الإعلام هو القوة الكبرى في العالم وكل شيء يخطب وده من سياسة واقتصاد، وحتى رجال الدين أصبح الإعلام جسراً لهم للناس كافة، ويوماً بعد يوم تتطور آليات الإعلام لتواكب وتسيطر أكثر.
برز في الآونة الأخيرة مفهوم الإعلام الجديد، ويعد الدكتور عمار بكار أحد أهم عرابيه في المنطقة، ومن خلال موقعه في MBC، وجد فضاء متسعاً لفكرته وأطلقها في كل اتجاه.
عمار بكار إعلامي منذ صغره أصدر صحيفة وهو في السابعة من عمره، وتوالت بعد ذلك نشاطاته الإعلامية. في مشواره تختصم الصفعات والقبلات، وفي نهاية المطاف يتغيّر كل شيء، ويبقى عمار مؤمناً ومبدعاً بإعلامه ونشاطاته.
هو دائماً ممسك بالعصا من الوسط، وفي المنطقة الرمادية يسكن أكثر، كل فريق يظن انه معه وهو مع نفسه أولاً وآخر.. إلى تفاصيل الحوار:
- من كان ابنا للشيخ عبدالكريم بكار.. هل نطلق عليه ولد وفي فمه ملعقة من هدوء؟
ربما؛ تأثرت كثيرا بشخصية والدي، ولو كان والدي ديكتاتوريا في تربيته، لكنت في الغالب أصبحت نسخة مقلدة ضعيفة عنه، أولا لأنه رجل غير عادي، وثاني لأن التقليد دائما ينتج نسخ رديئة، ولكن والدي أعطاني المساحة لأنمو بشخصيتي الخاصة بي، مع الكثير من التوجيه المباشر وغير المباشر.
- طفولتك ..هل منحتك تصالحا مع الجمال.. أم جعلتك تعرف التعامل مع المعادلات الصعبة؟
طفولتي كانت في بريدة، المدينة العظيمة التي امتزجت بدمي وتفكيري رغم محاولاتي الكثيرة للانفصال عنها. لن أعتبرها مبالغة لو سميت بريدة بمدينة المعادلات الصعبة!
- ماذا جذبك في الإعلام لتختاره تخصصا لدراستك الجامعية؟
عندما تختار تخصصك الدراسي فينبغي أن تتبع قلبك، وهذا ما حصل.
أحببت الإعلام منذ طفولتي بل كانت أول مجلة أصدرتها لما كنت في الثانية من المرحلة الابتدائية، حينها أعددت مجموعة من النسخ باستخدام ورق الكربون ووزعتها على أصدقائي الذين لم يفهم أحدهم ماذا أفعل.
تخرجت من الثانوية العامة قسم علمي بمعدل يزيد عن 98% وقبلت في عدد من أقسام الهندسة ولكنني فضلت في النهاية أن أدرس الإعلام، وما زلت أشعر بالسعادة كلما تذكرت قراري هذا، كما أشعر بالامتنان للمساحات التي منحها لي والدي الذي شجعني على خياري.
- في أيامكم كان للجامعة صولات وجولات.. مالذي سحب ذاك البريق منها وافقدها تلك النضارة؟
كان لبعض أساتذة وطلاب الجامعات قبل عقد من الزمن صولات وجولات أيديولوجية، وليست أكاديمية أو فكرية أو مدنية، وهذا النوع من الصولات والجولات لا أرثيه أبدا عندما يخفت أو يختفي..
- دراستك في جامعة الإمام مخير فيها أم مسير؟
لما اخترت جامعة الإمام كان لديها أفضل قسم إعلام بين جامعات المملكة من حيث تجهيزاته الحديثة، ومن حيث مستوى أساتذته الذي عاد نسبة عالية منهم من الدراسة في أمريكا، وعلى هذا الأساس اخترت الجامعة للدراسة بالإضافة لكونها الجامعة التي عمل فيها والدي أستاذا لأكثر من عقدين من الزمن.
- كنت محررا صحفيا مشاكسا.. كيف استقبلك وسط جامعة الإمام؟
لما كنت في السنة الثانية في الجامعة أصبحت سكرتيرا لتحرير “مرآة الجامعة” ومارست فيها مشاغباتي الصحفية، وهذا أنتج الكثير من الرفض في أوساط المتشددين من طلبة الجامعة وأساتذتها، وكانت النتيجة في الفصل الأخير من دراستي الجامعية في عام 1414هـ، أن تم منعي من الكتابة في الجريدة، وتكوين لجنة لقراءة الجريدة قبل طبعها والرقابة عليها، وصدور قرار أولي بفصلي من الجامعة، والذي تم التراجع عنه لاحقا بوساطة مجموعة من مسؤولي الجامعة الذين يعرفون أن ما كتبته كان جزءا من مهنيتي الإعلامية وليس لأن لدي أي أجندة أيديولوجية من أي نوع، وهي الوساطة التي كفلت في النهاية تكريمي أثناء حفل التخرج بحكمي كنت الأول على الجامعة من حيث المعدل التراكمي.
- لماذا طال مشوار دراساتك العليا؟
بالعكس كان مشواري قصيرا، كنت أدرس ليل نهار بلا توقف، واستطعت إنهاء ساعات الماجستير والدكتوراه في أمريكا خلال أربع سنوات، ولكنني أخذت بعدها ثلاث سنوات في إعداد رسالة الدكتوراه لأنني تمنيت لها أن تكون إنجازا علميا جديدا من نوعه، والحمد لله على ذلك.
- ماذا منحتك أمريكا غير الشهادة العليا؟
أمريكا مدرسة تتعلم منها كل لحظة بخلاف أوروبا أو كندا، في أمريكا تولد النظريات والأفكار المستقبلية، ويتم صناعة مستقبل العالم.
في أمريكا تعلمت أيضا كيف تكون الجامعة مصنعا للقدرات والتفكير وليس مجرد فصول دراسية لتلقين المعلومات.
- كثرة محطاتك الوظيفية.. إلى ماذا تعزوها؟
في مرحلة تأسيس الحياة العملية، لا أرى أن يبقى الإنسان في مكان ما إلا إذا كان ينمو فيه، لأن النمو بشكل يومي أساس ينبغي ألا يتنازل عنه أحد.
أنا تنقلت في ثلاث أماكن بحثا عن النمو ثم استقر بي المقام في مجموعة MBC منذ ست سنوات وما زلت حريصا على الاستمرار فيها لأنها توفر لي هذا النمو اليومي.
- مفهوم الإعلام الجديد.. هل أنت عرابه في الشرق الأوسط؟
لنقل أنني كنت محظوظا مع الإعلام الجديد، كما أنني آمنت به مبكرا جدا ربما لأنني شهدت نشأته في التسعينات في أمريكا، وكنت قارئا نهما حوله لأنني كنت أكتب عمودا أسبوعيا عن الإعلام الجديد منذ عام 1996.
في عام 2000 كنت محظوظا لأنني أسست أول موقع إخباري عربي مستقل bab.com، والذي جاء قبل فترة بسيطة من إيلاف، ثم ساهمت في بناء عدد من المواقع الكبرى، وقدمت برنامجا إذاعيا عن الإنترنت، لينتهي بي المطاف في قناة العربية والتي كنت محظوظا أيضا لأنني أسست موقعها على الإنترنت وكان مدرائي يعطونني المساحة والدعم والتشجيع لأنفذ أفكاري، وأنا الآن محظوظ لأنني أقود الإعلام الجديد بأنواعه _ الإنترنت والموبايل والمحتوى الرقمي وغيره _ لأكبر مجموعة إعلامية عربية والذي جاء بثقة ودعم من رئيس مجلس إدارتها الشيخ وليد الابراهيم.
هذا كله ساهم في وضعي ضمن المجموعة القليلة التي تساهم في تطوير الإعلام الجديد عربيا، وربما كنت أول إعلامي عربي وضع كلمة “الإعلام الجديد” في منصبه الرسمي.
- الإعلام العربي هل يستوعب أبجديات الإعلام الجديد؟
طبعا لا، ولكن الإعلام العربي قاصر في أشياء كثيرة ويعاني على كل المستويات، والإعلام الجديد ليس استثناء.
- لماذا خطواتنا الإعلامية دائما مترجمة من الغرب؟
هذا ليس عيبا، لأن الغرب متقدم علينا في الصناعة الإعلامية، ولكن العيب عندما تكون لدينا عقدة التبعية، وعندما نقلد بدون وعي وبدون بحث عن شخصيتنا الخاصة، وعندما لا يكون لدينا أبحاثنا ونظرياتنا ورؤانا الخاصة بنا، وهذا كله حاصل بكل أسف.
- التحاقك بـMBC.. هل كان المنعطف الأهم في حياتك؟
MBC أعطتني كل شيء أريده على الصعيد العملي، ولكنها حرمتني من الحياة في المملكة وهو أمر أفتقده كثيرا..
- هل تملكون الكاريزما لتقودوا دفة الإعلام الجديد؟
لا أعتقد أنني شخص يملك “الكاريزما” على كل حال…!
- منصبك هناك شرحه في 80 كلمة.. لماذا كل هذا الحمل؟
الإعلام الجديد أمر “جديد” ويحتاج للشرح أحيانا، وكنت حتى آخر شهر أبريل من هذا العام أرأس تحرير موقع العربية.نت مع إدارتي للإعلام الجديد في المجموعة، وهذا كله جعل “منصبي” معقدا قليلا.
- تكتب في أكثر من صحيفة.. ومناط بك جيش من المسؤوليات العملية.. هل الضحية في هذا أسرتك؟
أنا أعترف بأنني أعمل أكثر من 12 ساعة يوميا، وبدأ هذا معي منذ أيام الدراسة لما كنت أحرص على التفوق، وفي أيام الدراسات العليا كنت طالب دكتوراه وأدرس طلاب البكالوريوس في الجامعة، وأراسل مجلتي اليمامة والمجلة من أمريكا.
نتيجة ذلك كانت طبعا التقصير في حق نفسي وأسرتي والأصدقاء والأعزاء الذي أتواصل معهم اجتماعيا بشكل محدود، وأنا محظوظ جدا وممتن جدا لأنهم يغفرون لي ذلك.
- الصحافة الإلكترونية ما تزال خاسرة تجارية عندنا بعكس الغرب.. لماذا؟
الصحافة الإلكترونية بالطريقة التي تأسست في الغرب تقوم على الإعلانات، وسوق الإعلان عندنا عموما يعاني من مشكلات متعددة، ولكن هناك نمو ممتاز رغم الأزمة الاقتصادية العالمية في حجم الإعلانات على الإنترنت، وبعض المواقع صارت مربحة فعلا.
- صحفنا الورقية.. هل تحتاج إلى إنعاش أم قسطرة.. أم تقطيع معدة؟
الصحافة الورقية تعاني في كل مكان في العالم، ولكن بشكل عام، المادة الصحفية العربية يزداد ضعفها مع الأيام، وهو أمر مستغرب لأنك تتصور مع المنافسة أن يتحسن مستوى الصحف.
الصحافة الورقية يجب أن تراهن في رأيي على المادة الممتعة المكثفة القريبة من اهتمامات الجمهور، وعلى الخدمات المعلوماتية، ولكن الرهان المستقبلي لن يكون للورق بكل تأكيد.
- قلمك جميل لكنك ..كسول! هل تعاني من اضطراب في غددك النخامية؟
لست كسولا في رأيي، بالعكس أنا أكتب أكثر من اللازم.
لدي ثلاث أعمدة أسبوعية، في جريدتي الاقتصادية واليوم، وفي روز اليوسف، بالإضافة لبعض المقالات المتخصصة هنا وهناك، وأحيانا أبحاث أكاديمية، هذا كثير جدا في رأيي، ويترك أحيانا أثرا سلبيا على مستوى ما أكتب..
- الإعلام والسياسة يخدمان بعضا كثيرا ويحفران لبعض أكثر.. ما رأيك؟
أصبتني بهذا السؤال في مقتل، لأنني أتألم لما أرى وضع الإعلام اليوم الذي ابتعد تماما عن الموضوعية والحيادية وصار جزءا من المعارك الأيديولوجية والسياسية والشخصية في كل بلد عربي.
لا يوجد بكل أسف إعلام يعتمد عليه القارئ العربي في تقديم المعلومة بدون ألوان، وهذا في رأيي خسارة كبيرة وأحد آلام الإنسان العربي، والثمن سيدفعه الجميع، لأن الإعلام إذا فقد مصداقيته لدى الجمهور فهو لن يستعيدها بسهولة، وسيلجأ الجمهور لأساليب أخرى لتحصيل المعلومات قد لا يمكن التحكم فيها وفي آثارها السلبية مثل المنتديات والمدونات وغيرها..
- دراستك في أمريكا كانت عن الحملات السياسية على الانترنت.. هل تشعر أن الانترنت الصوت الأقوى لوصول السياسي؟
بالفعل كان مجال دراستي في الماجستير الحملات الانتخابية، وكتبت رسالتي عن استخدام الإنترنت في الحملات الانتخابية، وأعتقد أن الإنترنت يزداد تأثيره بشكل سريع جدا في نشر الرسالة السياسية بشرط ألا يشعر الجمهور بأن السياسي يحاول استغلالهم، لأن الجمهور تعود على أن يكون الإنترنت بعيدا عن تحكم السياسيين.
أوباما كتب فصلا جديدا في استخدام الإنترنت بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث وأصبح رئيسا لأمريكا.
- كيف تقرأ خطابات أوباما للعالم العربي والاسلامي؟
الديمقراطيون بشكل عام ومنهم أوباما وقبله كلينتون وكارتر يؤمنون أن مصالح أمريكا تتحقق ببناء العلاقات الإيجابية، وطبيعي بعد التدمير الذي أحدثه الجمهوريون خلال ثمان سنوات أن يبذل أوباما جهدا خاصا في الوصول للعالم الإسلامي، وخاصة أن خلفيته العرقية تجعله يفهم هذا العالم أكثر من الرؤساء السابقين.. المشكلة أن العرب لم يستفيدوا يوما من أي من الفرص السياسية التي تتوفر لهم من الغرب، وهم يتخبطون بينما الإسرائيلين ساسة الفرص يضحكون سرا وعلنا من جهلنا..
- إدارة الإبداع في المؤسسات الإعلامية عندنا هل تجد مناخا صالحا للنمو..؟
أول كتاب لي كان بالإنجليزية عن إدارة الإبداع في المؤسسات الإعلامية، وهو إعادة تحرير لرسالة الدكتوراه، ومقارنة إدارة الإبداع في مؤسسات الغرب مع مؤسساتنا يسبب إحباطا حادا وآلاما خاصة. الإبداع هو سر نجاح المؤسسة الإعلامية، ولكن مؤسساتنا –إلا القليل منها- تتفنن في قتله بمختلف الطرق!
- هل تشعر أن فضاءنا الإعلامي له فلسفة خاصة في مؤسساته أم هي فوضى وبالبركة؟
بعض المؤسسات تطور نفسها وتحاول الإلتزام بنظام وفلسفة واستراتيجية، وأنا لا ألومهم إذا فشلوا فمعظم القطاع الإعلامي لم يتلق التعليم اللازم ليستطيع الالتزام بفلسفة ما. وضع الإعلام في رأيي مؤلم بسبب ندرة المهارات البشرية المميزة.
- انشغالك بقضايا الإصلاح والتطوير في العالم العربي .. ألا يزيد من احباطاتك؟
لا يمكن لشيء أن يزيد من إحباطات الإنسان العربي، فنحن قد وصلنا قاع الإحباط منذ زمن طويل، أنا فقط أحاول أن أشعل شمعة بدلا من أن ألعن الظلام.
- 11 سبتمبر هل ضيق عليك مساراتك العلمية؟
تجربتي هي بعكس ما يتحدث عنه الناس، فقد تعاطف مع أساتذتي وزملائي بشكل يشبه الخيال بعد 11 سبتمبر، حتى أن عميد الكلية في أمريكا استحدث يوم الاهتمام بالعرب في الكلية مع أننا كنا اثنين من العرب فقط.
لا أعرف إذا كان الآخرون الذين يتحدثون عن اضطهاد الطلبة العرب يبالغون أم أنني كنت محظوظا، أم الاثنين معا!.
- مشروع “برنامج 11 سبتمبر للإعلام والبحث العلمي”..ماذا تم وماذا لم يتم؟
هذا المشروع استمر لمدة عامين فقط، وكانت فكرته طموحة تقوم على محاولة إحداث أثر إيجابي في الغرب لتقليل الآثار السلبية للحدث، وبالفعل صدرت موسوعة 11 سبتمبر باللغة الإنجليزية والتي أشرفت فيها على فريق من الباحثين الذين قدموا دراسات مميزة ونادرة لرد الفعل العربي بعد 11 سبتمبر كما أصدرنا فيلما وثائقيا عن 11 سبتمبر فاز بجائزة أحسن إنجاز مهني وذلك باللغة الإنجليزية عن مبادئ الإسلام، ثم بعد ذلك توقف المشروع، والكثير طبعا لم يتم.
- كيف تقرأ دعاوى المقاطعة مع الغرب؟
لي رأي خاص في هذا الموضوع، كثيرا ما يساء فهمه.
أنا لست ضد إرسال رسائل الغضب إلى الغرب، ولكن المشكلة أن طاقة الإنسان لتنفيذ أعمال إيجابية محدودة، ولا أحب أن تضيع هذه الطاقات في أعمال جدواها قليل جدا إن وجد.
أنا أيضا لا أحب أن نرسل رسائل الغضب ونحن لم نشرح أنفسنا يوما للغرب بما يكفي. تصرفاتنا تشبه تماما تصرفات شخص غاضب في الشارع ويضرب من يقابله من الناس دون أن يعرف الناس القصة والسبب ومن هو هذا الشخص أصلا.
- عندما سخر الكاريكاتير من النبي محمد .. ألم يكن في الإمكان استثمار ذلك الحدث كما يجب؟
لا أظن، وهناك من حاول، والأثر محدود.
هناك القليل جدا مما يمكن فعله في المواقف السلبية، كان الأجدى في رأيي أن نضع خطة طويلة المدى لنحقق أهدافنا كمسلمين وعرب بدلا من ردود الفعل العشوائية وغير المدروسة.
لقد انتشرت رسوم الكاريكاتير في كل مكان بسبب حملاتنا، والغريب أنها هذه الرسوم ما زالت تنشر وتزداد كجزء من تحدي الغربيين لنا، ولكننا ضربنا ضربتنا في أول مرة ثم انشغلنا بحياتنا.
- الغباء الإعلامي.. مسؤولية من؟
“غباء إعلامي”! الإعلاميون العرب في منتهى الذكاء والإخلاص والطموح والحيادية، عن ماذا تتحدث يا ترى؟
- تجربة التدريس في الجامعة لماذا غادرتها مبكرا؟
درست في الجامعة الأمريكية في الشارقة لمدة سنتين، وكان ذلك أثناء عملي في MBC ولكن الأمر صار مرهقا جدا لي، ولم أعد أستطيع الاستمرار، وربما كنت أتحسر كثيرا على بعدي عن الحياة الأكاديمية، لكن الإنسان له طاقة محدودة، والعمل الإعلامي أقرب إلى نفسي من التدريس على كل حال.
- لماذا تعاملنا مع الإنترنت يتم في إطارات مريضة؟
الإنترنت تشبه الدولة التي ليس فيها حكومة ولا شرطة، ويتصرف فيها كل شخص كما يشاء، هذا ساهم في أن نتعرف على أنفسنا أكثر، وندرك أننا شعوب متخلفة حقا.
من جهة أخرى، أنا متفائل أن الإنترنت قد تكون الساحة التي نقود من خلالها مسيرة تطورنا في يوم من الأيام، وأرى كل يوم نماذج رائعة من الناس على الإنترنت.
- أي التفاعلات الاجتماعية استطعت صنع معادلات لها كفيلة بعدم الانفجار أو الذوبان؟
كتبت كثيرا عن “التغيير الاجتماعي” وأنا شديد الاهتمام به، ولكن عالمنا العربي معقد جدا، ومن الصعب على أحد أن يدعي خلق مثل هذه المعادلات.
- الصحوة الإسلامية كادت أن تستولي على كل تفاصيلك، لكنك لم تستسلم لها كليا.. ما هي معادلتك في التعامل معها؟
الصحوة الإسلامية كانت محاولة نحو التغيير الإيجابي، ولكنها عانت من أمرين أساسيين: سيطرة العاطفة، وسيطرة الاتجاهات الأيديولوجية على حراكها الداخلي، وأنا أكره كلا الأمرين.
- الكل يعتبرك محسوبا عليه.. الإسلاميين والليبراليين والآخرين.. هل هذا ذكاء منك أو غباء منهم؟
هذا يعني أنني رمادي في أوساط تحب الأسود والأبيض فقط..
- ظاهرة انتشار المشايخ في الإعلام.. هل هي ظاهرة صحية؟
طبعا، أنا أؤمن أن التوجيه الديني يجب أن يأخذ الشكل الإعلامي والتلفزيوني حتى يمكن تقييمه ونقده وتطويره بدلا من أن يكون حبيس المساجد والمطبوعات والأشرطة.
أنا أعتقد أن الكثير قد تغير منذ أن اقترب الوعظ من شاشة التلفزيون الحارقة.
- في ظل سطوة الإعلام.. ألا تشعر أن مسار الفتوى قد حاد عن الطريق؟
ليس هناك مسار للفتوى، لأنه لا توجد نظرية واضحة لدى صناع القرار والعلماء والناس حول تعدد الفتوى ودور الفتوى في حياتنا، هناك آراء كثيرة مطروحة، والناس تتعامل معها بعواطفها، والأقوى ينتصر بفتواه، بينما الفقه الإسلامي لا يتقدم أبدا من ناحية التدوين والأصول، هذا رأيي على الأقل، وأنا شخص غير متخصص.
- “يوتيوب” و”فيسبوك”.. هل هما السلطة الخامسة؟
الناس هم السلطة الخامسة، الصوت الجماعي، الذي كان في أحسن الأحوال يختار من يمثله في السلطة التنفيذية، ويحاول إيصال صوته إلى السلطة الرابعة.
الإنترنت حول الناس إلى صوت عال يسمعه الجميع ولا يمكن تجاهلهم أو التلاعب بأرائهم. لقد غير الإنترنت العالم إلى الأبد.
- العرب الأكثر زيارة للمواقع الكبرى.. بماذا يعودون من زياراتهم تلك؟
أعتقد أننا نتعلم قليلا، ونلهو كثيرا..!
- عندما تقرأ التعليقات على الموضوعات التي تنشر في العربية.نت.. هل ترثي الحال أم؟
كتبت مرة مقالا انتشر على الإنترنت بعنوان “المنتديات فضحت عوراتنا وتركتنا نغرق“..
لما كنت أرى التعليقات، كنت أقول لنفسي أما أن الذين يعلقون هم أسوأنا، أو أننا شعوب سيئة جدا، ولكنني مع الزمن صرت مقتنعا أن عوراتنا قد انكشفت وأننا نعاني من تخلف واسع كمجموع، وللأسف فإن هذا التواصل غير الحضاري بين العرب عبر الإنترنت يساهم من سوء الموقف ولا يحسنه.
- تعليم الحقيقة هل يؤدي للبلادة؟
أنت استنبطت السؤال من مقالي “تعليم الحقيقة يؤدي للبلادة”، وهذا معناه أن التلقين وتعليم الطلاب على أن هناك وجه واحد للحقيقة يؤدي لنتائج سلبية كثيرة منها البلادة
كتبت كثيرا في تطوير التعليم وآخرها ثلاث مقالات قاسية في جريدة الاقتصادية أثناء رمضان، وهي ثلاثية وجدت من أحب ما فيها، كما لقيت كثيرا من النقد..
- لماذا حل المشكلة أحيانا يزيد من مشاكلنا أكثر؟
لأن المشكلة أحيانا هي في طريقة التعامل معها وفي طريقة تفكيرنا، وطريقة تحليلنا للأسباب وجذور المشكلة، وطريقة تنفيذ الحل، وفي عبثنا اليومي الذي لا ينتهي..
- الاشتباك الثقافي العربي.. متى سينفض؟
أرجو ألا ينفض أبدا، لأن الاشتباك الثقافي هو ظاهرة إيجابية، خاصة عندما يبحث المشتبكون عن مصلحة الثقافة بدلا من مصالحهم الشخصية، وهذا ما آمل أن يحصل يوما!
