الـ3G كما هو معروف تعبير عن الجيل الثالث من شبكات الجوال، والتي بدأت الجوالات المتوافقة معها تغزو السوق حديثا “معروفة بين الناس بأنها الجوالات ذات الكاميرتين”.
وتتميز شبكات الجيل الثالث بأنها ذات سعة نقل عالية تسمح معها بنقل البث التلفزيوني الحي وبث مقاطع الفيديو والألعاب الأكبر حجما والاتصال باستخدام الفيديو وغيرها من التطبيقات الذكية التي لم يمكن تطبيقها في الجيل الثاني والجيل الثاني والنصف 2.5G الـGPRS، بسبب مشكلة سعة النقل.
في هذا العام تتجه عدد من شركات الاتصالات العربية لإعلان انتهائها من تطوير شبكات الجيل الثالث وبدء استقطاب المشتركين للاستفادة من الخدمات الإضافية التي تقدمها هذه الشبكات، ومن هذه الشركات شركة “الاتصالات السعودية” و”موبيلي”، وكانت عدد من الشركات الخليجية قد أطلقت خدماتها العام الماضي، لكن حملتها التسويقية ستبدأ هذا العام مع الانتهاء من تطوير الخدمات المتناسبة مع شبكات الجيل الثالث.
الجيل الثالث من الجوال يمثل ثورة تقنية بكل المقاييس، فهي ستحول جهاز الجوال الذي يحمله أكثر من 35% من الناس بشكل دائم وكأنه عضو متصل بالجسم، إلى تلفزيون وكمبيوتر متكامل متصل بالإنترنت وجهاز للألعاب يمكن اللعب من خلاله مع لاعبين آخرين حول العالم ومكتب متنقل، باختصار ستستطيع هذه التقنية تكوين شبكة من الناس بدلا من شبكة من الكمبيوترات، لأن كل شخص متصل بجهاز جوال أو أكثر، في كل جهاز الإمكانيات التقنية التي يحملها جهاز كمبيوتر!!
بالرغم من هذه القدرات التقنية غير العادية، هناك تردد في معظم دول العالم في الاستثمار في الجيل الثالث من الجوال، وكانت التجارب الأولى التي بدأت في اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا محط اهتمام الجميع في عالم الاتصالات بهدف تقييم هذه التجربة والبناء عليها، وهذا يشرح تأخر شركات الاتصال في العالم العربي رغم أن التقنية انطلقت في عدد من الدول منذ عام 2002-2003.
لماذا تتردد شركات الاتصالات ومن وراءها من صناع القرار الاستثماري في إطلاق هذه الخدمات رغم ميزاتها الرائعة؟ الأسباب عديدة ومن أهمها:
- غلاء تأسيس البنية التحتية لهذه الشبكات، الأمر الذي يتطلب وضع أسعار مرتفعة لهذه الخدمات، مما يعني في النهاية أن المستخدم قد لا يقبل على هذه الخدمات.
على سبيل المثال، معدل تكلفة الدقيقة الواحدة من البث التلفزيوني الحي على أجهزة الجوال عالميا هو 5 دولار، مما يعني أن مشاهدتك لمباراة كرة قدم كاملة ستكلفك حوالي 500 ريال سعودي، بينما مشاهدة ملخص المباراة الذي يمتد لدقيقتين ويعرض الأهداف بسرعة فسيكلف المستخدم حوالي 11 ريال، والأسعار نفسها تنطبق على الاتصال بالفيديو مع مستخدم آخر، الأمر الذي يجعل هذه الخدمات محصورة في شريحة محدودة من الناس.
- جهاز الجوال بطبيعته كما يحبه الناس جهاز صغير لا يحمل الكثير من الأزرار وشاشته صغيرة وخفيف الوزن وبالتالي لا يحمل الكثير من العتاد Hardware في داخله، وهذا يجعل التطبيقات الممكنة لهذه التكنولوجيا الجبارة محدودة، وتحتاج الكثير من الإبداع والتفكير.
كيف يمكنك أن تلعب لعبة حرب فضاء مع لاعب آخر في مدينة أخرى باستخدام هذه الأزرار القليلة إلا إذا أضفت أداة ملحقة، وفي هذه الحالة سيكون أسهل عليك أن تفعل ذلك من خلال الإنترنت، ولماذا تشاهد مباراة من خلال شاشة صغيرة جدا إذا كانت أجهزة التلفزيون مزروعة في كل مكان؟
كانت الإجابة التي طرحها اليابانيون والأوروبيون على هذا السؤال، دعونا نبحث عن تطبيقات يستخدمها الناس عندما يكونون بعيدين عن أجهزة كمبيوتراتهم وتلفزيوناتهم، أي في محطات القطار وأثناء الانتظار في البنك وفي صالات المطارات.
هذه الإجابة تحاول الاستفادة من نموذج الراديو الذي نجح في السيارات حين لا يمكن استخدام التلفزيون.
بالنسبة للعالم العربي، الأمر مختلف، لأننا من النادر أن نعيش لحظات انتظار هادئة.
ولذا فإن نجاح الجيل الثالث يعتمد على القدرة على إبداع أفكار جديدة تتعامل مع واقعنا وتجعل الناس يقبلون على استخدام هذه التكنولوجيا.
في رأيي الشخصي، هناك عدة شروط لنجاح تجربة الجيل الثالث عربيا، ومن أهمها:
- إيجاد نماذج اقتصادية في التسعير وبناء التكلفة مختلفة عن النموذج الغربي، بحيث تقل التكلفة كالتدرج في وضع البنية التحتية والتدرج في تقديم الخدمات، وبالتالي يمكن جذب عدد أكبر من المستخدمين.
- العرب معروفون بقضاء وقت طويل يوميا في المناسبات الاجتماعية، وهذا يتطلب الاهتمام بالـ”البرستيج” والبحث عن “ما يمكن الحديث عنه”، وشركات الاتصالات عليها أن تلبي هذه الميزة الاجتماعية الخاصة بنا، وتبحث عن أفكار إبداعية جديدة تتناسب معها وتجعل الناس يقبلون عليها.
بدون هذا الإبداع، لن ينجح الـ3G عربيا، في تقديري، إلا على مستوى الأجهزة، حيث يعرف عن دول الخليج أن لديها أحد أعلى المعدلات عالميا في عدد أجهزة الجوال التي يشتريها الشخص كل عام.
نحتاج دائما لما “نتحدث عنه” و”نتفاخر به” و”نضحك عليه” و”نتعارك به” و”نتسلى به اجتماعيا”، وعلى شركات الاتصالات أن تفهم نقاط ضعفنا وتستغلها.. لصالحها وليس للصالح العام طبعا!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية