هل هو حقا «جهاد» باستخدام الكمبيوتر كما يدعي بعض هؤلاء «المجاهدين»؟ أو أنه تبرير لممارسات المراهقين التي تنتشر حول العالم وتشكل خطرا أساسيا على شبكات المعلومات حول العالم؟ هل يجوز أصلا مثل هذا الفعل شرعا قبل أن نتساءل عن حكم استخدام مظلة «الإسلام» في ممارسته؟
الحديث هنا عن «مقتحمي شبكات الكمبيوتر»، والذين يقومون بغزو شبكات الكمبيوتر حول العالم وسرقة المعلومات منها بعد تدمير رموزها السرية، وأحيانا الاستفادة من هذه المعلومات في صالحهم الشخصي مثل إضافة أموال في حساباتهم الشخصية في البنوك من خلال تغيير الأرقام بعد دخولهم على شبكة كمبيوتر البنك.
لا تحسب أن الأمر مقتصر على مجموعة بسيطة من صغار السن العباقرة الذين يمكنهم فعل ذلك، فلهذا الأمر عصاباته المنظمة التي لها مواقعها العلنية على الإنترنت، وهي تجول وتصول دون أن يمكن حتى الآن إيجاد الاحتياطات التي تحمي شبكات الكمبيوتر منهم.
في الشهر الماضي؛ أعلن مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي عن أن مراهقين أمريكيين اثنين لا تزيد أعمارهما عن 15 عاما، قد اعترفا بجريمتهما في تنظيم أكبر وأخطر هجوم من نوعه على شبكات كمبيوتر الجيش الأمريكي في شهر فبراير الماضي، وأن الإثنين سيتحدد عقابهما لاحقا على أساس قانون جرائم الأحداث (أقل من 18 عاما).
وقال المدعي العام الأمريكي إن هذين المراهقين، واللذين لم يعلن رسميا عن هويتهما، قد دقا أجراس الإنذار في الأوساط الحكومية حول الحالة الأمنية الضعيفة لشبكات كمبيوتر الحكومة الأمريكية، مشيرا إلى أن أي هجوم من هذا النوع قد يُحدث تأثيرا واسعا على أعمال ومهام الأجهزة العسكرية والمدنية الحكومية.
وكان مكتب التحقيق الفدرالي قد هاجم منزلي هذين المراهقين في مدينة كلوفردال، والتي تبعد 120 كلم شمال مدينة سان فرانسيسكو على الساحل الغربي للولايات المتحدة، ليجد مجموعة من أجهزة الكمبيوتر والبرامج التي أكدت أنهما الشخصين الذين أقلقا وزارة الدفاع الأمريكية بدخولهما اليومي على شبكة كمبيوترها الخاصة، والتي تحتوي على ملفات في غاية الحساسية، واختراق كل الأنظمة الأمنية المعدة لمنع مثل ذلك، وتم اكتشاف المراهقين بجهود مكثفة مشتركة من مكتب التحقيق الفدرالي ووزارة الدفاع الأمريكية ووكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
وكان أكبر ضحايا هجوم هذين المراهقين شبكة معمل ليفرمور الوطني التابع لوزارة الدفاع، وسبع شبكات تابعة للطيران الأمريكي، واللذين صرحا رسميا هذا الأسبوع بأن هذا الاختراق هو الأكبر من نوعه في التاريخ الأمريكي، حيث لم يكتف هؤلاء باكتشاف المفاتيح السرية الإلكترونية للبرامج، بل قاموا بتغييرها، كما قاما من بيوتهما بإعادة برمجة هذه الشبكات بما يسمح لهما بدخول كامل على كل ملفاتها، الأمر الذي لم يكن متاحا إلا لأكبر الشخصيات في هذه الجهات.
أيضا؛ قاما هذان المراهقين بإدخال برامج جديدة في الشبكة تسمح لهما بتخزين وطباعة أي ملفات في الشبكة وتسمح لهما الدخول للشبكة في أي وقت يريدان حتى لو وضعت أي أنظمة أمنية جديدة تمنع ذلك.
الغريب أن الشكوى جاءت في البداية من شركة كمبيوتر محلية لخدمات الإنترنت، لكن التحقيق اكتشف بعد ذلك أن هذين المراهقين اخترقا القاعدة الأصلية لشبكة الإنترنت والتي تعتمد عليها كل اتصالات الجيش الأمريكي في العالم، كما اخترقا شبكة جامعة كاليفورنيا، وشبكة معهد التكنولوجيا بماساشوستس، وهو المعهد المعروف في أمريكا باختراع الأنظمة الأمنية المخصصة لحماية شبكات الكمبيوتر، وأربع شبكات للبحرية الأمريكية، وعدد من مراكز الأبحاث الحكومية السرية، ومركزين حكوميين في المكسيك، ومركز أبحاث في إسبانيا، ومدرسة تقنية في اليابان، بالإضافة لعدد من الشبكات الصغيرة المرتبطة بشبكة الإنترنت.
القبض على المراهقين جاء بعد ملاحقة مليئة بالإثارة انتهت بتأسيس مركز مؤقت لمكتب التحقيق الفدرالي في المدينة التي لا يزيد عدد سكانها عن 5000 شخص، إلا أن مفاجأة رجال المكتب الـ23 الذين اقتحموا البيت أن خصومهم مجرد مراهقين طلاب في المدرسة الثانوية بالمدينة.
اعتراف المراهقين جاء باتفاق مع الحكومة الأمريكية بعدم سجنهما، ولكنهما سيوضعان تحت المراقبة الكاملة التي تمنع استخدامهما لأجهزة الكمبيوتر بدون وجود مشرف معين من الحكومة الأمريكية على ذلك الاستخدام طوال الوقت.
أيضا لن يسمح للإثنين باستعمال أي أجهزة كمبيوتر متطورة سواء بوجود مشرف أو بدون.
وقد أثار الهجوم حفيظة عدد من المحللين الاستراتيجيين الأمريكيين الذين أكدوا أن ضعف الأنظمة الأمنية الموجودة حاليا في العالم لحماية شبكات الكمبيوتر قد يعني أن أي دولة منافسة أو معادية للولايات المتحدة سيمكنها الدخول على هذه الأنظمة والتأثير بشكل فعال على أمن الولايات المتحدة.
لكن وزارة الدفاع الأمريكية ردت رسميا بأن الشبكات الخطيرة ذات الارتباط المباشر بأمن الولايات المتحدة مازالت محمية بشكل جيد ولم يتم اختراقها حتى الآن.
الرد جاء من نادي خاص بأولئك الذين يحاولون اختراق شبكات الكمبيوتر، والذين بثوا على شبكة الإنترنت ملفات مأخوذة من شبكات وزارة الدفاع، إلا أن الوزارة ردت بأن هذه الملفات غير سرية تماما، ويمكن للكثيرين من العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية الدخول عليها.
النادي، واسمه «سادة الكمبيوتر 2016216»، أعلن عن تحديه للوزارة، وأنه حاليا قد استطاع اختراق شبكة الاتصالات الخاصة بالوزارة، وسيصل لأكثر الملفات سرية خلال أشهر.
وزارة الدفاع الأمريكية اعترفت الثلاثاء الماضي بهذا الاختراق لشبكة الاتصالات، وليس للملفات، الذي أعلن عنه النادي ذو الرقم الغريب الذي لم يستطع أحد تفسير معناه.
هذا النادي أعلن أيضا عن إمكانية بيعه لهذه المعلومات لأي شبكات إرهابية عالمية، وهو الإعلان الذي يجعل من اختراقهما جريمة فدرالية قد تصل عقوبتها للإعدام في حال القبض على أحد من أفرادها.
أيضا؛ أعلنت جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية الشهيرة هذا الأسبوع، أن مجموعة تسمي نفسها «الاقتحام من أجل الفتاة 13زد»، دخلت على موقع الجريدة على الإنترنت، والذي يعتبر مصدرا إخباريا أساسيا لعدد كبير من المشتركين فيه، واستطاعوا إيقاف الموقع عن العمل من خلال وضع صور ضخمة إباحية على الشاشة لكل من يدخل عليها، بحيث لا يمكنك رؤية الكلام من خلف الصور.
الجريدة اضطرت بعدها أن توقف موقعها على الإنترنت لتغير رموزه السرية، ثم تعود لبث الموقع من جديد بعد حوالي عشر ساعات.
هذا لا يعني نهاية المشكلة، فهؤلاء من خلال القليل من الجهد سيعرفون الرموز الجديدة، وقد يدخلون مرة أخرى على الموقع، وهدف هؤلاء المعلن مع الصور نفسها هو الانتقام من المحرر العلمي بالجريدة الذي دأب على الهجوم على مقتحمي شبكات الكمبيوتر، وبالذات واحد من زعمائهم واسمه كيفين ميتنيك، والذي سُجن لاقتحامه عدة شبكات كمبيوتر، ولكنه دون أن يتلقى حقه في محاكمة قانونية، لأنه حسب تحليل البعض خطر جدا، وخافت الحكومة الأمريكية من إقناعه لهيئة المحلفين ببراءته، إذا ما سمح له بالمحاكمة، ويعتقد أن جريدة «نيويورك تايمز»، كانت وراء هذه الحملة القاسية ضد ميتنيك.
ثلاث مواقع أخرى على الإنترنت كانت قد تعرضت في الفترة الأخيرة لمثل هذا الغزو واضطرت للانسحاب لساعات طوال حتى أمكنها العودة، وهذه المواقع هي مواقع شركة موتورولا، ووزارة العدل الأمريكية، والمخابرات الأمريكي CIA.
الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، كون لجنة خاصة مرتبطة به شخصيا لوضع حلول تكنولوجية وقانونية لهذه المشكلة، إلا أنه يعتقد أن هذه اللجنة قد تعطلت أعمالها جزئيا بسبب انشغال الرئيس في مشكلته الحالية منذ حوالي ثمان أشهر.
مجموعة من الشباب المسلمين حول العالم أسسوا ناديا سموه «نادي مقتحمي شبكات الكمبيوتر المسلمين» MHC، وهم يدعون أن هدف النادي هو «تقوية مهارات الاقتحام لدى الأمة الإسلامية»، ويضيفون في تقدمة لموقعهم «لقد قدمنا هنا عددا من المصادر لمساعدتك على حل مشكلتك، والدفاع عن نفسك ضد الكفار واليهود».
في الإعلان عن الموقع كانت الرسالة تقول بأن هدف الموقع إيجاد الشباب القادر على غزو الكفار و«جهادهم» من خلال اقتحام شبكات الكمبيوتر لديهم وتطعميها بالفيروسات المدمرة.
هل هذا صحيح؟
استطعت الاطلاع على رسالة واحدة فقط أرسلت بالخطأ لحلقة نقاش إسلامية عامة بدلا من حلقة النقاش الخاصة بالمجموعة، وفيها يقول مرسلها أنه يطلب مساعدتهم في غزو شبكة كمبيوتر خاصة بشركة تزود الناس بخدمة الإنترنت في باكستان، وذلك «لأنهم يأخذون من الناس الكثير من الناس مقابل خدمات الإنترنت»، والرسالة موقعة باسم «أخوكم في الإسلام».
وإن كان أفراد هذه المجموعة لا يعتمدون على البريد الإلكتروني في المراسلة بحكم أنه يسهل مراقبتها، بل على غرف الدردشة العامة على الإنترنت، حيث يتفقون على موعد يلتقون هناك ليتحاوروا مع بعضهم بعد طرد كل الموجودين في الغرفة من قبل باستعمال برنامج كمبيوتر ألماني بسيط جدا.
على موقع النادي على الإنترنت، معلومات مكثفة جدا تصل لمئات الصفحات حول اقتحام مختلف أنواع شبكات الكمبيوتر وأنظمة التشغيل وطريقة كسر كلمات السر وتدمير أنظمة الكمبيوتر باستعمال البريد الإلكتروني وكيفية معرفة مصدر رسالة بريد إلكترونية ما، وبالمقابل كيفية إرسال رسائل إلكترونية لا يمكن معرفة مصدرها، وكيفية بناء فيروسات مختلفة وتطعيم الشبكات بها، ومعلومات عن الأجهزة والتقنيات اللازمة وحل المشاكل التكنولوجية التي قد تواجههم، وعلى الموقع مثالين لإنجازات لمقتحمين هي الرموز السرية الخاصة بشبكة أمريكا أون لاين، أكبر شبكة مزودة لخدمة الإنترنت في العالم، وأسماء أفراد الحرس السري الخاص بالبيت الأبيض الأمريكي.
حسب ما يتحدثون عن أنفسهم، مقتحموا شبكات الكمبيوتر يقولون إنهم أشخاص ليسوا بسيئين حسب ما يعمم الإعلام الهجوم عليهم، بل هم أشخاص أذكياء لم تستوعبهم أنظمة المدارس البطيئة والعقيمة والمكررة، فضوليون وصبورون وهدفهم ليس تدمير الآخرين، بل التعلم وإشباع الفضول واكتشاف دقائق المعلومات.
وهم عادة يحتفظون بحياتهم في خصوصية بعيدا عن أي آخرين من حولهم، لأن أي اكتشاف بسيط لهم يعني نهايتهم في السجون.
في الموقع يستعمل كاتبو المعلومات أسماء سرية عرفوا بها مثل «أحرق العلم» و«الكذب غير المحدود» و«الظلام الجديد».
ويفخر أعضاء النادي المسلمين أن أول فيروس كمبيوتر معروف في العالم واسمه «براين»، والتي تعني عقل أو دماغ طوره أخوان باكستانيان مسلمان من مدينة لاهور الباكستانية.
حسب ما ذكرنا سابقا، قد يصعب نسبة هذا الموضوع للإسلام أو لـ«الجهاد»، والأمر بالتأكيد يحتاج لفتوى أهل العلم في هذه القضية التي ينمو خطرها مع تزايد الاعتماد على شبكات الكمبيوتر
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية