب مقدم على الزواج، وهي المشكلة التي يعلن بعض خبراء الذكاء الاصطناعي أنهم سيجدون الحل النهائي لها إلى الأبد، وذلك من خلال مساعدة الراغبين في الزواج في اختيار الزوج أو الزوجة المناسبة تماما لكل شخص، بما يحقق السعادة الأبدية بينهما.
إذا كنت ممن يؤمنون بأن الحب يأتي من أول نظرة، وهو سر السعادة وسحر الوجود، فهؤلاء العلماء لن يقنعونك، ولكن لو كنت أن ترى أن نجاح الزواج يأتي من التوافق الكامل بين الزوجين، فإن هؤلاء التقنيين، وبعضهم من خريجي كبرى الجامعات في العالم، يرون أنهم سيحلون مشكلة تزايد نسب الطلاق وفشل العلاقات الزوجية في العقود الأخيرة، حيث سيتمكن الناس من اختيار أكثر من يحقق معهم التوافق العقلي والاجتماعي والعاطفي، في جهود ضخمة تمولها مواقع وتطبيقات الزواج والمواعدة والتعارف بين الجنسين، حيث يوجد أكثر من 5000 موقع من هذه المواقع حول العالم، تحقق دخلا وصل هذا العام إلى 1,66 مليار دولار مع توقعات باستمرار نموها لتتجاوز 2 مليار دولار في عام 2023.
تعمل هذه التقنية من خلال جمع نوعين من المعلومات:
- النوع الأول، معلومات عن الراغبين في الزواج وبناء العلاقات العاطفية، وهم يحصلون على هذه المعلومات من إجابات المشتركين في المواقع والتطبيقات على عدد كبير من الأسئلة تصل إلى 250 سؤال في بعض الحالات، بالإضافة للمشاركة في اختبارات الشخصية بأنواعها.
مع الزمن، أدركت هذه المواقع أن هذا لا يكفي لأن بعض الناس يرسمون صورا مثالية أو مزيفة عن أنفسهم، أو أنهم لا يفهمون ميولهم الشخصية فعليا، فلجأت إلى تطوير تقنيات لتحليل الشخصية من خلال السلوك اليومي على الإنترنت أو ما يكتبونه على “فيسبوك” أو “تويتر”، حيث يقوم المشترك معهم بإعطائهم الصلاحية للدخول حتى على رسائله الخاصة، بالإضافة للداتا الخاصة بالأماكن التي يذهب إليها وما يبحث عنه على “جوجل”، وغيره.
هناك أيضا تجارب مكثفة على فهم شخصية الإنسان العاطفية بطرق عديدة أخرى منها مثلا تحليل حركات الجسد أثناء تعارفه على شخص من الجنس الآخر، أو تحليل صوته، وهذه كلها تجارب يقوم بها علماء يجمعون بين القدرة التقنية والتخصص في علم النفس، حتى أن تخصصا جديدا باسم علم النفس الحاسوبي (Computational Psychology) بدأ يدرس في الجامعات الأمريكية.
كل هذه المعلومات تستخدم بشكل تقني آلي بحت يستخدم أنظمة “التعلم العميق” لبناء بروفايل غني عن الشخص وميوله ورغباته.
- النوع الثاني من المعلومات يشارك في بناءها علماء النفس وتقوم على البحث عن النماذج الناجحة في العلاقات الزوجية والعاطفية، من خلال تحليل تجارب المتزوجين، ودراسات الحياة الزوجية، ونظريات العلاقات الشخصية.
أضف إلى ذلك أن هناك شركات تجمع ملاحظات آلاف أخصائي العلاج الزوجي عبر السنوات وتحولها لبيانات منظمة يمكن أيضا الاستفادة منها في الإرشاد الزوجي بالإضافة لبناء نماذج الزواج الناجح.
مواقع التعارف الكبرى التي بدأت قبل أكثر من 15 سنة تملك قاعدة معلومات عملاقة عن التجارب الناجحة التي تمت من خلال مواقعهم، وهم يستخدمونها لهذا الغرض أيضا، وخاصة أن هناك إحصائيات أن نسبة الأمريكيين الذين بدأ التعارف بينهم على الإنترنت تزيد عن 20% في السنوات العشر الأخيرة.
موقع eHarmony يمثلا يدعي أن 2% من الزواجات في أمريكا تتم من خلالهم حيث يتم يوميا عقد 120 حفل زفاف لمشتركين في الموقع. بعض المواقع أخذت خطوة إضافية غير مألوفة وطلبت تحليل DNA للمشتركين معها، على أساس أن هناك جينات تسمى بــMHC تحدد الشخص الذي تنجذب إليه، ورغم أن الإثباتات العلمية على ذلك محدودة، ولكنها لقت إقبالا لا بأس به من الجمهور الباحث عن الشريك المثالي في حياته.
بعض المواقع تستخدم تقنية الواقع الافتراضي (VR) لخلق لقاءات عاطفية افتراضية بين الشخصين بدون أن يكون بينهم لقاء فعلي، حتى يحدد كل منهم مدى رغبته في الطرف الآخر، وتطبيقات أخرى تستخدم تقنيات التعرف على الوجه للبحث عن الشخص المثالي مقارنة بصورة لشخص مشهور أو شخص يعرفه المشترك معهم حتى يبحثوا له عن الأقرب شبها له.
هل ستنجح هذه المواقع والتطبيقات؟
شخصيا أرى أنها ستحقق الكثير من النجاح في المستقبل، ولكنها لن تضع يدها على الوصفة الكاملة للتوافق بين الزوجين لأن الحب والانسجام العاطفي فيه كم هائل من الأسرار التي لم يكشفها علم النفس بعد.
من جهة أخرى، ستتطور هذه التطبيقات بشكل مذهل لأنها تسلك طرقا تمكنها من أن تعرف عن المشتركين معها أكثر مما يعرفونه عن أنفسهم أو يعرفه أهلهم، وهي تبني على نتائج تجارب إنسانية عديدة جدا تتجاوز تجارب أي شخص واحد، وبالفعل أعلن أحد كبار المواقع أن نسبة الطلاق بين المتزوجين عن طريقه لا تزيد عن 3.8% وهي متدنية جدا طبعا، ولكنه لا يمكن البناء عليها حاليا لأنه لم تمر فترة طويلة على هذه الزواجات.
أفضل ما يميز “الخطابة الاصطناعية” أنها آلية، وتحلل الإنسان دون أن يتدخل في الأمر إنسان آخر، وهذه السرية مريحة للناس في هذا الجانب الخاص جدا من حياتهم، وأكبر ما يعيبها أنها تصطدم مع الثقافات والعادات السائدة.
هل تنجح التكنولوجيا فيما فشل فيه الإنسان عبر العصور ؟
ربما، ولكن الأجمل في الأمر أنه سيمكنك دائما أن تلوم التكنولوجيا ولا تلوم نفسك عندما يفشل زواجك.
* نشر على موقع قناة الحرة الأمريكية (alhurra.com)