كمثل كل موسم انتخابات أمريكية، يقف العرب في أمريكا متحسرين على الفرص الضائعة التي كانت ستتحقق لهم لو كان لهم “لوبي” قوي يعكس القوة العددية للعرب والمسلمين في أمريكا.
ولعل ما يفاجئ الكثيرين إن هذه القوة تزيد كميا عن القوة العددية لليهود الأمريكيين الذين يفخرون بتكوينهم لأحد أقوى مجموعات الضغط السياسية تأثيرا في الدولة التي تقود العالم اليوم.
وقد يختلف الناس في تقديرهم لقيمة الانتخابات الأمريكية بين من يعتقد أن الحزب الحاكم لأمريكا _ جمهوريا أو ديمقراطيا _ يرسم مستقبلها بناء على فلسفة الحزب، ويؤثر في مستقبل العالم بحكم مكانة أمريكا فيه، وبين من يعتقد أن الرؤساء الأمريكيين هم مجرد متحدثون رسميون باسم المؤسسات الحاكمة لأمريكا والتي لا تتغير سياساتها، لكن الحقيقة التي لا ينبغي أن يختلف فيها أحد هي أن الانتخابات الأمريكية تمثل النقطة الفاصلة التي تظهر فيها قوة مختلف المجموعات السياسية في أمريكا، وأنه حين ينتصر رئيس أمريكي، تنتصر معه مئات المجموعات السياسية وجماعات الضغط التي ناصرته وناصرت أفكاره.
ولعل أكثر من يحتاج أن يفكر في وجوده على لوحة شطرنج الانتخابات الأمريكية هم العرب والمسلمون الذين يبدو أنهم صاروا جزءا أساسيا من التفكير الأمريكي العالمي، وصاروا أحوج ما يكون لوجود داخلي يساعدهم على إيصال صوتهم وإيضاح الحقيقة والضغط على صناع القرار، وهذا ممكن بالطبع لو أصبحوا جزءا من المعادلة السياسية الأمريكية الداخلية.
والحقيقة إن الجالية المسلمة والعربية في أمريكا تبذل بعض الجهود لبناء لوبي سياسي أمريكي يدافع عن مصالحهم، ولكن هذه الجهود ضعيفة غير منظمة تعيش انقسامات على امتداد الخطوط الفكرية/ الأيديولوجية والانتماءات الوطنية، والعرب والمسلمون في أمريكا ومن وراءهم الحكومات العربية والإسلامية لديها آمال بأن يقوى هذا اللوبي وينهض ليحقق المطلوب منه.
أحد أهم المشكلات التي تواجه العرب في أمريكا هو تركيزهم على القضية الفلسطينية، وتركيز الحكومات العربية التي تدعمهم على القضية ذاتها، والمشكلة الرئيسية أن هذا التركيز يضعهم وجها لوجه مع اللوبي الصهيوني الذي استمتع لعقود من الزمن بالضغط على الأمريكيين فيما يتعلق بمصالح إسرائيل دون وجود أي مقابل يحقق الموازنة مما جعل أمريكا منحازة كلية للرؤية الإسرائيلية ضد الرؤية العربية.
هذه الحقيقة وهذه الحاجة الماسة للصوت العربي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يجب ألا ينسينا أن عرب واشنطن ضعيفون لديهم القليل جدا من المال والخبرة والإمكانيات البشرية مقابل اللوبي الصهيوني الذي يتمتع بالخبرة والمال والنفوذ “الخرافي” في مجالات السياسة والإعلام والاقتصاد والفن في أمريكا.
العرب في أمريكا، في رأيي الشخصي، يحتاجون لتجنب القضية الفلسطينية في الوقت الحالي وترك القضية للمحافل الدولية حتى يمكنهم التركيز على القضايا الأخرى ولا يجعلون أنفسهم على قائمة الحروب التي يقرر اللوبي الصهيوني خوضها، وعلى الحكومات العربية والإسلامية أن تقدر هذا وألا تطالبهم بدور مكثف فيما يتعلق بهذه القضية مقابل الدعم المالي.
بدلا من القضية الفلسطينية، يحتاج العرب في أمريكا ليركزوا على القضايا الأمريكية نفسها التي تركز عليها المؤسسات السياسية لأن هذا يعطي الصورة الذهنية بأنهم جزء حقيقي وليس أجنبي من أمريكا، ولأن هذا يساعدهم على دخول الجسد السياسي الأمريكي بقوة من خلال التفاعل مع الشعب الأمريكي المهتم بهذه القضايا، وعلى العرب أيضا أن يعلموا أن أمامهم دور ضخم ليقوموا به من خلال الوساطة بين العرب وبين أمريكا، وهذا دور يحتاجه الأمريكيون _ الذين يستغربون سوء فهم العرب لهم _ ويحتاجه العرب كما نعلم، وهذا يجعلهم رقما صعبا في المعادلة، لو أحسنوا تدبير ذلك.
كيف يستطيع عرب أمريكا الحصول على الدعم المادي؟ وكيف يتجنبون الآثار السلبية لـ11 سبتمبر؟ ولمن ينبغي أن يصوت العرب والمسلمون؟
للجمهوريين المعروفين برؤيتهم الاستراتيجية العالمية التي لا تعرف المجاملة ولا تتفهم مصالح الضعفاء، أم الديمقراطيين الذين تبدو آمالهم في الفوز بهذه الانتخابات ضعيفة جدا، وهم أيضا ليسوا بعيدين عن العلاقة الحميمة بإسرائيل، هذه أسئلة سأحاول الإجابة عليه في مقالات قادمة.
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية