لإن الإنتاجية المرتفعة هي واحد من أهم دعائم الاقتصاد الحديث، وجزء لا يتجزأ من “التنافسية” بين الدول وبين الشركات، نظم الغربيون حياتهم الحديثة على نمط “من يعمل أكثر، ينجح أكثر”، وهو النمط الذي يتسرب تدريجيا إلى دول العالم الثالث.
طبعا هناك عوامل أخرى مثل الإبداع والتعليم والذكاء الاجتماعي، ولكن الإبداع تم حصره في إدارات خاصة و”مدللة”، والتعليم استغني عنه بالتدريب المتخصص، والذكاء الاجتماعي تم تحييده بشكل كبير من خلال التقييم الموضوعي للقدرات وتحقيق أهداف العمل التي تحدد مسبقا بعيدا عن مزاجية المدير.
لكن الإنتاجية المرتفعة عندما تتوفر الظروف المناسبة _ وهي متوفرة لمعظم الناس _ مرتبطة بتنظيم الوقت.
لعله بسهولة يمكن القول: “أعطني وقتا منظما، أعطيك رجلا منتجا”، وهي مهارة يظن الكثيرون أنها سهلة، بينما في الحقيقة تجد نفسك في وضع حرج عندما تتكاثر الأهداف وتتصادم الرغبات العملية والشخصية وخاصة ونحن في زمن يسهل الانجراف فيه خارج جدول الوقت ضمن حديث على الهاتف أو تصفح للإنترنت أو حتى اجتماع عمل لمناقشة أمر يفترض ألا يستغرق أكثر من خمس دقائق.
بالمقابل؛ يبدو من الصعب جدا أن نصدق أن هناك نجاحا بدون تنظيم وقت، إلا إذا كان الشخص مندفعا نحو أهدافه بشكل قوي، وهي واضحة في ذهنه تماما، ويملك مهارة تنظيم المهام في عقله، وهذه ميزة نادرة هذه الأيام.
لهذا قلت في مقال سابق بأنه لو كان لي أن أختار شيئا واحدا يتم تعديله في مناهج التعليم لطالبت بمادة لتعليم الطلبة تنظيم الوقت، وآلياته، ومشكلاته، وكيفية بناء الأهداف قصيرة المدى وطويلة المدى، وبرامج الكمبيوتر التي تساعدهم في ذلك، أو باختصار مادة تعلمهم كيف ينجحون في حياتهم!
مبرمجو الكمبيوتر كعادتهم فكروا كيف يمكن وضع مبادئ الوقت كلها بشكل مبسط من خلال برامج الكمبيوتر، وأعتقد أنهم نجحوا في ذلك بشكل كبير، وهناك حاليا عشرات البرامج الرائعة التي تساهم في تنظيم الوقت، وكل واحد منها يحمل فلسفة خاصة به، فبعضها قائم على أساس أن الشخص شديد الانشغال ولديه الكثير من الاتصالات والمواعيد والمهام، وبعضها مخصص للشخص الذي تقوم حياته العملية كلها على الاجتماعات والمواعيد الواضحة، وأخرى للشخص الذي يميل لإيجاد قائمة بما يفعله كل يوم مرتبة حسب الأولويات بحيث ينتقل من مهمة لأخرى كيفما أملى عليه يومه وعقله ذلك.
هذه البرامج انتقلت لاحقا للإنترنت، لأولئك الذين يريدون الدخول على جدول مواعيدهم من أي مكان في العالم، وجاءت شركات فنقلت هذه البرامج لجهاز الجوال، وجاءت تقنية Blackberry، والمتوفرة في السعودية وعدد من الدول العربية، فربطت بين جهاز الجوال وبين كمبيوتر العمل، بحيث إذا قمت أو قام السكرتير بتحديث التقويم أو جدول المهام أو جدول العناوين على outlook، تم تحديثها تلقائيا على Blackberry أينما كنت حول العالم.
شخصيا أنصح كل شخص يريد الاستفادة من التكنولوجيا في تنظيم وقته أن يبدأ ببرنامج Outlook، الموجود على كل جهاز كمبيوتر يشغل بنظام Windows (99.3% من الأجهزة).
الفلسفة التي يقوم عليها Outlook، هي أن كل شخص لديه مواعيد وأعمال يقوم بها من ساعة معينة إلى ساعة معينة، وهناك مهام لديها أولويات وليست مرتبطة بوقت معين، ويسمح لك بتذكير نفسك، كما يسمح لك بتصنيف هذه المهام، بالإضافة لعشرات الميزات الأخرى التي يسهل اكتشافها عبر الوقت.
أما أفضل مواقع تنظيم الوقت فهناك موقع HiTask.com، لمن يريد وضع جدوله على الإنترنت، وموقع rememberthemilk.com، لمن يريد تذكيرا دائما على الإيميل ومن خلال رسائل الجوال، وموقع thinkingrock.com.au، لمن يريد برنامجا متقدما في تنظيم الوقت _ وبالمناسبة هذا الموقع له أتباعه المخلصين ولكنه معقد قليلا _ وموقع todoist.com، لأولئك الذين لديهم قوائم طويلة ومتشعبة بالمهام وليس المواعيد، أما أطرف الطرق الجديدة في تنظيم الوقت فهي الـiPod، حيث يمكن في النهاية تحميل ملف يحمل قائمة المهام على الجهاز.
وأيا كان النظام الذي تتبعه في تنظيم وقتك وبرنامج الكبيوتر المستخدم تذكر أن المسألة مرتبطة بشكل عميق بقدرتك على ضبط النفس بحيث تلتزم بتعليماتك المسبقة بدقة ولا تنجرف وراء الأمور التي تخرج بك عن الجدول المقرر إلا في حالات مخصصة محددة مسبقا.
حينها ستستمتع بالنجاح وعلي الضمان!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية