المبادرة الريادية هي فكرة جديدة، يحملها شخص طموح، تجاوز أسوار المجتمع التقليدية التي تبحث عن الوظيفة والراحة، وانطلق يجوب بها بحثا عن أفاق النجاح، وتحقيق الأفكار يحتاج لتمويل، ويحتاج لدعم المجتمع، ويحتاج لبيئة مشجعة للنمو والانطلاق، وهذا ما تحدثت عنه في المقالين السابقين.
في مؤتمر متخصص في مجال الإنترنت في بيروت الشهر الماضي تحدث الأستاذ رشيد البلاع، أحد قلائل رجال الأعمال المهتمين داخل المملكة بدعم المبادرات الريادية وخاصة في مجال الإنترنت، بكلمات قليلة عن صفة أساسية لمن يريد أن ينجح في إطلاق مبادرة ريادية أوجزها في كلمة “التفاؤل”.
هذه الكلمة لخصت باختصار شعور ذلك الذي يحمل الفكرة، وشعور من يمولها، وشعور كذلك المسؤول الحكومي الذي يدعم الأفكار، فالأفكار في كثير من الأحيان لا تحمل خطة ربحية واضحة، بينما هناك أنواع كثيرة من التجارة تحقق أرباحا مضمونة وضخمة، ولكنه التفاؤل بتحقيق الإنجاز، وتفاؤل المسؤول بتطور مجتمعه معرفيا واقتصاديا هو ما يدفع الجميع ليكونوا جزءا من هذا المشروع.
وصفة نجاح فكرة جديدة هي أن تغديها بطاقتك الحيوية وانطلاقتك الدؤوبة التي لا تعرف التوقف، وإذا واجهك الفشل فلا تفقد تفاؤلك لأن فشل فكرة هو الوسيلة الأفضل لنجاح ما بعدها، ولأن قدر كل مجموعة أفكار أن يكون أكثرها فاشلا وقليل منها ناجح.
هناك ملاحظة هامة أن كثيرا من الحديث عن المبادرات الريادية والإبداعية يربطها برجال الأعمال الشباب، و”مشاريع الشباب” وغيرها، وبالرغم من أن الشباب لهم دور كبير في الأفكار الجديدة إلى أن تأطير الأمور بهذا الشكل قد يكون ضارا بها وليس العكس، لأن كثير من المبادرات المميزة التي غيرت العالم أو أطلقت منتجات رقمية مميزة، جاءت من أشخاص لهم خبرة طويلة، وجاءوا بخبراتهم بعد ذلك ليطلقوا أفكارهم التي وصلوا إليها بحكم التجربة.
هذا امر يحتاج إليه المجتمع بقدر ما يحتاج لطاقات الشباب، ولذا أرى التأكيد على دعم “المبادرات الإبداعية” و”الريادية” بدلا من التركيز على “المشاريع الشبابية”.
أحد القضايا الهامة ذات العلاقة بالمبادرات الإبداعية هي ما أثبتته الدراسات، وآخرها دراسة نشرتها مجلة “Harvard Business School” وهي أن يتعرف من يقوم بالمبادرات الإبداعية على الآخرين في نفس المجال، وأن هذا له تأثيره الإيجابي العميق سواء النفسي أو سواء من حيث تبادل الخبرات، ولذا تنصح الدراسة المشار إليها أن تحرص الحكومات على تشجيع الجمعيات والمؤسسات التي تشمل المبادرين في إطار واحد.
في هذا السياق أحيي كل المبادرات الحديثة التي بدأت تأخذ هذا الاتجاه في عالمنا العربي ضمن تشجيع المبادرات الريادية، وأخص بالذكر أيضا موقع ومضة، وهو الموقع العربي الأول من نوعه في اهتمامه بإيجاد مجتمع للمبادرات (wamda.com)، وإذا كان الموقع ما زال في بداياته، إلا أنها فكرة قد يكتب لها النجاح، لهذا، فإن كثيرا من الذين يحددون عوامل نجاح المبادرات الإبداعية يتحدثون عن الفريق ضمن المؤسسة الجديدة الذين يعملون على الفكرة سويا.
بداية هذا التفكير كانت من طرف المستثمرين، والذين توصلوا إلى أن وجود الفريق المميز الذي يعمل بانسجام وحماس للفكرة الجديدة هو عامل من عوامل النجاح المستقبلي، وربما يكون حسب أحد المقالات المتخصصة أهم من الفكرة نفسها، لأن الفريق المميز سيعدل الفكرة تدريجيا حتى ينجح في تحقيقها.
هذه نصيحة هامة لمن لديه فكرة جيدة ويخطئ فيها الكثيرين لأسباب اجتماعية ونفسية، والنصيحة هي ابحث عن الأشخاص الذين يعملون معك في المشروع كفريق واحد، وبحيث يتميزون بكافة الإمكانيات التي تجعل وجودهم ضمن المشروع مفيدا.
قد يعني هذا في كثير من الأحيان تقليل أرباح الشخص الواحد، ووجود آخرين يشاركونه القرارات، ولكنها قد تعني في نفس الوقت نجاح المشروع من عدمه، وأنا أؤكد أهمية هذا الجانب من خلال عدد من التجارب المحلية التي اقتربت منها.
ربما من الحديث السابق عن أهمية الفريق والعلاقات مع المبادرين الآخرين يستنتج القارئ قيمة مهمة جدا في المبادرين المبدعين وهي “الاستماع” والسؤال المكثف والتعلم من تجارب الآخرين، فالشخص الذي يتمسك بفكرته ويصيبه الغرور أو التفاؤل الزائد عن حده ولا يستمع للنقد ولا يبحث عن إجابات مقنعة لمن حوله يصيبه الفشل في الغالب.
في كثير من الأحيان يعرض على بعض الأعزاء أفكارا جديدة، ودائما أحاول أن يكون ردي هو مجموعة من الأسئلة، وفي الغالب لا يهم الرد، لأن الرد لو كان جاهزا لانتهى الأمر ولما احتاج الشخص للاستشارة، ولكنني عندما أحسن أن الشخص لا يهتم بالأسئلة، وإنما يهتم فقط بما يدور في رأسه وبقناعاته الشخصية، فإنني أتوقع له الفشل، وطالما صدق هذا التوقع.
اسأل نفسك، واسأل غيرك، وتأكد إنك إذا لم تستطع إقناع الآخرين، فلن تستطيع إقناع الجمهور أو العملاء أو الشركاء أو الممولين. تبدو نصيحة بديهية، ولكنها تغيب عن الكثيرين.
وما زال للحديث بقية..
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية