يبدو عنوان هذا المقال تقليديا مكررا حيث يتناول الموضوع الذي تناوله معظم مثقفي العالم العربي خلال العقود الأخيرة، فالكل يعرف أن العرب يعيشون تحت ركام التخلف والضعف، وأن معاناتهم تتعدد وتتشعب بما يشبه المتاهة التي ليس لها نهاية ولا حل، والكل قد أبدى رأيه في اتجاه أو آخر لمعالجة هذه القضية العويصة.
لكن المسألة تجددت في الأعوام الأخيرة بعد أن شهد العالم العربي فشل المشروع الإصلاحي الأمريكي، الذي رصدت له ميزانية محترمة بعد 11 سبتمبر، ولكن المشروع لم ينجح، والسبب غير معروف تماما، ولكن على الأرجح لأن الأمريكيين لم يفهموا العالم العربي وتعقيداته ليفشلوا كما فشلوا في العراق الذي لم يفهموه أيضا.
لم يدرك الأمريكيون أن واحدا من أسباب مأساة العرب هي التعقد الشديد لقضيتهم حتى أن كل أسئلة الإصلاح ومعالجاته تشبه السؤال التاريخي عن البيضة والدجاجة، حيث لا أحد يعرف ما الذي يأتي أولا في معادلات التغيير.
هناك سبب آخر لهذا الفشل، وذلك أن المشروع الأمريكي كان مشروعا سياسيا أيديولوجيا بالدرجة الأولى، ولم يكن مشروعا تنمويا، ركز الأمريكيون على الخطاب الأيديولوجي والحديث عن الديمقراطية والحرية ظنا منهم أن هذا سيروج للمشروع في أوساط الجموع العربية، وكان مشروعا سياسيا لأنه ارتبط بمجهوداتهم لمعالجة الإرهاب، ولأن العرب لا يؤمنون بالنظرية الأمريكية حول الإرهاب وأسبابه، ولأن أحلام الديمقراطية هي قصة قديمة بالنسبة لهم أكل الزمن عليها وشرب ولا تحرك إلا أحلام قلة منهم فشل المشروع.
كان الأمريكيون بحاجة لأن يبنوا مشروع الإصلاح على شكل برامج عامة، لها أهداف تنموية واضحة تعالج مشكلات معينة ويمكن تقييم تحقيقها لهذه الأهداف، وهم لجأوا لذلك في بعض الأحيان كما حصل في “مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية” Middle East Partnership Initiative، والتي استندت على الدعم المالي للجمعيات غير الحكومية في الشرق الأوسط، ولكن المبادرة كانت مغلفة بعدم فهم العالم العربي وتجاهل حقيقة أن أكبر ضرر يمكن أن يحصل لهذه الجمعيات هي قبول المساعدات الأمريكية لها ففشلت المبادرة أيضا.
لقد تجاهل المحافظون الجدد الخبرة التي يحملها الكثير من الأكاديميين والخبراء الأمريكيين حول منطقة الشرق الأوسط من أنك في العالم العربي لا بد أن تتعامل مع عاطفة الشعوب، وعاطفة الشعوب تمضي في اتجاه معاكس لكل ما يحمل اسم أمريكا بسبب الموقف الأمريكي من الصراع العربي الاسرائيلي، وبسبب الحرب على العراق.
في عام 2002 نشرت مجموعة كبيرة من المقالات الأكاديمية في أمريكا تدعو الحكومة الأمريكية لعدم شن الحرب على العراق لأن أهدافها غير واضحة ولن تلق التعاطف العربي، بل بالعكس ستزيد من كراهية العرب لأمريكا، وهذا سيترك آثاره السلبية على كل برامجها الإصلاحية في المنطقة، لكن أحدا لم يستمع.
لكن قصة الفشل هذه لا تعني أننا لم نعد بحاجة للإصلاح والتغيير.
العالم العربي يحتاج لرحلة طويلة من الركض المستمر نحو التنمية والتطوير حتى يستطيع علاج بعض مشكلاته ويخرج من تحت الركام ويلحق بالمسيرة العالمية بشكل يمكنه من مجاراة التنافس العالمي الاقتصادي والسياسي.
بكلمات أخرى، نحن نحتاج لمئات البرامج التنموية والإصلاحية التي تعمل متكاتفة على علاج مشكلات كل دولة بأنواعها.
لتنجح برامج التنمية، هناك وصفة سهلة جدا وهي وضوح الأهداف.
نحتاج أهدافا عامة، ثم أهدافا تفصيلة، وهذه الأهداف يجب أن تكون محددة تماما بحيث لا يختلف اثنان على معناها، ولا على كيفية قياس نجاحها، ويجب أن تكون أهدافا معقولة يمكن تحقيقها، ويجب أن يكون هناك موعد زمني معين لتحقيق تلك الأهداف.
برامج التنمية أيضا تحتاج للقبول العام لها، قبول صناع القرار ومراكز القوى ودعمها، والقبول الشعبي العام والاقتناع بها، وبدون ذلك لا يمكن تحقيق التغيير ولا إنجاح التطوير والإصلاح.
لقد استعرضت من خلال وثيقة منشورة على الإنترنت معظم تفاصيل برامج الإصلاح الأمريكية لتجدها بعيدة تماما عن هذه المواصفات، ولو استعرضت كثيرا من البرامج الحكومية التنموية العربية لوجدتها أنها كذلك بعيدة عن شروط النجاح.
إن أسوأ ما يعانيه العالم العربي _ بالإضافة لغياب شروط النجاح الأساسية _ هو غياب الرؤية العامة التي يتفق عليها الناس، حيث تملك كل مجموعة أيديولوجية من الناس صورة فضفضاضة ضبابية غير واضحة عن شكل العالم العربي في وضعه المثالي، وهذا يجعل الحافز والأهداف وكيفيات التنفيذ ضعيفة وبعيدة عن الإجماع العام.
نحن نعيش قصة حزينة بدأت منذ أن اكتشفنا أننا تحت الركام، ولا نعرف إلى متى تستمر!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية