المجتمع الحيوي الناهض هو مجتمع يؤمن بالأفكار لأنها وقود الانطلاق والطريق إلى التميز، والأفكار الجديدة تحتاج لقلوب شابة جريئة لا تتوقف عند حد ويثيرها الإحساس بأن أفكارهم هي أحلام قد تجد طريقها للقمة.
تحدثت في سلسلة مقالات أختمها اليوم عن موضوع المبادرات الريادية والإبداعية، ودعم الشباب في أفكارهم ومشاريعهم الجديدة، وعن الفجوة الحقيقية الكبيرة في هذا المجال في مختلف الدول العربية بلا استثناء، وخاصة إذا قارنا كيف تتعامل الدول الغربية والآسيوية مع الأفكار الريادية مقارنة بما يتم في العالم العربي، سواء على المستوى الكمي والكيفي، وأشرت إلى دراسات تؤكد أن أفضل الطرق لعلاج البطالة هو الاهتمام بـ”المشاريع الجديدة”.
هذا لا يعني بالطبع أن الاهتمام بالمبادرات الريادية معدوم في العالم العربي، بل هناك جهود مبذولة هنا وهناك، وهي جهود جديرة بالثناء والدعم من قبل القطاعين الخاص والعام حتى تحقق أكلها.
أحد هذه المبادرات هي “مركز الأمير سلمان لشباب الأعمال” والذي أعلن عن تأسيسه كمركز خيري الشهر الماضي الأمير سلمان بن عبد العزيز في بادرة تستحق كل الثناء والتقدير، وجاء تأسيس هذا المركز كتتويج لجهود مكثفة كانت تتم على هامش جائزة الأمير سلمان لشباب الأعمال، والتي انطلقت عام 2008 ويرأس مجلس أمنائها الأمير سلمان نفسه، ويرأس لجنتها التنفيذية الأمير محمد بن سلمان، في اهتمام واضح بدعم المبادرات ورجال الأعمال الشباب.
دار بيني وبين الأستاذ بدر العساكر، أمين عام الجائزة حوار هاتفي حول الجائزة وحول ما تم، ولعل من الأفكار المميزة في الجائزة الحرص على الوصول بالجائزة لمختلف مناطق السعودية، وهذا أمر يعالج مشكلة أساسية في هذا المجال من حيث ما يحصل عادة من استثئار شباب المدن الكبرى بالاهتمام الأكبر، كما تحدثنا عن المعايير العالية التي تعتمدها الجائزة في اختيار الفائزين والتي جاءت بعد مراجعة تجارب 22 جائزة عالمية مشابهة، وذلك للحرص على أن يكون للجائزة دور تسليط الضوء على المتميزين قبل التشجيع، وإن كان في نفس الوقت هناك تشجيع وخدمات لجميع شباب الأعمال، تشمل خدمات مجانية أو مخفضة بالتعاون مع شركاء الجائزة مثل الاستشارات المتخصصة وتسجيل العلامات التجارية والاستشارات القانونية وتأسيس الهوية الفنية للمبادرة الجديدة.
واحد من الأفكار اللطيفة التي ستهتم بها الجائزة أو المركز قريبا، هي ما تم الاتفاق عليه مع وزارة التربية والتعليم بهدف “تنمية ثقافة العمل الحر” حيث سيتم إلقاء محاضرات على كل طلبة الصف الثالث الثانوي عن ثقافة العمل الحر وتأسيس المبادرات والأفكار الجديدة.
آخر ميزات الجائزة هي تركيزها على المنشآت الجديدة التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، وهو اتجاه عالمي بلا شك، بالإضافة لتعريف شباب الأعمال على أنهم من تقل أعمارهم عن 40 عاما.
هناك مبادرات شبيهة تقوم على تشجيع المبادرات الإبداعية والريادية في مختلف دول الخليج العربي، وهناك بنوك عالمية ومحلية تدرس أو بدأت بدعم المبادرات الجديدة من خلال صناديق تؤسس لهذا الأمر، وهناك رجال أعمال يقومون بشكل فردي أو تعاوني على اختيار بعض المبادرات ودعمها، والاتجاه المرتبط بالبنوك ورجال الأعمال هو اتجاه هام لأننا في النهاية لا نريد عشرات المبادرات التي تبدو جذابة ولكنها لا تحقق في النهاية أرباحا مادية “على المدى الطويل على الأقل”.
أكتب هذا المقال وأنا في الأردن حيث التقيت بمسوؤل مجموعة من الشباب الذين يعملون على تنظيم مناسبة باسم DemoCamp (http://www.democampamman.com)، وفكرته ببساطة هو أن يقوم الشباب والمؤسسات الجديدة بعرض ما لديهم من أفكار، بحيث يستمع إليها من يريد أن يمول أو يدعم، وبحيث يحصلون هم على رأي المشاركين وتقييمهم لأفكارهم.
مثل هذا اللقاء تم في السابق في دبي وبيروت وكان له أثر كبير من خلال التعريف بأفكار ومبادرات مجموعة كبيرة من الشباب في مجال الإنترنت والتكنولوجيا.
في الأسبوع الماضي، ذكرت الأستاذ رشيد البلاع والذي أسس National Net Ventures، حيث يختار المبادرات المميزة بعناية من خلال فريق متخصص وعاشق للإعلام الجديد والاجتماعي، حتى يتم إدارتها ودعمها وتمويلها.
هذه مجرد أمثلة ومثلها كثير جدا في مختلف الاتجاهات، وهي تعطي مساحة من الأمل أن يكون هناك تسارع للاهتمام بالمبادرات الجديدة والإبداعية وبأفكار الشباب وبخلق ثقافة تدعم ذلك كله، وكل الرجاء أن يتزايد هذا الاهتمام بسرعة كافية للحاق بركب الدول الكبرى وتحقيق مكانة للعالم العربي في ظل النمو الخرافي لمبادرات الإنترنت والتكنولوجيا والإعلام الرقمي.
إن مجتمعا يحتفل بالإبداع هو مجتمع يحتفل بالحيوية والنمو والتميز، وهو مجتمع يستحق بذل كل جهد تحقيقه، ولعل وعسى..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية