إنها حقيقة لا شك فيها، حتى تستطيع الأمم مواكبة كل التعقيدات المرتبطة بإدارة التركيبة الهائلة للمؤسسات الحكومية والاحتياجات العامة مع تعقيدات السياسة الخارجية والتغيرات المستقبلية، حتى تستطيع ذلك فهي تحتاج لرجال يملكون القدرة على القيادة، يمرون بها عبر المآزق، ويملكون القدرة على اتخاذ القرار، والحزم في التنفيذ.
بعض القادة الناجحين، يقتصر تركيزهم على المهمة التي يحملون أعبائها، وهذا أمر طبيعي، ففي عالم شديد التشابك ومع ضغط الاحتياجات المكثف، التي يواجهها قائد هو في النهاية بشر وإنسان محدود يكاد يكون هذا هو السلوك المنطقي المتوافق مع تحقيق النجاح، ولكن بعض القادة يعطيهم الله من الموهبة والذكاء والإخلاص والتفاني بحيث يستطيعون أن يتجاوزوا حدود المهام ويعبروا خارج الإطارات الكلاسيكية، ويستطيعون حمل احتياجات الأمة على كاهلهم، عبر رؤية حادة الذكاء ترى عبر السنين، وتبحث عن مصلحة الكيان الكبير، مع القدرة في النهاية على وضع ذلك كله في إطار عملي يمكن تنفيذه، ويحقق النجاح.
هذا بالضبط في رأيي تعريف كلمة “رجل دولة”، وهؤلاء القادة النادرون تحظى بهم الأمم أحيانا، فيتركون آثارهم عبر عقود الزمن، ويمنحون أنفسهم لدولهم، فينعم الناس، ويستفيد الجميع من امتزاج الرؤية الحكيمة مع ذكاء التنفيذ، ويكسب الوطن..
لا أقل من هذا الوصف ما يمكن إطلاقه على الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
كان الخبر صادما للناس لما جاء صباح السبت، ليس فقط ولاءً وعرفانا للرجل الذي سهر ليل نهار على مصالحهم، وليس فقط لأن الموت يرعبك بهيبته التي لا تستثني أحدا بحكمه الخالق عز وجل، ولكن لأن فقد القادة وغياب رجالات الدولة يعني فقدان الكثير للأمة والناس..
قد يصعب تخيل القيادة السعودية أو وزارة الداخلية بدون الأمير نايف، الرجل الذي بدى للناس وكأنه بحجم الدولة، اختصرت في أحلام وهموم رجل عظيم.
لأن الأمير نايف رجل دولة، تحولت وزارة الداخلية لقلب ينبض في جسد الدولة، وصار لها دورها المركزي الهام، واستطاعت التصدي للكثير من المخاطر على الدولة التي لولا هذا التماسك والفكر والقيادة الحازمة لكان سيناريو سوداوي لا أريد تخيله.
عندما يغيب رجالات الدولة، يفرح أعداء الدولة، لأنه غياب للصخرة التي صدتهم، والرؤية التي حجمت أهدافهم وحولتهم لأقزام تقفز في الهواء، وهذا يفسر القليل جدا من الصراخ من داخل المملكة وخارجها، ولكن هناك شعور عميق أيضا لدى شعب المملكة ولدى أعدائها كذلك أن الأمير نايف لم يكن فقط القائد الذي يعمل ليل نهار لحمايتهم، بل كان أيضا القائد الذي بنى المؤسسة التي ستحمل تلك الرسالة عبر السنوات.
لا إنسان معصوم من الخطأ، وكل رجل دولة يمكن نقده لأن حجم الإنجازات يبرر احتمالات النقد، ولكن ما أجمع الناس عليه أن الفقيد رحمه الله وأسكنه فسيح جناته كان بحق “رجل دولة”..
لا نملك في النهاية إلا الدعاء لخادم الحرمين الشريفين وإخوته وأسرة الفقيد بأن يمنحهم الله الصبر والسلوان، وأن يستمروا في مهمتهم العظيمة في قيادة المملكة نحو القمم..
خاطرة: أعجبني جدا هذا الشاب الهكر الذي اخترق أحد المواقع الحكومية الإيرانية ووضع صورة الأمير نايف بن عبدالعزيز ليذكرهم بأنه كان ذلك الرجل الذي قهر مخططاتهم عبر السنين.
ألا ترون أن مثل هذا الشاب والشاب الآخر الذي اقتحم إيميلات بشار الأسد والثالث الذي اقتحم ترسانة المواقع الإسرائيلية تأكيد بأن الهكرز السعوديين أناس رائعين يعيشون بيننا ولا نراهم !