الإرهاب سيستمر والحل «إدارة المعرفة»

من قسم سياسة
الإثنين 28 فبراير 2005|

أدهشني قرار مؤتمر مكافحة الإرهاب في الرياض المبني على توصية سمو ولي العهد عندما قرر تأسيس مركز عالمي لمكافحة الإرهاب، لأن هذا المركز من شأنه الخروج بالعرب عموما والسعودية خصوصا من دائرة “الضحية” الذي يهمه الدفاع عن نفسه والهروب من المآزق إلى دائرة “القوي” الذي يساهم في صنع الدوائر وتحديدها وتطويرها، كما يساهم بشكل ذكي في إعادة رسم الصورة الذهنية للمملكة.

ولعل البعض يستغرب كيف يمكن لمركز أبحاث أن يساعد في تحديد دوائر القوة، لكن هذا الإدعاء من طرفي مبني على فرضيات علم جديد اسمه “إدارة المعرفة” Knowledge Management، والذي يقوم في أحد أساساته على المقولة المشهورة “المعرفة قوة” _ والتي قيلت قبل 400 سنة بالضبط _ بمعنى أن المركز إذا ساهم في تطوير “المعرفة” المرتبطة بالإرهاب ومكافحته، وساهم في تسويق هذه الرؤى المعرفية بحيث تتبنى عالميا وتصبح جزءا من التفكير العالمي المرتبط بالإرهاب ومكافحته، فإن هذا يعني أن المملكة ستتأكد من خلال هذه العملية أن هذا التفكير سيكون عادلا وموضوعيا مراعيا للفروق الدينية والثقافية ويمنع من وقوع الضحايا الأبرياء.

علم “إدارة المعرفة” يطالب بتحويل البيانات إلى معلومات، والمعلومات إلى “معرفة”، والمعرفة هنا هي المعلومات مرتبطة بـ”الخبرة المكتسبة”، أي أن المعرفة تركز على الخبرة الإنسانية في التعامل مع مواقف معينة، وهذا معناه أن مركز مكافحة الإرهاب سيكون ناجحا في صناعة المعرفة إذا خرج من الدائرة الضيقة لجمع المعلومات إلى البحث عن التجارب المرتبطة بعلاج التطرف ومكافحة الإرهاب وبناء أطر ثقافية وفكرية عالمية في التعامل مع هذه الظواهر.

ونجاح المركز العالمي لمكافحة الإرهاب لا يرتبط فقط باتباع أساليب متقدمة وعميقة في عملياته المعرفية، بل أيضا سينجح لو أثبت موضوعيته وحياديته _ في مواجهة شعور عالمي بأن كل دولة تعامل معلومات الإرهاب بما يخدم مصالحها فقط _ ولو أمكن تسويق منتجاته البحثية والمعلوماتية بشكل مغري ولو أمكن تدويله ليعالج قضايا الإرهاب بأشكالها ودرجاتها المتعددة.

ولعله لا يخفى أن المركز بحاجة ماسة للارتباط بالمؤسسات الأكاديمية المتقدمة، حتى تصبح أبحاثه جزءا من التراث الأكاديمي، ويبني تحالفات قوية مع هذه المؤسسات، ولكن ما يهم أيضا أن يبني المركز تحالفاته مع جمعيات حقوق الإنسان بحيث يصبح أيضا وسيلة لحماية المتهم البرئ من الظلم، الأمر الذي حصل في آلاف الحالات منذ عام 2001، والضحايا في أكثر الحالات عرب ومسلمون وسعوديون كما هو معروف.

إن العالم بالرغم من الحملة المكثفة حاليا ضد التطرف والإرهاب يقف حائرا أمام الظواهر المرتبطة بالإرهاب، وقد عانت أمريكا نفسها من التطرف الداخلي _ والذي ظهر في انفجار أكلاهوما عام 1995 _ وعانت منه اليابان وأوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط وحتى اسرائيل داخليا، والكل سيكون سعيدا بالتطور المعرفي الذي يضمن إيجاد حلول لهذه الظواهر المحيرة والقاسية في نفس الوقت.

لقد بدأ التطرف _ أو الغلو _ مع بداية التفكير عند الإنسان، لأن هناك دائما أناس يفقدون القدرة على رؤية كل التوازنات ويقعون في “الزوايا الحادة”، حصل هذا في الأزمان القديمة، وفي حالة الخوارج الذين ظهروا والصحابة مازالوا يحكمون المسلمين _ والذين نالهم التكفير أيضا _ وفي حالات كثيرة متتالية سواء كان التطرف على المستوى السياسي أو الثقافي أو حتى الاجتماعي.

ما حصل في قرننا العشرين أن الأسلحة تطورت وصار من الممكن أن تستخدم السلاح لإحداث جرائم ذات أعداد كبيرة من الضحايا، وهو أمر لم يكن ممكن سابقا، وصارت مثل هذه الأسلحة حلا ممكن الاستخدام لكل من كانت لديه رؤية أحادية تتضمن الإيمان بقتل المخالف أو “العدو”، ولهذا سيستمر الإرهاب ما دام هناك تطرف وما دامت هناك متفجرات على وجه الأرض.

هذا يعني أن دور المركز سيبقى حيويا ومؤثرا ومحتاجا إليه حتى لو اختفت “القاعدة” أو غيرها من الجماعات المتطرفة.

بقي أن أتحدث عن نقطة هامة تتعلق بمؤتمر الإرهاب، وهي أن المؤتمر كان مهتما بشكل كبير بعلاج ظواهر الإرهاب بشكل علمي، وتحدث بالتفصيل عن الإرهاب كشكل من أشكال “الجريمة المنظمة” وتحدث عما يربط شبكات الإرهاب بشبكات المخدرات ومختلف أنواع المافيا، وتناول قضايا تجعله مؤتمرا علميا عالميا من الدرجة الأولى، لكن الأنشطة الإعلامية والأحاديث على هامش المؤتمر ركزت كلها على جانب “دعائي” مرتبط بتبرئة المملكة والدين الإسلامي من تبني الإرهاب وتوليده، مما أفقد المؤتمر طابعه العلمي وجعل الكثير من وسائل الإعلام العالمية تقدمه وكأنه محاولة للدفاع عن النفس.

إن منطق المؤتمر واضح، الإرهاب ظاهرة عالمية، وقع الجميع ضحيتها، وقد اجتمع الخبراء وممثلو الدول ليناقشوا هذه القضية، وكان التركيز على هذا المنطق كفيلا بإبعاد المملكة عن دائرة الاتهام، لأنها كما قال الأمير سعود الفيصل في مؤتمره الصحفي تحقق ما طالب به من معاملة السعودي والعربي كـ”إنسان” لا يزيد ولا يقل عن كل إنسان في الغرب أو الشرق!!

* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية