توجد على الإنترنت مجموعة حلقات نقاش معنية بالمسائل العلمية المرتبطة بالإسلام واللغة العربية، وربما كانت المفاجأة أن معظم القائمين والمشتركين في هذه الحلقات ليس من المسلمين، بل من الأكاديميين الغربيين المعنيين بدراسة الإسلام والعالم الإسلامي واللغة العربية لأي غرض كان ذلك.
متابعة النقاشات التي تدور على هذه الحلقات تكشف بوضوح تنامي الاهتمام في الولايات المتحدة خاصة بالدراسات الإسلامية، مثل هذا الاهتمام ربما كان له أثر إيجابي حين يطلع مثل هؤلاء على المصادر الإسلامية وتتضح لهم الصورة الحقيقية للإسلام، وربما نقل هؤلاء كأكاديميين ومتخصصين هذه الصورة لمن يتصلون بهم من الناس أو من خلال مؤلفاتهم.
من جهة أخرى، هذه الحلقات تبين لك أن كثير من هؤلاء يعتمد على كتب غربية أساسا في معلوماته وهذه الكتب في كثير من الأحيان قدمت الحقيقة مشوهة وضعيفة ومليئة بالتناقضات التي لا تعطي إلا أسوأ صورة عن الإسلام.
حلقات النقاش هذه مفتوحة للجميع وهي بطريقتها الحالية واجتذابها لجمهور واسع من المهتمين بالدراسات الإسلامية في الغرب (بعضهم من المسلمين ولكن غالبا من البعيدين تماما عن المصادر الإسلامية)، وربما كانت المشاركة في هذه الحلقات وسيلة مثالية لتحسين صورة الإسلام، وتصويب الأخطاء التي يمكن ملاحظاتها أثناء النقاش لدى المشتركين.
لكن هذه المشاركة حتى تكون فعالة لابد أن تأتي ممن يتقن أصول الحوار الأكاديمي، ويحرص على تقديم المعلومة موثقة بعيدا عن أي انفعال في الحوار مع الكثير جدا من «احترام رأي الآخر»، وهي البنية الأساسية في أي حوار من هذا النوع.
طبعا هذا لا ينسينا الحل الأهم والذي يحل المشكلة من جذورها، وهو الاهتمام بتأليف كتب «أكاديمية» باللغة الإنجليزية التي تقدم الإسلام بصورته الصحيحة من خلال مناقشة المحاور التي تدور عادة في الدراسات الغربية حول الإسلام والمسلمين، ويحصل فيها التشويه والأخطاء.
واحدة من هذه المجموعات اسمها «إسلام»، ويشرف عليها الدكتور جوسيف روبرتس، بإدارة العلوم السياسية بجامعة يوتاه الأمريكية.
هذه المجموعة متخصصة أساسا في «تاريخ الإسلام»، وإن كان يحصل فيها نقاشات حول مختلف القضايا الإسلامية، ومعظم المشاركين فيها من الأمريكيين.
نموذج من الرسائل على الشبكة في الفترة القريبة الماضية كان تعريف شخصي قدمه كل مشترك بنفسه تحدث فيه عن التخصص الدقيق الذي يركز فيه بحثه ودراسته، وذلك بمناسبة بداية عام دراسي ووجود طلاب جدد، وكان من أغرب هذه التعريفات ما جاء في رسالة لـ«مايك باكر»، والذي قال إنه مهتم بالعلاقات بين الدول الإسلامية وجيرانها في الفترة ما بين 1500 إلى 1650، بالإضافة لاهتمامه الشخصي برواية القصص ورواتها بين قادة القوافل في العالم الإسلامي!
أيضا كان هناك نقاشات حول الكتب التي يمكن تدريسها أو اعتمادها كمراجع في فصول الدراسات الإسلامية المنتشرة في مختلف الجامعات الأمريكية.
على سبيل المثال، سموكي أرديسون، ذكر أنه يحب كتاب هدجسون، مغامرات في الإسلام، وأن هذا الكتاب فيه كل الميزات العلمية الراقية، ولكنه يعتقد أنه سيكون صعبا على الطلاب، وخاصة بسبب دقة هدجسون، في كتابته ورقي لغته، ويقول إنه يفضل كتاب جون اسبوزيتو، وعنوانه «الإسلام: الطريق المستقيم»، وكتاب جون سابيني، أساسيات الإسلام (منشور في واشنطن عام 1990)، لكونه يغطي الإسلام كديانة وكتاريخ بلغة سهلة.
د. جوزيف روبرت، المشرف على مجموعة النقاش، قال إن كتاب اسبوزيتو، هو الأفضل لكونه سهل القراءة وصغير ورخيص الثمن. مشارك آخر اقترح كتاب «تاريخ المجتمعات الإسلامية» لإيرا لابيدوس، و«ترجمة أعمال الإمام الغزالي» لمونتجمري وات، وسيرة حياة يوسف علي، مترجم أكثر ترجمات القرآن الكريم انتشارا في أمريكا، و«الجهاد الإسلامي» والذي يروي قصة حياة مالكوم إكس.
الكتاب الوحيد الذي اقترح في كل النقاش من تأليف شخص ينتمي للعالم العربي هو كتاب «محمد» لمحمد هيكل!.
إيمان، كانت الوحيدة المسلمة التي شاركت في النقاش والتي اعترضت بشكل أكاديمي على تدريس كتاب اسبوزيتو، لكونه يحمل تشويها كبيرا جدا للإسلام، وسيرة النبي، صلى الله عليه وسلم، مبينة بعض هذه التشويهات الخطيرة في كل فصل من فصول الكتاب، وخاصة أن الكتاب يقدم المسلمين في المدينة «كإرهابيين» ضد المشركين في قريش، وأنه يدعي أن تمسك المسلمين بالإسلام هو الطريق الذي يعترضهم في مسيرتهم الحضارية.
نقاش آخر دار أيضا حول أفضل الأقراص المدمجة المتوفرة حول الإسلام.
مجموعة نقاش أخرى من هذا النوع معنية بالنقاش حول «الفنون الإسلامية» ويشرف عليها د. آلان فيشر، من جامعة ولاية مشيغان.
ومن النقاشات التي دارت بين أفراد المجموعة في الفترة الأخيرة نقاش حول برامج الكمبيوتر العربية، ونقاش حول الشخصيات التي تشكل رموزا شعبية في التراث الإسلامي، وموضوعات أخرى مثل الدراسات المتعلقة بالتصوير الزيتي والنحت عند المسلمين، الرموز الخرافية في فنون العصور الوسطى الإسلامية، استعمال الحيوانات كرموز في الآداب الإسلامية، مثل كليلة ودمنة، والأعمال الفنية حول «السلاطين» في التاريخ الإسلامي، ونقاشات حول العملات الإسلامية (هناك معرض ضخم حاليا في فرنسا للعملات الإسلامية والعربية).
نقاش طويل حصل حول كيفية كتابة العربية بالحروف الإنجليزية، وما توصلت إليه بعض مؤتمرات عقدت في أمريكا بهذا الخصوص، وهدف ذلك هو التوصل لطريقة يتفق عليها الجميع لكتابة الأسماء العربية وعناوين الكتب العربية، فبدلا من كتابة اسم «محمد» مثلا بسبعة أساليب مختلفة في الحروف الإنجليزية، يتبع أسلوب موحد يجعل استعمال أدوات البحث الإلكترونية أسهل بهذا الخصوص.
هناك أيضا ثلاث مجموعات نقاش متخصصة في الدراسات المتعلقة باللغة العربية، وإن كانت هذه المجموعات تحتوي على نقاشات «علمية» متعددة حول الإسلام والمسلمين بشكل عام. مجموعة يشرف عليها قسم دراسات اللغة العربية بجامعة إنديانا الأمريكية، ولهذه المجموعة عدد كبير جدا من المشتركين يوجد بينهم عدد لا بأس به من العرب والمسلمين.
من الموضوعات التي دار النقاش حولها في الفترة الأخيرة، مواقع على الإنترنت حول الرسم التشكيلي العربي، مؤتمر في إيرلندا حول الاستعمار، الزواج والطلاق في دول الخليج العربي، كتابة النص القرآني العربي باللغة اللاتينية!!
حسب النقاش توجد عدة طبعات للمصحف الشريف بالنص العربي، ومعه النص نفسه مكتوب بالحروف اللاتينية، وترجمة معاني القرآن للإنجليزية، والنص أيضا موجود بالشكل نفسه على الإنترنت، وثائق حول تدمير الإسرائيليين لبيوت الفلسطينيين، مجلات علمية حول الدراسات الاجتماعية، المساجين اللبنانيين في إسرائيل، دراسات «الموسيقى العربية»!، مجلات علمية حول فلسطين، الأصل الصرفي لكلمة تاريخ، صورة الثقافة العربية في الفن الفرنسي في القرن التاسع عشر الميلادي، مدى تلائم النقاش حول القضية الفلسطينية في مجموعة نقاش متخصصة كهذه، قضية الفيلم السينمائي «صعيدي في الجامعة الأمريكية» (يوجد عدد كبير من المشتركين من الأساتذة الأمريكيين بالجامعتين الأمريكيتين بالقاهرة وبيروت).
ويوجد على الموقع باستمرار إعلانات لجامعات ومراكز علمية في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا بحاجة لأساتذة للغة العربية والدراسات الإسلامية والأدب العربي.
مجموعة أخرى مماثلة وإن كانت متخصصة في القضايا اللغوية العربية بالذات، قد لا يكون الأمر مجديا بالنسبة لعربي للمشاركة في مثل هذه النقاشات إلا إذا أراد تقديم الفائدة للآخرين، لأن عددا كبيرا من الأسئلة يدور حول معاني بعض الكلمات العربية، وأكثرها ملتقط من اللهجات العامية.
أمثلة لموضوعات دار حولها النقاش في الأيام السابقة:
الأقراص المدمجة المتوفرة لتعليم اللغة العربية، ترجمة كلمة «دان / يدنين»، القواعد النحوية المرتبطة بكتابة ونطق الأرقام، دراسات حول أحرف المد واللين في العربية، قواعد نطق العربية باللهجات العامية!، اللغات السامية، الترجمة بين الإنجليزية والعربية ونقل العناصر الثقافية للنص، مجلة «التراث العربي» العلمية الأمريكية، أدب كاتب ياسين، أفلام عربية مترجمة لاستعمالها في تعليم العربية، استعمال مواقع الصحف العربية على الإنترنت في تعلم العربية، الدراسات السريانية.
المجموعة الثالثة وهي مجموعة نقاش متخصصة في الأدب العربي ومعظم المشتركين فيها من الأمريكيين المهتمين بالأدب العربي، ويشرف على المجموعة د. فرانكلين لويس، من جامعة إيموري الأمريكية الشهيرة.
وموضوعات هذه المجموعة في الحقيقة لا تختلف كثيرا عن الموضوعات التي تدور في مجموعات النقاش الأخرى التي ورد ذكرها سابقا، مع وجود تركيز خاص على الأدب الفارسي والتركي بالإضافة طبعا للعربي، واهتمام بالقبائل العربية.
الجدير بالذكر أن إيجاد مجموعة نقاش على الإنترنت أمر ليس فيه صعوبة تقنية كبيرة، وكل ما يحتاجه الأمر «سيرفر» أو موفر يقبل باستضافة مجموعة النقاش وبرنامج كمبيوتر خاص لإنهاء الإجراءات التقنية، ويوجد عادة نوعان من مجموعات النقاش:
- مجموعات يتم فيها الاشتراك وبث الرسائل إلكترونيا.
- ومجموعات يكون لها مدير يشرف مباشرة على المشتركين والرسائل التي تبث لمجموعة النقاش، ومن حق المدير أن يمنع أي شخص من الاشتراك أو أن يمنع رسالة معينة من بثها على حلقة النقاش.
وتبادل النقاش في هذه المجموعات لا يتم بشكل مباشر، بل إنه يعمل بطريقة أخرى، بحيث أن كل رسالة يرسلها أحد المشتركين في المجموعة تذهب لجميع الأعضاء الباقين في المجموعة، ويمكن لأي عضو أن يفتح صندوق بريده الإلكتروني ليجد كل الرسائل التي وصلته في أي وقت يريد، كما يمكنه أن يرد على أي رسالة منها برد يذهب لكاتب الرسالة الأصلي فقط أو يذهب لكل أفراد المجموعة، ولذا فمن الممكن أن تستقبل ردا على رسالة قد كتبت قبل أيام مثلا.
ويدعي البعض أنه يوجد حاليا أكثر من مليون مجموعة نقاش في العالم متخصصة في مختلف الموضوعات والتخصصات ومجموعات الناس المختلفة ويمكن لأي شخص البحث عن الموضوع المناسب لإيجاد مجموعات النقاش المتعلقة بهذا الموضوع ومن ثم الاشتراك فيها بالذهاب لموقع على الإنترنت متخصص في هذا الشأن.
* نُشر في جريدة المسلمون الدولية