«أخبر المشتركين الأغبياء عن أهمية السهم وروعته، وهم كالغنم سيركضون لشراءه.. ارمي أسهمك التي اشتريتها من قبل على هؤلاء الفاشلين، وشاهد سعر السهم وهو يرتفع بسرعة، ثم اضحك على الطريق إلى البنك».
هذه العبارات مأخوذة من فيلم أمريكي جديد بعنوان Boiler Room، والذي يعرض لقصة نصاب يستفيد من إمكانيات الاستثمار على الإنترنت في النصب على الناس.
لكن الهيئة الفدرالية الحكومية المتخصصة في الإشراف على تجارة الأسهم الأمريكية، تؤكد أن هذا السيناريو حقيقي تماما وقد يؤثر بشكل سلبي حاد على أكثر من عشرة ملايين شخص يستعملون الإنترنت كوسيط للاستثمار، بالإضافة لعشرات الملايين من الآخرين الذين يستعملون الإنترنت كوسيلة معلومات يستندون عليها في قرارتهم الاستثمارية.
ببساطة هذا الاحتيال قد يضعف ما رآه العالم إنجازا خارقا للشبكة العنكوبوتية في كونها سمحت لملايين الناس دخول عالم الاستثمار برؤوس أموال صغيرة بعد أن كان ذلك مستحيلا، وكونها سمحت للناس الحصول على معلومات كاملة عن أي شركة أو سهم معين بمجرد ضغطة زر.
مؤلف نص الفيلم Boiler Room، هو واحد من الذين قاموا بعمليات النصب هذه، واسمه دوجلاس كولت.
قام كولت، وهو طالب قانون في السنة الثالثة بجامعة جورج تاون الأمريكية الشهيرة، بعمليات النصب هذه، مستعينا في ذلك بوالدته وثلاث طلاب قانون آخرين من زملائه والذين حققوا ربحا مقداره 345 ألف دولار من هذه العمليات والتي ستبدو لك شرعية في كل خطواتها، إلا أنها في النهاية مثلت مقلبا خسر الآخرين بسببه مئات الألوف من الدولارات.
كولت، قام بالبحث عن سهم رخيص غير معروف وقليلا ما يتاجر به الناس، ووقع اختياره في النهاية على سهم شركة التعليم الأمريكية والتي يبلغ سعر سهمها دولار واحد فقط.
في 5 مارس 1999، قام كولت بشراء 19 ألف سهم في يوم واحد، الأمر الذي رفع سعر السهم قليلا بناء على مؤشرات الطلب العالية، والتي جعلت بعض المستثمرين المراقبين يشعر أن هناك أمرا جديدا ما في الشركة يدفع الناس للإقبال عليها بهذا الشكل المفاجئ، مثل اختراع جديد أو استراتيجية تسويق جديدة أو غيره، غير مدركين أن المشتري هو شخص واحد لا غير.
بعدها بدأ كولت، بإرسال رسائل إلكترونية إلى كل حلقات النقاش المتخصصة في أسعار الأسهم، مغريا الناس بشراء السهم على أساس أن أسعاره سترتفع وأن الأرباح ستكون غير عادية، كما فعل الشئ نفسه من خلال موقعه على الإنترنت، وهو موقع يستخدمه كولت لعمليات النصب هذه، حيث يقوم بنصيحة الناس لشراء أسهم معينة على أساس أنه خبير في الأسهم.
في نفس اليوم، بدأ إقبال سريع للناس _ بسبب هذه الحملة الدعائية _ على سهم الشركة، والذين اشتروا في يوم واحد مائة ألف سهم، ليرتفع السهم في الساعة الثانية والنصف ظهرا إلى عشر دولارات أمريكية متضاعفا بذلك عشر أضعاف.
يبيع كولت، أسهمه بسرعة وسط هذه الضجة ليحقق في يوم واحد ربحا مقداره 41 ألفا دولارا، يدفع منها نسبة للآخرين الذين ساعدوه بإرسال رسائل إلكترونية يتحدثون فيها عن مستقبل السهم المشرق، ثم ليترك السهم لينهار بعد ذلك وليصل إلى دولار واحد من جديد، محققا بذلك خسارات كبيرة لكل الناس الذين أغراهم تشجيع كولت، واشتروا السهم بأسعار مرتفعة، ومسببا أيضا اضطرابا في مؤشرات السوق المالية الأمريكية وفي سجل الشركة المالي.
هذا شجع هيئة سوق المال الفدرالية لملاحقة كولت، وأخذ تعهد عليه بعدم تكرار ذلك في المستقبل مع دفع بعض التعويضات، إلا أن الذي يحير الأمريكيين أن خطوات العملية كلها قانونية ولا غبار عليها على الإطلاق.
يقول كيفين ليتشتمان، والذي لديه موقع على الإنترنت بعنوان «محقق الأسهم» يكشف من خلاله عمليات النصب هذه، أن بعض الأشخاص يقوم باستخدام خدمات العلاقات العامة المتخصصة، والتي يمكن لأي شخص إعطائهم بيانا إخباريا مقابل مبلغ رمزي معين، حوالي 500 دولار، وتقوم هذه الخدمات بتوزيع الأخبار على مختلف مصادر الأخبار الصحفية والتلفزيونية والمصادر على الإنترنت على تنوعها، وبالتالي ضمان عدد كبير من القراء والذين قد يشترون السهم ويساهمون في ارتفاع حركة الطلب ومن ثم رفع سعر السهم.
الشرطة الإلكترونية!
تبلغ عدد الشكاوى الرسمية التي تصل هيئة سوق المال الفدرالية يوميا حول مثل هذه العمليات حوالي 300 شكوى، وهذا دفع الهيئة لإيجاد «شرطة إلكترونية» مكونة من 250 شخص، متخصصة في ملاحقة هذه العمليات من خلال البحث على مواقع الإنترنت عن أي نصائح ومصادر مشبوهة، ثم ملاحقتها وتحذير الناس منها.
شركة «ناسداك»، والتي تصدر مؤشر «ناسداك» الشهير، عينت أيضا خمسين محقق لملاحقة هذه العمليات.
في واحدة من العمليات التي كشف عنها، تم القبض على اثنين من طلبة الصيدلة بجامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس، والذين استخدموا كمبيوترات الجامعة في رفع سهم شركة «ني إي آي»، من خلال أكثر من 500 رسالة إلكترونية لمواقع الأسهم الشهيرة، بالرغم أن الشركة المتخصصة في مجال الطباعة كانت قد أعلنت إفلاسها قبل ذلك بفترة.
قبل أن يبدأ الطلبة بذلك قاموا بشراء 97% من أسهم الشركة بسعر 5 سنتات، وبدأ سعر السهم يرتفع تدريجيا على أساس أن هناك عرض شراء للشركة المفلسة من شركة مشهورة، ليصل سعر السهم في النهاية إلى 5,15 دولارا .
طلبة كاليفورنيا حققوا ربحا مقداره 363 ألف دولار أمريكي بعد أن باعوا أسهمهم بالسعر المرتفع، وهم ينتظرون محاكمة قريبا وتهمتهم الوحيدة هي الكذب على الناس باستخدام معلومات غير صحيحة عن الشركة.
طلبة كاليفورنيا لم يكونوا طلبة قانون ولذا لم يستطيعوا إحكام لعبتهم قانونيا.
مثال ثالث على عمليات النصب هذه شاب كوري مقيم في نيويورك يسمي نفسه، طوكيو جو، والذي أسس موقعا على الإنترنت سماه بـ«نادي الاستثمار»، تبلغ قيمه الاشتراك فيه 200 دولار أمريكي، وكان الشاب الكوري واسمه الحقيقي، يون سو آه بارك، يقدم فيه نصائح بشراء أسهم بعد أن يكون هو نفسه قد اشتراها مما يرفع سعرها، بعد ذلك ويقوم بارك، ببيع أسهمه بعد أن يقبل الناس عليه.
ليس ذلك فحسب، فقد بدا ذلك للناس نجاحا لأن طوكيو جو، حسب ما يظهر للمشتركين في ناديه، يصدق دائما في توقعاته، لأن كل أسعر الأسهم التي ينصح بها ترتفع بعد ذلك، كما أنه حين ينصح الناس ببيع سهم معين ينخفض سعر السهم بعد ذلك، دون أن يدري أحد أنه يحقق الكثير من الأرباح من وراء ذلك.
الخطأ القانوني الذي ارتكبه الشاب الكوري أنه قام بالاتصال ببعض الشركات ليأخذ منهم عمولة مقابل رفع أسعر أسهمهم في السوق، وهو أمر غير قانوني في أمريكا.
الهيئة الفدرالية قامت بحملة إعلامية نشرت فيها مجموعة من النصائح مثل عدم شراء سهم شركة ما إلا بعد التأكد من مصادر موثوقة أن الشركة لها مستقبل نجاح، والتأكد من مصادر النصائح على الإنترنت، وكان عنوان الحملة «إذا كانت المعلومات على الشبكة فهذا لايعني أنها صحيحة».
لكن القضية مازالت من ناحية قانونية جديدة ولم تصدر فيها قوانين صارمة بعد لصعوبة تحديد جوهر العملية وتمييزها عن عمليات تقديم النصائح بناء على الخبرة وليس الرغبة في النصب، وهذا ما يجعل طلبة القانون أكثر من يستفيد من هذه العمليات.
جامعة جورج تاون، قررت بناء على ذلك إعطاء طلابها دورة متخصصة في مجال «المسؤوليات الأخلاقية للمحامي»، لعل هذه الدورة تمنعهم من التلاعب بالقانون لصالحهم، هل تظن أن هذا سينفع؟