- حذاء منتصر الزايدي هل هو شهادة تخرج لمشروع الحرية في العراق؟
لا أظن أنني سأجرؤ أن أنتقد علنا الحذاء الذي توجه نحو بوش، ولكن مشروع الحرية في العراق فشل بكل أسف، لأن الحرية تؤخذ وتبني ويتشربها الدم والفكر والروح، ولا تعطى.. كانت فرصة أخرى وضاعت!!
- لماذا تصر دائما على أن تخبرنا أن كل شيء سيتم الكترونيا؟
لا أصر على ذلك، بالعكس كنت متحفظا على طريقة تنفيذ مشاريع الحكومة الإلكترونية، ولكنني أؤمن أن العالم يزداد اعتماده على التقنية يوما بعد يوم، وسيصل إلى مستوى من الاعتماد لدرجة أنه لا يمكن تخيل أي شيء خارج هذا الإطار. هذا عموما يحصل بأسرع مما تخيل البشر بسبب ثورة الموبايل، هو واقع وليس أمنية.
- الروحانية والحميمية.. هل ستجد الدوائر الاليكترونية لها منفذ؟
“حميمية مين؟”؛ هذا زمن مضى وانتهى، نحن الآن في زمن المال والمصالح والمتع بأنواعها والترفيه اللانهائي.
- دخلت الصحافة من باب الكتابة، ثم عدت لها رئيسا للتحرير.. مالفرق بين البابين؟
بالعكس دخلت الصحافة لما كان عمري 17 عاما من أبواب مكتب جريدة عكاظ في أبها، وكنت أصغر صحفي متفرغ في الشركة السعودية للأبحاث عندما كان عمري 21 عاما، ولم أبدأ بالكتابة إلا بعد ثمان سنوات من احتراف الصحافة.
أعشق الصحافة وستبقى في دمي إلى الأبد، وأعشق دائما أن أجلس وأكتب خبرا أو أجري حوارا أو أخطط لتحقيق ما.
- لماذا تصبح رؤانا من الخارج أكثر هدوء؟
ربما لأنك تستطيع أن تشاهد الملعب من مقاعد المتفرجين بشكل أفضل مما لو كنت داخل الملعب، وخاصة عندما يكون الملعب كبيرا بحجم الوطن.
- يصر البعض على أن موقفك من المرأة غير واضح، أو بالأحرى تصر على أن تجعله رمادي بعض الشيء.. ما رأيك؟
أظن أننا كلنا رماديون بشأن المرأة، ولا أحد منا يجرؤ على التعبير عن رأيه، كثير من الرجال يحتقر المرأة ولا يجرؤ على إعلان ذلك بل يبطنه برؤى ثقافية وفكرية وفقهية، وهذا يشمل طبعا أولئك الذين يريدون استغلال جسد المرأة، وبعضنا يؤمن بحق المرأة في الوجود كإنسان، ولكنه يخاف من الأغلبية المتشددة أو الشهوانية.
من الصعب جدا تحدي الذكور حتى لو كنت منهم!!
- كيف تقيم أداء المرأة العربية خارج أسوار البيت؟
المرأة ضحية أوضاع ساهمت في خلق جموع من النساء الذين يعانين من مجموعة معقدة من الأمراض، وساهمت كذلك في خلق جموع نسائية تحاول تحدي هذه الأوضاع.
عموما لا زالت القصة في بدايتها وما زال الأمر مبكرا على التقييم، ويعتمد الأمر على أي امرأة، في أي بيئة، مع أي ذكور تعمل!!!
- لك فلسفة خاصة في الحب، هل هي مبشرات للحب الجديد على نسق الإعلام الجديد؟
كتبت كثيرا في الحب لأنني كنت أحاول فهمه والتعرف عليه، ولكنني عدت من رحلتي هذه كما بدأت. الحب لغز عظيم، ولعل جماله يكمن في غموضه.
المشكلة الأساسية أن هناك من يحب بلا حدود، وهناك من يدعي الحب حتى يحقق أغراضه، ثم يختلط الحابل والنابل، ويكون العاشق الصادق هو الضحية، هذا واقع عالمي بالمناسبة وليس له استثناءات.
أجرى الحوار: خالد الباتلي
* نُشر الحوار في صحيفة الحياة