الصهاينة أرحم..!

من قسم سياسة
الإثنين 29 أغسطس 2011|

في أحد روايات شهود العيان الذين حوصروا وهوجموا بوحشية لا يسهل وصفها في مسجد الرفاعي بدمشق يوم الجمعة الماضي، يقول شاهد العيان على موقع شبكة “فلاش سوريا” على الإنترنت: “هنا برز حقدهم على الإسلام و على بيوت الله وكم يكنون من أحقاد عليها، هنا سألت نفسي سؤالاً سريعاً، لو كان هؤلاء يهوداً صهاينة، هل نرى منهم ما تراه عيناي الآن ؟ بدى الجواب لي سخيفاً وبديهياً، لا .. أبدا”.

هذا المعنى ترديد لعبارة “والله الصهاينة أرحم” والتي شاعت بين السوريين بصياغات متعددة في الثمانينات لما كانوا يقارنون بين ما يحدث في سوريا وبين تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين حينها، بل إن البعض كان يتندر بأن الانتفاضة الفلسطينية لو حدثت في سوريا، لاستطاع حافظ الأسد إنهائها خلال يوم واحد، في إشارة لعنف قوات الأمن السورية في التعامل مع الشعب.

هذا الشعور لم يكن بالتأكيد لدى السوريين فقط فهو موجود لدى عدد لا بأس به من الشعوب العربية، وأبعاد هذا واضحة من خلال ترحيب الجموع العربية عموما بتدخل الناتو والدول الغربية في دعم ثورات الربيع العربي، بل إن الثورات العربية بما فيها الثورة في سوريا تهدف في جزء كبير منها لإحداث حالة من الاحتجاج تصل إلى الرأي العام العالمي أملا في النهاية في الحصول على الدعم الدولي والخارجي للقضاء على الأنظمة الحديدية والدكتاتورية العنيفة.

يبدو ذلك غريبا إذا تذكرنا أن هذه الشعوب نفسها هي شعوب امتلأت لفترات طويلة بالمشاعر السلبية ضد أمريكا والغرب والاستعمار والتدخل الأجنبي، وهي الشعوب التي وقف بعضها مع صدام حسين في حربه ضد الكويت رغم الظلم الحاد الذي ارتكبه صدام حينها لمجرد وجود أمريكا في المعادلة.


هذا الأمر له أبعاد استراتيجية هامة لأن وجود حالة من اليأس لدى الشعوب العربية تدفعهم للجوء للقوى الغربية أو حتى لتركيا رغم معرفة هذه الشعوب اليقينية أن تلك الدول تأتي ومعها قائمة من المصالح التي تسعى لتحقيقها، وأن مثل هذا التدخل يعني حالة من الوصاية السياسية والاقتصادية الحديثة للدول الغربية، ولكن الوضع الذي لم يعد يمكن تحمله في سوريا أو ليبيا أو غيرها هو الذي جعل الشعوب تتطلع لمثل تلك الوصاية على أساس أنه “أخف الضررين”..

من هنا؛ جاءت القيمة التاريخية لكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والتي وجهها للرئيس السوري، وذلك ليس فقط لأنها انتصار للحق ضد بشاعة الظلم، ولكنها أيضا لأنها تعني عدم ترك الباب مفتوحا للقوى غير العربية لتمارس تأثيرها في الدول العربية مستفيدة من وقوف بعض الشعوب العربية في حالة من الاستسلام نتيجة الضغط الأمني عليهم.

إن الجميع يأمل أن تكون أن هذه المبادرة هي البداية الحقيقية لأخذ زمام الأمور ضمن الأسرة العربية حتى لو كان ذلك يعني التدخل في شؤون دولة عربية أخرى، لأن هذا يعني من ناحية أخرى منع التأثير الأجنبي في المنطقة.

إن دولة هامة استراتيجيا مثل سوريا لا ينبغي أن تترك في العراء مفتوحة للمصالح الغربية، وكلنا نعرف أن جزءا أساسيا من مشكلة سوريا تأتي بسبب التأثير الإيراني الذي استفاد من عنف النظام السوري وعزلته في تحقيق كثير من مصالحه في العالم العربي، والتي تترك ظلالها السلبية على دول أخرى متعددة بما فيها العراق ولبنان وبعض دول الخليج.

بالمقابل؛ وصل الوضع في سوريا لحالة اللاعودة لأنه من الصعب تخيل حالة من الهدوء والاستقرار لدى الناس بعد الدماء التي سالت في كل بيت وكل شارع سوري.

لقد أثبتت أحداث عام 2011 مجتمعة أن هناك رابطا قويا بين الشعوب العربية، بما في ذلك الشعوب المعزولة مثل الشعب التونسي سابقا، وهذا الرابط يعني أن وقوف الجامعة العربية أو بعض الحكومات العربية في موقف المتخاذل عن التعامل مع مأساة الشعب السوري ستكون لها أيضا ردود فعل حادة بين الشعوب العربية عموما، وهذا يعني المزيد من الضعف للمؤسسة السياسية العربية الإقليمية، وهو ضعف سيدفع الجميع ثمنه بعد ذلك في ظل الظروف السياسية والاقتصادية العالمية حاليا.

أعود لشاهد عيان أحداث مسجد الرفاعي التي لا يمكن تخيل قيام أحد مهما كانت ديانته وطائفته بها إلا إذا كان قد تدرب بشكل أعمى على الوحشية بدون تمييز، والذي يقول في آخر شهادته بما يعكس تحول جذري في الإحساس السياسي العربي:

“وإلى تركيا بشكل خاص نقول لأردوغان: إن كانت نيتك أن يبقى نظام القمع والقتل فسوف نقول لك (أعد الطفلة زينب لأن انتخاباتك قد انتهت)، وإن كانت نيتك أن تتخذ موقفاً لصالح الشعب المضطهد فهذا أملنا بك وهكذا نعرفك، أعلن أن بشار قد فقد شرعيته واسحب السفير من دمشق واقطع كل العلاقات مع النظام”.

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية