شهد الأسبوع الماضي حدثا ضخما لعالم الجوال في مدينة برشلونة الأسبانية حيث اجتمعت حوالي ألفين شركة من مختلف دول العالم لعرض آخر ما توصلت إليه في عالم الاتصالات المتنقلة.
هناك نتيجة أساسية تخرج بها بعد زيارة هذا المعرض والاستماع لمحاضرات المؤتمر المقام على هامشه وهي أن العالم مقبل قريبا على طفرة غير عادية في استخدامات الجوال أو الموبايل، تحوله من جهاز للاتصال إلى جهاز يمثل نقطة اعتماد الإنسان الأساسية في حياته اليومية على التكنولوجيا ويمثل نقطة اتصال الفرد بمجتمع المعلومات.
ولعله من المعلوم للناس أن الجيل الثالث والجيل الرابع من أجهزة الجوال تسمح بالاتصال بالإنترنت بسرعة عالية تفوق قدرة الاتصال الموجودة في الكمبيوترات الشخصية، وأن هذا يعني استخداما موسعا للجوال، بما في ذلك الاعتماد عليه في البريد الإلكتروني والدردشة والمسنجر وتصفح المواقع والمنتديات ونشر المعلومات عليها وتصفح قواعد المعلومات والاستفادة من مختلف برامج الكمبيوتر.
هذه الامتيازات موجودة واستطاعت عدد من شركات الاتصالات تطبيقها والنجاح فيها بشكل باهر، والمعرض يتضمن عشرات الشركات المتخصصة الآن في البرامج الخاصة باستخدامات الجوال المعلوماتية والترفيهية والمحتوى الموجه للجوال بشكل خاص، حتى إن المعرض تضمن “احتفالا” لأفلام الجوال، وهي أفلام صممت بحجم ودقة تتناسب مع شاشة الجوال وإمكانياته.
بل إن الأغرب من ذلك أن هذه عددا من شركات الإنتاج الدرامي العالمية بدأت تتوجه لهذا الإنتاج بسبب عائده المالي والمستقبل المتوقع له.
أحد شركات الاتصالات اليابانية واسمها “دوكومو”، قدمت عددا من التطبيقات غير العادية للجوال والتي بدأت في اليابان، ومنها استخدام الجوال كجهاز للدفع، فعندما تدخل للسوبرماركت أو المطعم، يتم مسح الرقم الذي على الجوال كما يتم عمل ذلك مع بطاقة الصراف أو بطاقة الإئتمان، ويقوم من خلالها بسحب المبلغ المطلوب والذي سيسحب على بطاقة الإئتمان أو على حسابك البنكي أو على فاتورة الهاتف.
هناك شركات اخترعت تطبيقات صحية للجوال مثل قياس ضغط الدم ونبضات القلب، بينما شركات أخرى تحاول أن تجعل من الجوال نافذة لك لاختيار أي فيلم تريد مشاهدته عبر حصيلة ضخمة جدا من الأفلام والبرامج، وبذلك تشاهد البرنامج الذي تريد في الوقت الذي تريد.
أضف إلى ذلك، استخدامات متخصصة عديدة لرجال الأمن ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين والرياضيين وغيرهم.
هذا يعني أن هذا الجهاز الذي نحمله في أيدينا سيمثل كل ما نحتاجه على مستوى التكنولوجيا، وإذا كان البعض يشكك في إمكانية ذلك بسبب صغر شاشة الجوال، فإن هناك شركات عديدة اخترعت حلولا لذلك من خلال شاشات يفترض توزيعها في كل مكان “المنزل، العمل، المطاعم، الخ” بحيث تربط الجوال بها وتستمتع بالبرامج والمحتوى الذي عليه.
لكن تقدم الجوال في العالم عموما وفي دولنا العربية بشكل خاص ما زال بطيئا فرغم هذه الطفرة في المنتجات والأفكار فإن المشكلة أن التنافسية في عالم الجوال محدودة بسبب احتكار شركات الاتصالات للقدرة على تطوير الجوال، فينما شارك الملايين من الناس في تطوير الإنترنت عبر سنوات قليلة، فإن عالم الجوال مرتبط بشركات قليلة في كل دولة تحكم كل تطوره، وإذا كانت هذه الشركات بطيئة أو فاشلة إداريا يتوقف التطور تماما.
أضف إلى ذلك أن شركات الاتصالات تحصل على دخل مالي عال جدا من الاتصالات الهاتفية، وهذا يجعلها غير مهتمة بتطوير جوانب الخدمات والمعلومات والتطبيقات المتخصصة التي تحتاج للكثير من الجهد والإبداع ولا تأت بالكثير من المال.
السبب الأخير لبطء طفرة الجوال هي أن شركات الإنترنت أخذت بمبدأ تقديم الأشياء مجانا حتى يعتمد الناس عليها ثم وضع رسوم لها مستقبلا أو الاعتماد على الإعلان، ولذلك نجحت شبكة الإنترنت كمبدأ بشكل سريع، بينما في عالم الاتصالات، تريد الشركات أن تضع رسوما عالية تنخفض عبر الزمن بعد أن تمول هذه الخدمات.
لكن هذه الصورة المتشائمة ستتغير مع الأيام لأن الجوال بدأ يغزو العالم ويحتل موقعه الاستراتيجي في أوروبا وآسيا وأمريكا، وستجد الشركات العربية نفسها أمام ورطة اللحاق بالدول المتقدمة وتحت ضغط الحكومات والناس.
هل العالم سيصبح أجمل مع الجوالات المتقدمة التي نعتمد عليها كل لحظة؟
البعض يقول نعم ما أجمل التكنولوجيا، والبعض يقول لا، الجوال سيحول حياتنا إلى جحيم لأننا سنكون على اتصال بالعالم على مدار الساعة وسيفقد الإنسان صفاء حياته ويزداد ضغطه النفسي ويصبح عرضة للأمراض التي تسببها موجات الجوال.
أيا كان الجواب، فإن طفرة الجوال قادمة لا محالة!!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية