عندما تتأمل الإحصاءات الخاصة بمعظم المواقع العربية الكبرى على الإنترنت، تجد أن زوار الموقع يأتون بالدرجة الأولى من السعودية أو مصر، حسب نوعية الموقع، ثم تأتي الدولة الثانية أمريكا.
هذا يشير إلى أن العرب في أمريكا يمثلون كتلة بشرية هامة في ترتيب “الأمم” العربية، وذلك على ليس على مستوى العدد بل على مستوى الكيف، فمستخدموا الإنترنت عادة هم من الطبقة الأكثر ثقافة في المجتمع والأفضل على المستوى المادي، بسبب متطلبات استخدام التكنولوجيا، وعندما يكون العرب في أمريكا الفئة الثانية سكانيا في استهلاك المواقع العربية، فهذا يؤكد أن هناك من المتعلمين في أمريكا ما يفوق أي دولة عربية أخرى باستثناء السعودية.
لكن هذه الكتلة السكانية مصنفة دائما في أدبياتنا على أنها من “الأقليات” التي “هاجرت بحثا عن لقمة العيش” و”تنفس هواء الحرية” ويعتريهم “الحنين الدائم لأوطانهم الأم”.
هذا التصنيف قد يكون مناسبا قبل 30 سنة ولكنه الآن أصبح تصنيفا خاطئا وتعاملا غير مقبول مع الشعوب العربية في الغرب، وهو التعامل الذي يقلل من أهميتهم ولا يساعد على الاستفادة منهم ومن طاقاتهم ومستواهم التعليمي المتقدم.
“الشعوب العربية في الغرب” كما يحلو لي أن أسميهم ليسوا في أمريكا فقط، بل هم في كندا، وأستراليا وأوروبا وأمريكا اللاتينية، ويمثلون امتدادات شديدة الأهمية في دول تؤثر على سير الأمور في العالم، وإهمال هذه الامتدادات يعتبر خطأ استراتيجيا بلا شك.
في العيد كان مئات آلاف الناس يصطفون متراصين في مساجد ليست قليلة العدد في ديترويت وشيكاغو ودالاس ولوس أنجلوس وفرجينيا ونيويورك وسان فرانسيسكو وأورلاندو وكليفلاند وكولمبوس وهيوستن، وكان هؤلاء جزءا من النسيج المسلم الذي صام رمضان، كما أن هناك جالية ضخمة من العرب المسيحيين، وهؤلاء جميعا يعيشون قضايا العرب ويلاحقون أخبارها كما يفعل قرنائهم العرب إن لم يكن أكثر منهم، وهم يتفاعلون مع مواقع الإنترنت العربية، ويشاهدون التلفاز العربي، ولديهم نفس المشكلات الاجتماعية والثقافية التي تواجه العرب.
لكنهم في المقابل يتمتعون بمستويات ثقافية عالية، ولديهم خبرة مميزة استقوها من المجتمعات المتقدمة التي عاشوا فيها، إلا أنهم محرومين من أي تمثيل في المؤسسات العربية الإقليمية مثل جامعة الدول العربية وغيرها.
العرب في أمريكا هو كيان بشري عربي مميز، والأمر نفسه يشمل “الأقليات” الأخرى في الغرب، ولكنهم يواجهون الإهمال والعزلة بسبب اعتبارهم عموما على أنهم الذين رحلوا وصاروا أجزاء من مجتمعات أخرى.
لقد استطاع اليهود أن يكونوا قوة تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها لما تجاهلوا الحدود الجغرافية وتضامنوا في خدمة قضاياهم، وإذا كانت طبيعة الظروف التاريخية قد أجبرت اليهود على ذلك، فإننا قد نستفيد من هذه التجربة في خلق أمة عربية تمتد من أقصى الأرض إلى أقصاها.
أنا لا أنظر لهذه القضية من وجهة نظر “عروبية” أو قومية بقدر ما تعلمت عبر العيش في أمريكا لسنوات عدة أن المسلمين والعرب في الخارج قد يكون لديهم الكثير مما يقدمونه للدول العربية والإسلامية الأم التي خرجوا منها وكونوا نسجيهم الخاص خارجها، وخاصة أنهم يعيشون في العالم المتحضر ويمتلكون خبرة مواجهة التحديات والمشكلات التي يعاني منها العالم النامي.
المشكلة التي لاحظتها من تجارب أولئك الذين “عادوا للوطن” أنهم يأتون ليصدموا بطبيعة الحياة لدينا، وقد لا يتحملوا قسوة التجربة ويفضلوا أن يعودوا للبلاد الغربية التي جاءوا منها، وصدق أو لا تصدق أن هذا يشمل التجربة الاجتماعية حيث تعودوا على الحياة الاجتماعية الحميمة في وسط الجاليات العربية في مدنهم ليأتوا للدول العربية ويعاملوا كغرباء لا يختلفون عن أي غرباء جاؤوا من الهند أو الصين.
مشكلة هذه الشعوب العربية أنها لا تملك قيادة رسمية موحدة تنطق باسمهم وتصدر القرارات نيابة عنهم، وهذا يقلل من وزنهم، ولكن الترحيب بهذه الشعوب في المؤسسات العربية الرسمية قد يدفعهم لإيجاد هذه القيادة التي تمثلهم وتساهم في تطورهم كأمة عربية تعيش في دولة غير عربية.
نحتاج لخريطة جديدة للعالم العربي!
* نشر المقال في جريدة الاقتصادية السعودية